[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
شكلت عمليات إطلاق النار على الدوريات العسكرية وحافلات المستوطنين بصورة يومية، بجانب العمليات الاستشهادية التي زرعت الموت في المدن الإسرائيلية الصاعق المباشر لإطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوم عسكري واسع على الضفة الغربية المحتلة فيما عرف باسم عملية “السور الواقي”.
ومع إعلان كتائب القسام وسرايا القدس مسؤوليتهما عن العملية الفدائية التي وقعت في وسط مدينة “تل أبيب” مساء 18 أغسطس الجاري، تعود العمليات الاستشهادية بالداخل المحتل لتطل برأسها من جديد بعد 22 عاماً على العملية الإسرائيلية (2002) التي مثلت نقطة تحول في إجهاض انتفاضة الأقصى (2000)، وانتهت بإنهاء السيادة السياسية الفلسطينية في الضفة وتقطّيع جدار الفصل العنصري أوصال المدن والقرى الفلسطينية وتحويلها إلى كنتونات ومعازل يطوقها الاستيطان من كل جانب.
أدوات يفرضها الميدان
ويرى الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أن تنفيذ عملية استشهادية مشتركة تعكس نمطاً مقاوماً متداخلاً ومتشابكاً بين مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية بدأ في شمال الضفة الغربية المحتلة من مخيم جنين ثم طولكرم، ونابلس وطوباس، والذي بطبيعته يمتد في المخيمات ويتوسع للعديد من المناطق.
ويشير إلى أن هذا التنسيق والتداخل لوحظ منذ 2021 بعد معركة “سيف القدس”، وهو أمر مهم يعكس انطباع عن المجتمع الفلسطيني بأن العمل المقاوم ينبق عن عمق تكوينه الاجتماعي السياسي، “بمعنى وجود بيئة اجتماعية ذوبت الفوارق الصلبة بين مختلف الفصائل، ويعكس إرادة تعاون العمل المقاوم، والرغبة في تطويره داخل ساحات العمل الصعبة داخل الضفة، ليصبح أكثر تأثيراً في الاحتلال، وأوسع امتداداً على الصعيد الشعبي والاجتماعي الفلسطيني”.
ويؤكد عرابي أن عمل المقاومة الفلسطيني يعتمد أساساً على تراكم الخبرات الفلسطينية من ناحية ردود الفعل، والأدوات والأساليب المستخدمة في المواجهة من ناحية أخرى، وقد تعزز هذا الأمر بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023.
ويلفت الكاتب الفلسطيني إلى السياق التاريخي الذي ظهرت فيه العمليات الاستشهادية كأحد أساليب المقاومة لعنف الاحتلال ومستوطنيه في الضفة، حيث جاءت بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي التي نفذها المستوطن المتطرف باروخ جولدشتاين في فبراير 1994، عندما فتح نيران سلاحه على المصلين الساجدين، وقد ساعده جيش الاحتلال الذي اقتحم المسجد وسط إطلاق نار كثيف في تلك اللحظات.
ويضيف عرابي أن العمليات الاستشهادية برزت كسمة أساسية في أساليب ردع المقاومة الفلسطينية للاحتلال إبان انتفاضة الأقصى “الثانية”، كرد فعل على قتل جيش الاحتلال للمدنيين على الحواجز العسكرية بالرصاص الحي، وعمليات اقتحام المخيمات الفلسطينية بزعم “تطهيرها” من المسلحين.
ويتابع: “بينما في هذه الحرب لا أحد يستهدف المدنيين إلا الإسرائيلي جيشاً ومستوطنين يقتلون الناس في الصلاة، وفي أثناء أخذ الغذاء، وفي بيوتهم وهم نيام، ويحرقون أراضيهم. كما يقتل المدنيين في لبنان واليمن، ويشعر أن يده مطلقة بلا كوابح ودون أي أفق لهدنة إنسانية واحدة منذ 10 أشهر على حرب الإبادة في غزة”.
وينبه إلى أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي عندما أوقفت العمليات الاستشهادية، جاء القرار مدفوعاً بمراجعة سياسية شرعية من استباحة المدنيين.
