جنرال إسرائيلي بارز: أخطر تداعيات “طوفان الأقصى” فقدان الثقة بالجيش

 ​   

الداخل المحتل / PNN –  في معرض قراءة استخلاصات لـ “طوفان الأقصى”، والحرب المتوحشة على غزة، في ذكراها السنوية، يرى القائد السابق لغرفة العمليات في جيش الاحتلال الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف أن إسرائيل لم، ولن، تحقق أهدافها، رغم مكاسبها، نتيجة فقدان إستراتيجية، وتورطت بحرب لا تنتهي.

ويقول زيف، في مقال نشره موقع القناة 12 العبرية، إن إسرائيل أنهت عاماً من حرب متعددة الجبهات، ومركّبة وصعبة، بدأت بكارثة، وجرى بعدها نهوض من جديد، وتصاعدت قوتها، وحققت سلسلة من الإنجازات العسكرية الاستثنائية.

زيف: إسرائيل في أسوأ وضع تشهده منذ تأسيسها، لقد باتت معزولة، وتعيش خطر فرض عقوبات دولية،.. آن الأوان لتحويل الجهد العسكري لإنجاز دبلوماسي

وفي المقابل، يقول إنه لم يتم، حتى الآن، تحقيق أيّ هدف من أهداف الحرب، فسلطة “حماس” لا تزال قائمة في غزة، وقوتها العسكرية التي جرى تفكيكها بدأت بالنهوض من جديد، ولم تتم إعادة المخطوفين. ورغم النجاحات في لبنان، فإن عودة النازحين لا تبدو قريبة.

أمّا على الصعيد الدبلوماسي، فيؤكد أن إسرائيل بدأت الحرب بشكل ممتاز، وهي الآن في أسوأ وضع تشهده منذ تأسيسها، لقد باتت معزولة، وتعيش خطر فرض عقوبات دولية، معتبراً أنه آن الأوان لنقل الجهد العسكري وتحويله إلى إنجاز دبلوماسي، فنحن لم نحقق أياً منها حتى الآن.

وفي قراءة السابع من أكتوبر، يقول زيف: “كان يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر اليوم الأسوأ في تاريخنا، إذ لم تفشل أجهزة الأمن برمتها في الدفاع فقط، بل انهارت رواية الأمان الشخصي والثقة الجماهيرية بالجيش الذي لم يكن موجوداً هناك في أثناء المأساة.

ففي يوم واحد فقط، تبخّرت رواية القوة الإقليمية والدولية لإسرائيل. وحده التحليل الواسع من خلال لجنة تحقيق مستقلة يمكن أن يشرح الحقيقة، وكيف جرى لنا هذا في يوم واحد، بشكل يمكّننا من قبول تفسير هذا الحدث الكارثي والمذلّ في تاريخنا”.

من الواضح، بالنسبة لزيف، أن ما حدث كان نتيجة تقاطُع عدة عوامل: عدم الفهم العميق، ومسارات التقليص العسكرية، وخفض الجاهزية والاستعداد للدفاع لدى الجيش على حدود غزة، حيث كان التركيز على الضفة الغربية، مستوى سياسي معزول عن الواقع الأمني منذ الانتخابات، استعلاء وانغلاق في كافة مستويات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى عدو رأى في الانقسامات الداخلية في إسرائيل فرصة له.

وفي الوقت نفسه، يشير الجنرال الإسرائيلي لمحاولات بن غفير لإشعال المسجد الأقصى، ورغبة نتنياهو في المضيّ في صفقة مع السعودية من دون الفلسطينيين، أمور كلّها شكّلت عاملاً مسرّعاً بحد ذاته لـ “طوفان الأقصى”.

والأهم من هذا كلّه وجود خط مشترك واحد يربط ما بين تشرين الأول/أكتوبر 1973 واليوم، وهو الحمض النووي الاستعلائي الواثق بنفسه، والذي يقول “إن هذا لن يحدث لنا”.

ويرى زيف أن السؤال الأكثر أهميةً في سياق الحديث عن يوم “السبت الأسود”، وبعد أن انهار الدفاع، وتفكّكت منظومة السيطرة والقيادة كلياً، هو: أين كانت البنى القديمة والجيدة لدى الجيش، أين كانت سرعة الرد، وأين اختفى الدخول في الاشتباك، والمبادرة؟ لماذا لم يكن هناك أيّ شجاعة؟ العمود الفقري للمنظومات الهجومية التي استند إليها الجيش أعواماً طويلة اختفت في اليوم نفسه. ورفضت القيادة التكتيكية أن تصدق ما تراه، ولم يستطع الجيش أن يستوعب أن هذه هي الحرب، وعليه أن يسعى للاشتباك بكل قوته، وأن يقوم بكل ما هو ممكن لمنع ذبح المواطنين أمام عينيه. لقد تجمّد، في أغلبيته، في مواقعه، ولم يتصرف كما يجب، ولم يساعد الأشخاص الذين ذُبحوا. الحديث يدور حول فشل عظيم، حتى لو كان هناك شجاعة وبطولة في حالات كثيرة. التحقيق الذي أشار إلى أن جنود الاحتياط لم يصلوا إلى الجبهة لأنهم لم يجدوا مَن يفتح لهم مخازن السلاح، أو انتظروا وصول الأوامر، مستفز جداً”.

