[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
باتت قوات الاحتياط التي تشكّل القوة الأساسية في القوات البرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بمنزلة “عقب أخيل”، الذي يصعب عليه في واقعه القائم هزيمة أعدائه وتحقيق النصر المطلق، على الرغم من التطور التكنولوجي الهائل التي دخلت على منظومة التشكيلات العسكرية والأمنية في العقود الأخيرة.
هذا ما خلصت إليه ورقة بحثية أعدها د. محمود محارب، الباحث المشارك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مستنداً إلى عديد المعطيات التاريخية والعسكرية التي استعرض من خلال واقع الجيش الإسرائيلي الذي ينفرد عن غيره من الجيوش العالم في أن قوته القتالية تعتمد أساساً على قوات الاحتياط التي يجب أن تبقى في حالة تأهب دائمة وجاهزية تامة عند تعبئتها في أقصر فترة ممكن لا تتعدى ثلاثة أيام.
وتوضح ورقة تحليل السياسات المنشورة في 7 أغسطس 2024، تحت عنوان “قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي: بنيتها وأسباب تراجع دورها”، أن الجيش كان في حاجة ملحّة إلى أسابيع عدة لتنظيم قوات الاحتياط وتدريبها قبل أن يشنّ هجومه البري على قطاع غزة، مشيرة إلى شبه إجماع بين المتخصصين الإسرائيليين على أن تلك القوات لم تكن جاهزة بما فيه الكفاية، من حيث تدريباتها ونوعية أسلحتها.
وتلفت الورقة إلى أن حكومة الاحتلال لم تنشر المعطيات الحقيقية لعدد قوات الاحتياط التي جرى تجنيدها فعلًا في حرب الإبادة المستمرة على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، فبينما تذكر مصادر أنه جرى تجنيد 350 ألفًا، تقول أخرى أن العدد 300 ألف أو 250 ألفًا.
وترجح الورقة أن عدد قوات الاحتياط المجندة فعليًا بلغ 220 ألف فقط، وفقاً لمعطيات ذكرها العميد أريئيل هايمن الذي شغل منصب الضابط المسؤول عن قوات الاحتياط بين عامي 2002 و2005، حيث وجهت قيادة جيش الاحتلال خمس فرق قتالية من السبع التي لديه إلى غزة، وفرقتين قتاليتين وضعهما في الشمال في مواقع دفاعية، في مقابل قوات حزب الله في جنوب لبنان.
وتقول الورقة إن هذه القوات الكبيرة لم تفلح بتحقيق الأهداف المعلنة للحرب، بالقضاء على حركة حماس وحكما في قطاع غزة واستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، على الرغم من المقتلة الكبيرة التي نفذتها بحق المدنيين حيث استشهد أكثر من 40 ألف فلسطيني، وجرح زهاء 93 ألفاً جلهم من النساء والأطفال، ودمّر معظم المدن والبلدات والمخيمات في قطاع غزة، بهدف تحويله إلى منطقة غير صالحة للسكن وترحيل سكانه.
وتضيف الورقة أن فشل جيش الاحتلال في تحقيق أهداف الحرب، جدد النقاش في إسرائيل بشأن عدد قوات الاحتياط وجاهزيتها للقتال، حيث يطالب العديد من المتخصصين بزيادة الفرق القتالية في الجيش ثلاث فرق أو فرقتين على الأقل في أسرع وقت.
وتُقدر الورقة أن تقليص عدد قوات الاحتياط منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي وخلال تسعينياته، حيث بدأت إسرائيل في تغيير بناء القوة في جيشها، وعدم جاهزيتها للقتال، وإنهاك المقاومة الفلسطينية الباسلة في قطاع غزة للجيش الإسرائيلي، إضافة إلى عوامل أخرى، أثرًا، حتى الآن، في عدم شنّ حربًا شاملة على حزب الله في لبنان، على الرغم من مرور عشرة شهور على حرب المساندة والاستنزاف المحدودة التي يشنّها ضد إسرائيل.