مرحلة جديدة
في حين يعتقد المحلل السياسي خليل عبد الرحمن، أن إعلان كتائب القسام وسرايا القدس مسؤوليتهما عن عملية تل أبيب، يمثل إعلاناً صريحاً عن عودةً عملية لتكتيك العمليات الاستشهادية إلى واجهة الصراع بقرار من أكبر حركتين مقاومتين في الساحة الفلسطينية.
ويقول في منشور على حسابه بمنصة فيسبوك: “هذا الإعلان يأذن بمرحلة جديدة ستساهم في كسر إرادة الاحتلال، ولجم وحشيته ونازيته ضد شعبنا في غزة والضفة. ويشكل تحديا عنيداً لكل أجهزة العدو الاستخبارية والعسكرية والسياسية، التي لن تستطيع منع باحث عن الشهادة من الوصول لهدفه”.
وشدد على أن إدخال ما يسمى “المدنيين الإسرائيليين” في مدن قلب دولة الاحتلال إلى أتون هذا الصراع سيلقي بكرة اللهب في حجر نتنياهو وحكومته النازية، وسيشكل ضغطاً رهيباً عليها، يدفعها إلى إعادة التفكير بالخطوط الحمراء التي تجاوزتها بارتكابها الإبادة الجماعية في غزة، “لكن يبدو أن الوقت تأخر، وأن النار وصلت لغرف نومهم وصالونات بيوتهم، وإطفاءها سيكون صعباً”.
ويذكر أن العملية الاستشهادية التي نفذها الشهيد عبد الباسط عودة في فندق بارك بمدينة نتانيا شمال فلسطين المحتلة ليلة 27 مارس 2002، وأسفرت عن مقتل 30 إسرائيليًا وإصابة 160 آخرين، شكلت العامل الأساسي لتنفذ عملية “السور الواقي”، إذ صنفت العملية التي نفذتها كتائب القسام بأنها الهجوم الأكثر قوة في دولة الاحتلال، وجاءت تتويجًا لموجة دامية من العمليات استمرت عامًا ونصف منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، قتل فيها أكثر من ألف إسرائيلي وجرح آلاف آخرون.
الشعب يعبر عن نفسه
وفي هذا الإطار يقول الباحث بلال سلامة، إن ما يميز انتفاضة الأقصى هو اندفاعها نحو العنف الثوري، لارتباط المرحلة التاريخية للعمل السياسي والعسكري بذلك، وتزامنه مع سياسات عنصرية إسرائيلية عدة تميزت بالعنف والقسوة والوحشية، أبرزها منع التجوال، وهدم البيوت، وتشريد العائلات، والقتل العشوائي والهمجي والعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني.
وفي ورقة بحثية “العلميات الاستشهادية تطوير الجسد كأداة مقاومة”، نشرها مركز دراسات الوحدة العربية في يونيو 2020، يشير الباحث إلى سياسة إسرائيلية تهويدية لا تزال قائمة على عزل وتدمير المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وقتل تطورها الطبيعي وتوسعها من خلال محاصرتها بالمستوطنات، ونقاط التفتيش وطوابير الانتظار لعدة ساعات من قبل المواطنين، والاعتقالات، والتصفية والاغتيالات.
ويوضح سلامة أن هذه السياسات تعبر عن “تقنيات تأديبية قاسية وعنيفة هدفها تطويع الجسد/الوعي الفردي/الجمعي الفلسطيني الذي أحيل من حالة الرضوخ في مرحلة الكمون السياسي (1993 – 2000)، إلى حالة التحدي ورفض سياسات الاستعمار”.
ويقول ما يجرى من سياسات إسرائيلية تنطبق عليه مقولة فانون “الشعب الذي يقولون إنه لا يفهم غير لغة القسوة، يحزم أمره الآن، على أن يعبر عن نفسه بلغة القسوة”، مشيراً إلى العمليات الاستشهادية كانت الأكثر إيلاماً للاحتلال في انتفاضة الأقصى، باعتبار أن مرحلة الرضوخ والانصياع للمحتل قد انتهت، يعنونها الاستشهادي بكلماته: “أن الدم بالدم والنار بالنار”.
“}]]