ويتفق زيف مع من يرى أن “طوفان الأقصى” أحدث صدعاً في وعي الإسرائيليين، وبثقتهم بأغلى ما يملكون: “أكثر من الكارثة الكبيرة، فإن الضرر الأكبر هو أزمة الثقة الكبيرة والفجوة. لقد فقد المواطنون الثقة بقدرة الجيش على حمايتهم ومساعدتهم في وقت الحاجة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأهم هو أن الجيش نهض سريعاً من الضربة التي تلقاها، وخلال أيام قليلة، استطاع “تطهير” الميدان من 1500 “مقاوم” اخترقوا الجدار، وخلال 3 أسابيع، بدأ هجوماً أخضعَ “حماس” في نهاية المطاف”.

وطبقاً لزيف، فإن هذه الحرب مركّبة جداً، ويخوضها الجيش منذ أكثر من عام في ثلاث جبهات مركزية: غزة، ولبنان، والضفة الغربية. هذا بالإضافة إلى وجود جبهات ثانوية: سوريا، إيران، اليمن، والعراق. حتى الآن، تم تسجيل بعض الإنجازات المهمة جداً. “حماس” فُكّكت عسكرياً، و”حزب الله”، الذي كان حتى قبل شهر يشكّل رعباً في المنطقة، تم ضربه، وأصيب إصابة صعبة جداً، حتى باتت قيادته “فوضوية وضعيفة”. إيران تلقّت ضربات صعبة، وتبدو أضعف من أيّ وقت مضى”.

زيف: لم تفشل أجهزة الأمن برمتها في الدفاع فقط، بل انهارت رواية الأمان الشخصي والثقة الجماهيرية بالجيش الذي لم يكن موجوداً هناك في أثناء المأساة

من هنا يستنتج الجنرال الإسرائيلي أن عقيدة الأذرع التابعة لإيران قد فُكّكت، وباتت أكثر ضعفاً. محاولاً تقزيم قوة الضربة الصاروخية الإيرانية يمضي في استنتاجه: “صحيح أنها تستطيع إطلاق كمية كبيرة من الصواريخ، لكنها في حالة “مخجلة” بسبب الفجوة التكنولوجية ما بينها وبين إسرائيل. هذه المرة الثانية التي تفشل فيها هجماتها على إسرائيل، ولا تؤدي إلى أيّ نتائج”.

حرب بلا هدف وإستراتيجية
ويرى أنه رغم جميع الإنجازات، فإن الجيش وصل إلى حدود القوة الخاصة به، بعد عام من الاستنزاف، ومن دون المخزون الاحتياطي المطلوب: البقاء في غزة، والقيام بعمليات اقتحام لمنع تجدُّد قوة “حماس” لا يخفي “حماس” فعلياً،

ومع الوقت، ستنجح في إعادة بناء نفسها، ما دام لم يتم بناء بديل، ولا يزال الميدان تحت سيطرتها. أمّا في لبنان، فحتى لو تفكّك “حزب الله” إلى تنظيمات أصغر، فإنه من دون جيش لبناني كبير وقوي، سيغرق الجيش الإسرائيلي في منطقة لا يملك القدرات اللازمة للسيطرة عليها، وخصوصاً أنه يستعمل كل موارده.

الضفة مشتعلة، ونحتاج إلى كثير من القوة للسيطرة عليها. هذا بالإضافة إلى وجود أربع جبهات بعيدة يجب العمل فيها عسكرياً.

ويتابع في تحذيراته: “الآن، باتت الحرب من دون هدف، ومن دون إستراتيجيا، ومن دون نهاية في الأفق، باستثناء استنزاف الجيش والدولة إلى أقصى حد. هذا هو وقت نقل ثقل الحرب من حرب عسكرية إلى معركة دبلوماسية”.

وحسب زيف، هذه الأزمة تخلق أيضاً فرصاً، وتسمح بالدفع بترتيبات إقليمية جديدة بقيادة الولايات المتحدة: “هذه الإمكانية حقيقية لإعادة البناء من جديد، بعد حالة التفكك التي شهدتها الدول سابقاً لمصلحة التنظيمات “الإرهابية” خلال الأعوام العشر الماضية.