عوامل التراجع
وتعزو الورقة تراجع الأداء العسكري لقوات الاحتياط في جيش الاحتلال على الرغم من دورها الحاسم خلال العقود الأربعة الأولى من لتأسيس دولة الاحتلال، إلى تطوّرين أساسيين مهمين أثّرا بشدّة في عملية بناء هذه القوة.
يتمثل التطور الأول في تغير طبيعة الحروب نتيجة التطورات التكنولوجية الهائلة التي حدثت في العقود الأخيرة، وثانيًا، في تغير طبيعة العدو الذي تواجهه دولة الاحتلال من دول إلى تشكيلات وتنظيمات عسكرية ما دون الدول، وذلك بعد أن تخلّت الدول العربية عن الخيار العسكري لاستعادة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، وتطبيع العديد منها علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل.
وتشير الورقة إلى أن قيادة جيش الاحتلال اعتقدت في ضوء هذا التغيير أن بإمكان الجيش حسم الحرب وتحقيق النصر اعتمادًا على سلاح الجو المزوّد بأحدث الطائرات والمسيّرات العسكرية، والجيش النظامي (175 ألفاً) المزود بأحدث أنواع الأسلحة والمنظومات التكنولوجية المتطورة، وكذلك الاستخبارات العسكرية والأجهزة الأمنية الأخرى المستندة إلى التكنولوجيا الحديثة، ومنظومات السايبر والذكاء الاصطناعي المزودة بميزانيات ضخمة لجمع المعلومات المختلفة والدقيقة عن التنظيمات والتشكيلات العسكرية ما دون الدولة.
وفي هذا السياق، جرى التسامح في العقدين الماضيين مع انخفاض نسبة التجنيد الإلزامي في الجيش الإسرائيلي، وتقليص قوات الاحتياط وتراجع تدريباتها وجاهزيتها للقتال، وهي التي تشكّل القوة الأساسية في القوات البرية.
وتبين الورقة أن نسبة التجنيد الإلزامي بدأت بالتراجع منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ففي عام 1990، بلغت نسبة الرجال اليهود الذين لم يُجنّدوا من أولئك الذين وصلوا إلى سن الخدمة الإلزامية 16.6%، وفي عام 2000 بلغت 21.5%، وزادت في عام 2006 لتصل إلى 26%، واستمرت في الزيادة حتى بلغت في عام 2020 نحو 33%.
وبينما تفيد الورقة بأن 16% من يهود الحريديم لم يجندوا في الخدمة الإلزامية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، توضح أن 11% من المجندين إلزاميًا يجري تسريحهم قبل انتهاء فترة خدمتهم الإلزامية، لأسباب متعددة، وهذا يعني أن 44% من الرجال اليهود لم يجري تجنيدهم إطلاقًا، أو لم يكملوا خدمتهم الإلزامية في الجيش، ومن ثمّ لا يخدمون في قوات الاحتياط.
حرب غزة وقوات الاحتياط
بخلاف حرب الإبادة على غزة، لم يسبق لجيش الاحتلال أن استدعى قوات الاحتياط خلال العقدين الأخيرين بهذا العدد الكبير، إذ حرص على استعمال القوات النظامية في حروبه وفي عملياته العسكرية الكبيرة بما في ذلك حربه على لبنان في يوليو/ تموز 2006.
وتبين الورقة أن جيش الاحتلال ومنذ توقف عن استدعاء الاحتياط عام 1985 للخدمة في للبنان وحتى انسحابه منها عام 2000، استعمل قوات الاحتياط بنسبة محدود مرتين، الأولى استدعى فيها فرقًا عسكرية للمشاركة في عملية “السور الواقي” عام 2002 والتي أعاد فيها احتلال المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، وعام 2014 في حربه العدوانية على غزة حيث استدعى فقط 80 ألفاً لتنفيذ مهمات دفاعية وليست هجومية قتالية.
