الداخل المحتل / PNN – قبيل إحراز اتفاق تسوية، اعتبر باحثان إسرائيليان، هما الجنرالان في الاحتياط، عاموس يادلين (رئيس سابق للاستخبارات العسكرية)، وأدوي أفينتال (خبير في صياغة خطط إستراتيجية)، أن هذا ليس فقط اتفاقاً مع لبنان، بل هو التحدي الحقيقي الذي ينتظر إسرائيل، مشدّدين على ضرورة وقف الحرب على كل الجبهات، للتفرغ للتهديد الأكبر المتمثّل بإيران.
في مقال مشترك نشره موقع القناة 12 العبرية يقول يادلين وأفينتال إن المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين تنقّل، في الأيام الأخيرة، بين لبنان وإسرائيل من أجل وضع اللمسات الأخيرة على صيغة اتفاق لوقف إطلاق النار بين البلدين، ويلفتان إلى أن الاتفاق المطروح، بالإضافة إلى أنه سيمهّد الطريق لعودة نازحي الشمال إلى منازلهم، فإنه يشكّل فرصة لعملية أوسع من أجل إعادة بلورة وجه الشرق الأوسط.
كما يقولان إن إمكانية تغيير الواقع الإقليمي بما يتلاءم مع مصالح إسرائيل، يتطلب منها النظر إلى الصورة الكبيرة والتركيز على التهديد المركزي الآن، وهو إيران، والامتناع عن الإصرار غير المجدي على صيَغ غير ضرورية للاتفاق مع لبنان، والتي لا تتطلب موافقة، وهي مرتبطة في الأساس بقرار إسرائيلي، وبموافقة الجانب الأمريكي.
ويرجحّان أن يخلق الاتفاق، الذي تجري مناقشته بين الأطراف، نظاماً أمنياً أفضل ومتعدد الطبقات في الجنوب اللبناني، استناداً إلى قرار مجلس الأمن 1701، والغرض منه منع الوجود العسكري لـ “حزب الله” في جنوبي الليطاني، والذي يشكّل تهديداً مباشراً لسكان شمال إسرائيل.
ويتابعان: “هناك الجيش اللبناني في الطبقة الأولى، والذي سيزيد وجوده بصورة كبيرة، وسيعزّز انتشاره في الجنوب اللبناني. في الطبقة الثانية، ستساعده قوات اليونيفيل التي ستعمل بصورة أكثر تشدداً من الماضي، رغم أننا لا نعقد آمالاً كبيرة عليها. وإلى جانب الجيش اللبناني واليونيفيل، ستنضم آلية مراقبة وتنفيذ دولية، بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي يعارض لبنان مشاركتها في هذه المرحلة”.
ويعتبر يادلين وأفينتال أنه تحت هذا الغطاء، تسعى إسرائيل لعملية إقليمية ودولية متكاملة من أجل إغلاق حدود لبنان مع سوريا من البحر والجو، لمنع نقل السلاح إلى “حزب الله”. ويشمل هذا أيضاً الضغط على النظام السوري لمنع تهريب العتاد العسكري عبر سوريا إلى لبنان، والابتعاد عن دائرة نفوذ المحور الراديكالي، بقيادة إيران.
ومن المفيد أيضاً، برأي الباحثين الإسرائيليين، “السعي لإيجاد إطار عمل لتنفيذ القرار 1559 الذي يطالب بنزع سلاح الميليشيات في لبنان، كمستند شرعي، وكأفق للمستقبل”.
ويضيفان: “فوق هذا كله، سيكون هناك طبقة الدفاع الأساسية في إطار تغيير الواقع الأمني في الشمال، والتي ستعطي إسرائيل حق فرض نزع السلاح من الجنوب اللبناني بالقوة، ومنع بناء “حزب الله” قواته وعودته إلى الجنوب اللبناني. ومن الواضح أنه، انطلاقاً من تجربة الماضي، ومن ميزان القوى في لبنان، أن اليونيفيل والجيش اللبناني لن يتمكّنا من مواجهة “حزب الله” بالقوة، ويمكن لآلية المراقبة الدولية تقديم أساس صلب لمنع إعادة تمركُز “حزب الله”، بخلاف القرار 1701، وربما فرض عقوبات على كبار الشخصيات اللبنانية، لكن يجب ألّا نتوقع أن تعالج الآلية الدولية بنفسها خروق الاتفاق”.
كما يعتقدان أن قيام إسرائيل بفرض تطبيق الاتفاق مباشرةً هو عملياً توسيع “المعركة بين الحروب” إلى لبنان، بالإضافة إلى سوريا، وسينطوي هذا على مخاطر تصعيد من نوع أيام قتالية ستخرق الهدوء في الشمال.
وطبقاً لهما، وحدها الأيام المقبلة ستُظهر لنا كيف ستتصرف الحكومة الإسرائيلية بعد وقف إطلاق النار، في حال بدأ “حزب الله” ببناء قوته من جديد.
ويضيفان: “إن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وعن مواطنيها، ليس موضع جدل، ومن المؤكد أنه ليس مرتبطاً بموافقة الحكومة اللبنانية في إطار اتفاق. الإصرار على الصيغ ضمن هذا الإطار لا لزوم له، وليس من الصواب الاستمرار في القتال وتعريض حياة جنودنا للخطر من أجل تحقيق هذه التعديلات، وبدلاً من ذلك، يجب التوصل إلى تفاهمات جانبية مع الولايات المتحدة، تضمن أن تقدم لها الدعم الإستراتيجي وشبكة أمان سياسية في الساحة الدولية، بالإضافة إلى ضمانات أمريكية بشأن تقديم مساعدة من أجل التسلّح الدفاعي والهجومي عندما تحتاج إسرائيل إلى العمل في لبنان لفرض الاتفاق”.
