[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
في الوقت الذي يرزح فيه شمال قطاع غزة تحت أتون إبادة جماعية مستعرة ومستمرة منذ 18 يومًا، هي الأشد والأقسى في تاريخ البشرية المعاصر، وبعد أن وضع الاحتلال سكانه بين خياري الموت أو النزوح جنوبًا، فضل كثيرون البقاء فلا معنى للنزوح إلى مناطق أخرى للموت فيها قصفا ومرضًا وجوعًا.
المركز الفلسطيني للإعلام، تحدث إلى كثير من الغزيين الذين أجبروا على النزوح من مناطق سكنهم في شمالي قطاع غزة، أو مدينة غزة، وأجمعوا أن قرار النزوح كان خاطئًا حيث قتلوا وجوّعوا في مناطق الجنوب كما يجري في شمال قطاع غزة، فالقطاع المنكوب كله تحت نار القصف، والحصار والتجويع.
ورغم أن الاحتلال يمارس في مناطق شمال قطاع غزة أبشع صور القتل والإجرام، تجد المواطنين هناك، متمسكون بالبقاء، والبقاء فقط، مقررين عدم تكرار خطأ ارتكبه أهلهم بالنزوح إلى الجنوب، آخذين على أنفسهم عهدًا بإفشال مخططات الاحتلال الخبيثة الرامية إلى تفريغ مناطقهم، وإنهاء المقاومة فيها، تمهيدًا للاستيطان أو إعلانها مناطق عسكرية مغلقة.
وأجبر الاحتلال الآلاف على النزوح في الأيام الماضية من شمال غزة تحت القصف والقتل، ولكنهم آثروا التوجه إلى مدينة غزة ورفضوا التوجه للجنوب.
في الجنوب يتوقون للعودة
العودة إلى مناطق شمال قطاع غزة المدمر، حلم يتوق إليه أهله، وهم الذين عبروا عن ندمهم الشديد لقرار النزوح، مؤكدين أنه اتخذ في لحظات من الضعف والخوف على الصغار ورغبة في حمايتهم من نار الحرب والقصف، إلا أنهم تفاجؤوا أن القصف والقتل والإرهاب الصهيوني يطالهم أينما حلوا وارتحلوا، فكثير منهم قصف وأبيد في مناطق نزوحهم في مناطق جنوب وادي غزة.
المواطن بلال الأستاذ يقول لمراسلنا: “قراري بالنزوح كان أكبر خطأ أرتكبه، نحن هنا منذ عام، نقتل يوميًّا، ونجوع ونعيش حياة الخيام البائسة، كان قرارنا بالنزوح من خوف على حياة أطفالنا، وأهلنا”، متابعًا أن الاحتلال لاحقهم في مناطق جنوب وادي غزة، وعاشوا النزوح مرات ومرات، واستنزفوا ماديًّا ومعنويًّا.
الأستاذ يحلم بعودة إلى بيته المدمر في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، يقول: “أتوق لمدينة غزة وشوارعها، وبحرها، نحن هنا بين أهلنا، لكن عودتنا هناك حلم لا بد أن يتحقق”.
محطات نزوح
في بداية النزوح، توجه الأستاذ رفقة عائلته إلى مدينة خان يونس، وهي محطة النزوح الأولى، ومنها إلى رفح عندما بدأ الاحتلال توغله الكبير هناك، وبعد أن بدأ الاحتلال غزو المدينة أقصى جنوب القطاع، نزح منها إلى دير البلح، يصف ما جرى بأنه مؤامرة قذرة وألم لا ينتهي، ليتنا لم ننزح، نهرب من الموت هنا كل يوم، والعالم يتفرج.
يصف الأستاذ يومه خلال النزوح قائلا “أستيقظ صباحا على صوت الغارات تخطف الآمنين من بيوتهم، وأنام ليلا على صوت الركام ينهال على المفقودين يتبعه صراخ الفاقدين”، وأمام هذا الشكل من الحياة يقول الأستاذ “وكأننا وقعنا ضحية مؤامرة قذرة في سلسلة ألم لا ينتهي، أوهمونا فيها بأنّ الموت لا يقترب من المناطق الآمنة”.
وشنت قوات الاحتلال آلاف الغارات على المنطقة التي تدعي أنها إنسانية ما أدى إلى آلاف الشهداء والجرحى فيها.
سنعود ونعمرها
أما المواطن زايد الفار وهو مدرس في مدارس تتبع للحكومة في جباليا يقول لمراسلنا: لا تكاد تمر دقيقة وأنا أحلم بالعودة إلى مخيمي في جباليا، جباليا التي تباد أحب إلى قلب، تركتها وقلبي يتمزق، سنعود إليها رغم أنف الاحتلال، وسنعمرها وسنعيدها وطنًا رغم مآسينا”.
المواطن زايد عندما فارق مخيمه في جباليا، يقول كأنما فارقت الروح الجسد، إلا أنه كان قرار المضطر وفق قوله، إلا أنه يؤكد أنه لو أعيدت تلك الأيام لن يغادر مخيمته حتى لو قصفو المنازل فوق رؤوسهم. معللًا ذلك بأن الاحتلال لم يترك لهم مكانًا آمنا في جميع مناطق قطاع غزة.
يؤكد أن القصف والموت يلاحقهم في كل مكان، وتأمين المأكل والمشرب والملبس في ظل حالة التجويع والحصار بات أمرًا عسيرًا، فقد استنزف ماديًّا ومعنويًّا.
يتابع أن حلمه أن يزال الخط الفاصل بين جنوب قطاع غزة وشماله، ليكحل عينيه بمناطق سكنه في شمال القطاع، واعدًا بأن يقبل تراب جباليا التي تجبل حاليا بدم الأبرياء الذين تقتلهم إسرائيل ليل نهار على مدار الساعة في إبادة جماعية بشعة.
سأعود إلى حبيبتي غزة
أما المواطن محمد مهنا وهو يعمل محاميًّا وسافر إلى جمهورية مصر العربية أثناء فتح معبر رفح، يقول لمراسلنا: متى يفتح معبر رفح، سأعود إلى حبيبتي غزة، هذه البلد التي نحبها، وتحبنا، تلك البلد التي نموت من أجلها، سأعود إليها رغم كل ما يجري، هم يحاولون إجبارنا على كرهها، هم واهمون، نحبها ونعشقها كل يوم أكثر من الآخر، غزة الجريحة لنا وهي لنا، ومنها سنعود لتحقيق حلم العودة الأكبر إلى قرانا المحتلة.
يقول مهنا: “لغزة سحر غريب، الفقير فيها هانئ البال والمريض فيها مطمئن، لغزة بركة في كل شيء وللاستقرار فيها راحة لم أجدها خارجها”.
يؤكد أن أول قرار سيتخذه فور فتح معبر رفح هو العودة، “سنطبب جراح غزة، وسنعيدها كما كانت وأجمل، سنبنيها بأجمل حلة، ستكون العنقاء التي أخرجها أحبابها من تحت الرماد”.
يقول: عندما غادرت غزة إلى مصر طلبًا للأمن، اعتقدت أني سأجد الراحة والاستقرار، لكن لا شيء أجمل وأحب إلى قلبي من غزة المدينة التي تعاند الغرباء، وتنافح عن عزتها وجبروتها، مؤكدًا أن الاحتلال إلى فشل وزوال، وستعود فلسطين إلى أهلها، طال الزمن أم قصر.
“}]]