[[{“value”:”
بدأت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هذه الحرب، فلماذا لا تنهيها؟ لماذا لا تتراجع وتستسلم وتُنقِذ مَنْ تبقّوا من أهل غزّة من ويلات الحرب؟ لماذا لا تقتنع بأنّ خيارها فَشِلَ وأودى بأرواح عشرات الآلاف؟… ثلاثة أسئلة استنكارية، ضمن جملة كبيرة من شبيهاتها يردّدها إعلاميون ومُحلّلون، ظاهرها البراغماتية والحرص على حياة الناس، وباطنها السمّ الزعاف والشرّ المُبين، لأنّها ببساطة تأتي ممّن يعتمدون “حساب العَلَف”، بتعبير الكاتب السياسي العُماني علي المعشني، وليس حسابات الشَرَف.
يضيفون: إذا كانت اليابان نفسها، دولةً وجيشاً، استسلمَت للحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس/ آب 1945، فما بال هؤلاء الحفاة من مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسّام ما زالوا يكابرون، وينكرون أنّه قلّمت أظفارهم وقُصّت أجنحتهم؟
مرةً أُخرى، هذه حسابات رياضيّة، وسعر الحرّية لا يقبل الرياضيات ولا الفيزياء، سعر الحرّية ثمنه التضحيات، ثمّ التضحيات، من دون سقفٍ زمني أو حدٍّ أقصى. إجمالاً، يمكن القول إنّ مُفردة الاستسلام لا وجود لها في قاموس حركة حماس، هكذا باختصار قاطع.
أمّا تفصيلاً، فيمكن القول إنّ مصطلح الاستسلام لدى الحركة هو معادلة تسير في الاتجاه المعاكس تماماً للمعادلة التي تنظّم وجودها، ومسيرها، ومسيرتها، وهذه الحسابات التي يعتمدها أهل العَلَف تقوم بها “حماس” تماماً، ولكن من منطلق مختلف، فيصبح رفض الاستسلام مُكوّناً بنيويّاً في أبجديات الحركة، ولو سلّمنا من باب الجدَل أنّ هذه الشبهات تأتي من باب الحرص على حياة الناس وإنقاذهم من ويلات الحرب، تأتي حسابات “حماس” من باب الحرص على التضحية والموت في سبيل الله، ونيل الشهادة. هذه هي المعادلة التي يعتمدها في حساباته الكبير والصغير في هيكل الحركة.
وبناء عليه، ماذا يُقال في حركة يقصدها ويطلب الانتماء إليها مَنْ يقرّر الاستشهاد في سبيل الوطن؟ وماذا يمكن فعله مع حمساوي سياسي، أو قسّامي عسكري، يسعى إلى تحرير أرضه، وفي أثناء ذلك، يضع الشهادة في مستوى رغبته في تحقيق النصر، بل إنّ الشهادة بالنسبة إليه أكبر هدف يمكن الوصول إليه على الإطلاق، فهما (الشهادة أو النصر)، خياران لا ثالث لهما، يعتقد الحمساوي أنّه فائز بأحدهما في جميع الأحوال، لا يتسلّل إلى حسابه أيُّ نوع من الخسارة.
من ناحية ثانية، لا وجود للاستسلام في قاموس حركة حماس، لأنّها ببساطة تُدرك أنّه ليس حلّاً للمشكلة، فلو افترضنا إعلانها الاستسلام صباح الغد، وخرَج قادتُها نادمين معتذرين، ورافعين الرايةَ البيضاءَ (هذا لن يحدث طبعاً)، هل سيحلّ ذلك المشكلة؟ وهل سترضى إسرائيل به؟ … الجواب: لا، وألف لا. بل سيحدث العكس، سوف يُغري استسلام “حماس” إسرائيل بمزيد من القتل، والتهجير، والتشريد، وسوف تعتقد أنّ الفرصة سانحةٌ لتوجيه الضربة القاضية للحركة المقاومة، والانتهاء منها إلى الأبد.
هذا ما سيحدث، لأنّ أساس فكرة قيام إسرائيل دولةً يعتمد في جوهره على إنهاء وجود الشعب الفلسطيني تماماً، وهذا ما رسّخه زئيف جابوتنسكي، الأب الروحي لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، حين قال عن نفسه “لو كنتُ فلسطينياً، لقاومتُ، ولكن علينا أن نمنع الفلسطينيين من التفكير في المقاومة، وسبيل تحقيق ذلك، هو استخدام أقصى درجة من القوة والعنف”، ونتنياهو يطبّق ذلك عملياً في حرب الإبادة الجارية في قطاع غزّة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023)، وهو في ذلك يطبّق أيضاً الأساس الذي قام عليه كتاب زعيم حركة كاخ المتطرّفة مئير كهانا: “They Must Go”.
الدليل الواقعي الثالث على أنّ “حماس” لا تعرف شيئاً عن الاستسلام، وكيف يمكن أن يكون، هو نموذج السلطة الفلسطينية القائم، وهي السلطة التي تفاوضت مع الاحتلال الإسرائيلي 30 عاماً، ثمّ لم تخرج بشيء، بل كلّما كانت تقدم تنازلاً تنحطّ هي إلى أسفل، وترفع إسرائيل سقف مطالبها، بل يجري التفكير حالياً داخل إسرائيل في التخلّص من هذه السلطة المُهترِئة، والاتيان بغيرها تكون أكثر طواعيةً.
هذه ثلاثة أمور، من بين كثير تردّ على أهل العَلَف، الذين يجيش في صدروهم هذا السؤال: لماذا لا تستسلم حركة حماس وتنهي هذه الدوّامة من القتل والتشريد والدماء؟ … أهل العَلَف بقولهم هذا، يُبرّئون الاحتلال ويتّهمون الضحية. وفي المحصّلة يقولون ذلك وهم يعلمون أنّ “حماس” لن تستسلم حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط.
“}]]