وحسب يادلين وأفينتال، فإن تغيير الواقع الأمني الذي تحقّق في لبنان يحسّن ظروف التشجيع على عودة السكان إلى منازلهم حيث أزيلَ التهديد بغزو “قوات الرضوان” وإطلاق الصواريخ القصيرة المدى، وأيضاً جرى القضاء على آلاف “المخربين”، وتدمير البنى التحتية العسكرية لـ “حزب الله” على خط القرى الأول، وإلى حد ما، على الخط الثاني، وتلقّت منظومة النار لدى الحزب ضربة قوية، وهو ما أدى إلى تقلُّصها بصورة كبيرة، وتم القضاء على القيادات العسكرية والسياسية للحزب. في مثل هذه الظروف، إن التغيير الأكثر جوهريةً، بعد الحرب، هو المتعلق بحرية عمل إسرائيل في لبنان والمحافظة على الإنجازات العسكرية وإعادة فرضها عند الضرورة.
ويمضيان في تبرير دعوتهما لوقف الحرب: “إذا كانت القوة النارية القوية لـ “حزب الله” قد ردعت إسرائيل في الماضي عن العمل في لبنان، خوفاً من التدهور إلى حرب شاملة، فإن هذه الحرب أصبحت اليوم وراءنا، وتهديد “حزب الله” أصبح ضعيفاً، حتى لو لم يتم القضاء عليه تماماً. ومثلما هي الحال في غزة، تستطيع إسرائيل أن تستخدم القوة والرد بشدة على أيّ هجوم على أراضينا. الأضرار التي لحِقت بـ”حزب الله” ووقف إطلاق النار سيسمحان للجمهور اللبناني بمحاسبة الحزب على المستوى السياسي بسبب جرّه لبنان إلى كارثة كانت معروفة مسبقاً، وبسبب الدمار الذي لحِق بأجزاء كبيرة من البلد، وكارثة أكثر من مليون مواطن اضطروا إلى مغادرة منازلهم، بالإضافة إلى الكارثة التي لحِقت بالاقتصاد الهش”.
ويقولان إنه منذ اللحظة التي سيدخل فيها وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، سيُفك الارتباط القتالي بين لبنان وغزة، وسيتلاشى حلم “وحدة الساحات” ويتبدد، وستجد “حماس” نفسها معزولة في المحور الراديكالي، لأن إيران أيضاً لا تريد الدخول في مواجهة مع إسرائيل، بعد الضربة الجوية الأخيرة التي تلقّتها، وخوفاً من خطوات الإدارة الأمريكية المقبلة؛ وأيضاً في العراق، تزداد الانتقادات للميليشيات، خوفاً من أن تؤدي هجماتها إلى رد إسرائيلي.
تسعى إسرائيل لعملية إقليمية ودولية متكاملة من أجل إغلاق حدود لبنان مع سوريا من البحر والجو، لمنع نقل السلاح إلى “حزب الله”
وطبقاً لهما، فإن المطلوب من إسرائيل استغلال الفرصة من أجل تحقيق واجبها الأسمى، والموضوع في أعلى جدول أولوياتها الوطنية، أي إعادة المخطوفين في أسرع وقت ممكن بواسطة صفقة، ولو بثمن إنجازات مؤقتة لما تبقى من “حماس”.
ويعتبران أن “إنهاء الحرب في لبنان، وخصوصاً ما إذا كان هذا سيؤدي إلى تهدئة وإطلاق سراح المخطوفين في غزة، ضروري أيضاً على المستوى الإستراتيجي، ويسمح لإسرائيل بـ “تنظيف الطاولة”، قبل دخول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، من أجل تركيز الحوار معه على معالجة التهديد الأكبر لنا، وهو إيران ومساعيها النووية”.
ويؤكدان أنها فرصة حقيقية، فإيران والمنظومة الدولية هما على مسار تصادمي بشأن توسّع برنامج إيران النووي، حسبما ظهر في التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة النووية.
ويقولان إن التوجه الصقري للدول الأوروبية حيال طهران يأتي على خلفية السلاح الذي تزود به روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
ويتابعان: “يصرّح موظفو ترامب بأنه منذ اليوم الأول لتولّيه منصبه، سيفرض “الضغط الأقصى” على إيران من أجل تجفيف موارد “الإرهاب” والصواريخ والنووي، وسيضغط عليها من أجل العودة إلى اتفاق أفضل”.
في الخلاصة
ويقولان إنه في ضوء التغييرات العسكرية والمهمة إزاء “حزب الله” والمحور الراديكالي عموماً، وإمكان إعادة بلورة ساحة الحرب والجبهات المتعددة، من مصلحة إسرائيل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق للنار مع لبنان، يخفف العبء الذي لا يُحتمل عن الاحتياطيين والاقتصاد.
ويختمان بالقول: “من جهة ثانية، يجب عدم الإصرار على أهداف غير واقعية، مثل نزع سلاح “حزب الله”، حسبما قال وزير الدفاع كاتس مؤخراً. وكما أثبتت الحرب في غزة، هذا الهدف الأقصى يمكن أن يستنزف منظومة سلاح الاحتياط والاقتصاد في الجنوب اللبناني طوال سنوات. وفي أيّ حال، بعد توقيع الاتفاق، وبغضّ النظر عن الصيغ، ستقف إسرائيل أمام اختبار فرض نزع السلاح من المنطقة الواقعة في جنوبي الليطاني ومنع تهريبه من سوريا”.
المصدر / القدس العربي