في لبنان، هناك للمرة الأولى، فرصة لإعادة بناء الجيش اللبناني، وأن يتحمّل المسؤولية الداخلية، وتتعالى الأصوات المطالِبة بتشكيل حكومة قوية ودفع “حزب الله” خارج الحياة السياسية في لبنان، وإمكان نشر قوات الجيش في الجنوب اللبناني، ومنع “حزب الله” من الوصول إلى الحدود مع إسرائيل.

وفي سوريا أيضاً، يمكن تفكيك و”تنظيف” تأثير إيران و”حزب الله”، ويبدو أن الأسد يبحث في ذلك”.

وفي المقابل، يرى بضرورة الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة، والتوصل إلى صفقة لإعادة المخطوفين، وتشكيل حكومة في غزة لا ترتبط بحركة “حماس”، وتكون مرافقة للجنة دولية تكون مهمتها: إعادة إعمار غزة بمساعدة الدول العربية المعتدلة، وتساعد في الحفاظ عليها منزوعة السلاح، وتمنع عودة “حماس”. زاعماً أن التخوف الكبير والشعور بالخوف في إيران يسمحان بالدفع قدماً باتفاق جديد تلتزم فيه طهران إعادة الخطة النووية إلى الوراء، مع مراقبة أكبر. فضلاً عن وقف كلّي لإرساليات السلاح إلى التنظيمات “الإرهابية” والدول الخارجية”.

ويقول أيضاً إنه يمكن لخطة إستراتيجية كهذه، بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، أن تؤدي إلى دفع الإقليم إلى الاستقرار مدة ثلاثة أعوام، والدفع إلى تطبيق اتفاق سلام مع السعودية، وبناء حلف دفاعي إقليمي، إلى جانب خطة حقيقية للدفع بمشاريع إقليمية تعزز اقتصاد السلام والعلاقات بين دول المنطقة.

وعن الدور الإسرائيلي في ذلك يضيف: “طبعاً، سيكون على إسرائيل أولاً: استعادة ثقة العالم بها، لكن العالم أيضاً يحتاج إلى قيادة إسرائيل التي لا تتردد في قتال “الإرهاب” الذي تحوّلَ إلى مشكلة عالمية، وليس فقط إقليمية. المشكلة أن هذه المسارات كلّها لا يمكن أن تجري، لأنه لا يوجد أيّ إستراتيجيا في السياسة الشخصية التي تدير حياتنا، ولا يوجد أيّ قائد في العالم يصدّق نتنياهو، أو مستعد للقيام بأيّ خطوة حياله، حتى لو كانت بسيطة”.

ويرى أن إسرائيل تحتاج إلى مسيرة علاج كبيرة جداً، تبدأ بانتخابات وتشكيل حكومة وحدة قوية تكون مهمتها الأساسية تحصين المنظومة القضائية والأساسات الصهيونية والديمقراطية والليبرالية في إسرائيل. كما يرى أن المطلوب إعادة تعريف وثيقة الاستقلال والاعتراف بها كدستور، وفرض قيود على قوة الحكومة، وتنظيفها من الأمراض السياسية، وتقوية التعليم الحكومي وإعادة ترميم العلاقة والأخوّة في داخل المجتمع، بعد الانقسامات التي جرت فيه، وتشجيع الكراهية الذي حدث، وكذلك الرغبة في الانتقام التي زُرعت في داخله. يجب أن تنهض إسرائيل برمتها من جديد من هذه الحرب المؤلمة”.

زيف: هناك خط مشترك واحد يربط ما بين أكتوبر 1973 واليوم، وهو الحمض النووي الاستعلائي الواثق بنفسه، والذي يقول “إن هذا لن يحدث لنا”

ويشير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي الذي لحِق به ضرر كبير، في الأساس بسبب انعدام السياسة الخارجية والإدارة السيئة، سيربح كثيراً من إعادة الاستقرار الإقليمي، وهو ما سيسمح له بالنهوض من جديد بسرعة نسبياً.

ويتابع: “سيكون من الصعب إعادة الاستثمارات الأجنبية، ويجب البحث عن المال اليهودي في الخارج، وتجنيده في إطار الفصل الجديد من الصهيونية الذي يبدأ بعد استخلاص العبر خلال العام الماضي”.

ويختتم بمقولة لا تخلو من شحنة دعائية تحفيزية: “القدرة على الصمود أمام أزمة كهذه، وفي مقابل كثير من الكوارث، هي من دون شك جزء من الرواية والقوة الخاصة بشعب إسرائيل على مدار أجيال، وهو الذي أثبت التزامه وقتاله بطريقة مذهلة في كل المجالات طوال العام الماضي. وهذا ما يشهد على أننا جميعاً سنبقى هنا ونقاتل معاً من أجل مستقبل أفضل لأولادنا”.

المصدر / القدس العربي

  

المحتوى ذو الصلة