وتؤكد الورقة أن قوات الاحتياط لم تعد “جيش الشعب” أو “الشعب المسلح”، كما أسماه دافيد بن غوريون، مؤسس إسرائيل وواضع نظرية أمنها، ففي عام 2020 كان هناك أكثر من 8 ملايين و300 ألف يهودي (21-45 عاما) في سن الخدمة بقوات الاحتياط، إلا أن عدد تلك القوات في وفق مصادر إسرائيلية موثوقة كان 425 ألف جندي فقط، لم يجرِ استدعاء أكثر من نصفهم التدريبات اللازمة للحفاظ على الجهوزية في عام 2000.
وعزت الورقة التحليلية ذلك إلى أولويات بناء القوة في جيش الاحتلال، إضافة إلى عوامل اقتصادية سعت فيها قيادة الجيش للتوفير في الميزانيات استناداً إلى اتفاق مع وزارة المالية جرى فيه التفاهم على أن التوفير الذي ينجم عن تقليص عدد أيام خدمة أفراد الاحتياط في كل سنة يبقى في وزارة الجيش لاستعماله في احتياجاته.
وتلفت الورقة إلى أن ميزانية استدعاء وتكلفة تدريبات قوات الاحتياط كانت وما زالت حتى اليوم، مفتوحة؛ وعلى الرغم من ذلك لم تلتزم وزارة جيش الاحتلال باستدعاء الاحتياط للخدمة بالوتيرة التي المتّبعة قبل الاتفاق، من حيث عدد أيام الاستدعاء، أو زخم التدريبات ونوعيتها، ولجأت إلى تقليص عدد أيام الاستدعاء كلما واجهت صعوبات مالية.
قانون قوات الاحتياط
وتذكر أن سن قانون قوات الاحتياط عام 2008، لم يفلح في نظّم العلاقة الرسمية بين قوات الاحتياط والجيش والمجتمع والدولة التي شهدت تغيراً كبيرًا في قيمها ووضعها الاقتصادي، وتحوّل المجتمع فيها مُجنّد إلى مجتمع نيوليبرالي تسوده النزعة الفردية، الأمر الذي أثّر في تغير علاقة الفرد بالمجتمع والدولة.
وتوضح الورقة أن سن القانون جاء مدفوعاً بتساؤلات عديدة منذ الثمانينيات عن مناعة قوات الاحتياط وجاهزيتها للقتال وقدرتها على القيام بدورها في الحرب، وذلك على خلفية النقص المتراكم في التدريبات ونوعية أسلحتها القديمة وعدم تحديثها، مقارنةً بالجيش النظامي، مشيرة إلى أن قانون الاحتياط لم يحلّ العديد من المشكلات.
وبينما ينصّ القانون بوضوح أنه ينبغي استدعاء أفراد قوات الاحتياط نحو 18 يومًا في السنة، و54 يومًا كل ثلاث سنوات من أجل إجراء التدريبات العسكرية، تؤكد الورقة أن جيش الاحتلال لم يلتزم بذلك بتاتًا، وبقيت وتيرة استدعائها وعددها خاضعَين للاعتبارات المالية، كما كان عليه الوضع قبل سنّ القانون، وليسا للحفاظ على جاهزيتها للقتال وفق ما هو منصوص عليه.
وتشير الورقة إلى أن ذلك ترافق مع تغيرات في توجهات بناء القوة في الجيش ومكانة القوات البرية، حيث تقرَّر تحويل جيش الاحتلال إلى “جيش صغير وذكي”، ترتكز عملية بناء القوة فيه على سلاح الجو المزود بأحدث الطائرات العسكرية ومختلف أنواع المُسيرات والاستخبارات العسكرية المستندة إلى التكنولوجيا الحديثة والسايبر، وجيش نظامي مزوّد بأحدث أنواع الأسلحة والمنظومات التكنولوجية المتطورة، فيما بقيت قوات الاحتياط تستعمل أسلحتها القديمة، ولم تتدرب على الأسلحة الحديثة، لأن قسماً كبيرًا منها لم يُستدعَ للتدريب أساسًا، أما الذين استُدعوا فلم يتدرّبوا على منظومات الجيش النظامي الحديثة التي يستغرق التدريب عليها فترة طويلة.
“}]]