[[{“value”:”
دعت الجزائر مجلس الأمن إلى عقد جلسة طارئة للنظر في مذبحة مدرسة التابعين بغزّة. أكثر من مائة شهيد اختلطت جثثهم فلم تستطع جهات الحصر تحديد معالمها، فيما انتشرت أنباءٌ عن احتساب حجم الكارثة بالكيلوغرام.
المفارقة أنّ الأمم المتّحدة، وهي الجهة التي أنشأت مجلس الأمن، لم تحسم موقفها بعد من المذبحة التي تابعها العالم كلّه بالبث المباشر، ولامسّت دماء ضحاياها الوجوه التي تتفرّج، إذ لا تستطع المنظّمة الأممية أن تحدّد من القاتل، وتريد وقتاً للتحقيق الدقيق قبل أن تعلن رأياً.
في اتصال تلفزيوني، قال نائب المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتّحدة، فرحان حقّ، إنّ تحديد الطرف المسؤول عن مذبحة مدرسة التابعين يحتاج وقتاً، ومن المُبكّر تقرير ما إذا كانت المذبحة ضدّ القانون الدولي الإنساني أم لا، إذ يبقى ذلك مرهوناً بنتائج التحقيق، والأولوية الآن وقف القتل قبل أن نحدّد من هم القتلة.
أما الولايات المتّحدة، دولة المقرّ للأمم المتّحدة ومجلسها للأمن الدولي، فإنّها فضلاً عن أنّها شريك كامل مع الاحتلال الصهيوني عسكرياً وسياسياً، تقول إنّها لا تزال تتواصل مع نظرائها الإسرائيليين، الذين قالوا إنّهم استهدفوا قياداتٍ في “حماس”، وبانتظار التفاصيل. وإلى أن تأتي التفاصيل يذهب الاحتلال إلى ارتكاب مذابحَ جديدةٍ، كي لا يشعر بالملل في الفترة التي تحتاجها الأمم المتّحدة لكي تعلن هُويَّة الجناة.
في الأثناء، لم نسمع عن طرف عربي يتذكّر أو يُفكّر في استخدام آليةٍ دبلوماسيةٍ متاحةٍ ورخيصةٍ اسمها جامعة الدول العربية، لمناقشة تبعات الجريمة، واتخاذ موقفٍ حيالها، وكأنّها سقطت من ذاكرة النظام العربي وحسابه، وصارت قطعةَ “أنتيك” من الماضي، توضع في البيت العربي من دون استعمال.
أمين عام هذه القطعة، التي يعلوها التراب، لم يسعفه الوقت ليكتب برقيةَ عزاءٍ في شهداء المجزرة، عبر حسابه على منصة إكس، فالرجل مشغولٌ بإحصاء عدد ميداليات العرب في أوليمبياد باريس، وصياغة تغريدة يُعبّر بها عن سعادته الطاغية بالأبناء الذين رفعوا رأسه بالفوز، لكنّ الرجل، وللأمانة، اختتم فرحته بالميداليات بمشهد مُؤثّر، وكلمات عاطفية، حين قال: “التهاني والتبريكات لا تنسينا مآسي إخوتنا في غزّة، ونظلّ نطلب من القوّة الدولية الأولي أن تضطلع بمسؤوليتها”.
لم يطلب أحدٌ من العرب دعوة الجامعة إلى الانعقاد، لكنّهم دعوا الإجرام إلى الاختيار بين عاصمتَين عربيتَين لكي يتفضَّل ويجلس إلى مائدة التفاوض، برعاية الإدارة الأميركية المشاركة في الجرائم كلّها، من أجل عقد صفقةٍ تُحقّق أولاً إطلاق سراح الأسرى الصهاينة والأميركيين، وثانياً منع محور المقاومة من استهداف الكيان الصهيوني ردّاً على جرائمه في طهران وبيروت واليمن، وثالثاً وقف القتال، مع حفظ حقّ المُعتدي في استئناف عدوانه في الوقت الذي يراه.
قد يكون مفهوماً أنّ المجتمع الدولي تخلى عن قانونه الدولي، وقانونه الدولي الإنساني، وقانونه الأخلاقي كذلك، وارتضى أن تصبح إسرائيل ليست فوق القانون فقط، بل هي القانون ذاته، والمعيار الوحيد للحكم على الأشياء، ما يجعل حديث أيّ مسؤول أممي عن مقتضيات القوانين الدولية مثيراً للسخرية، بالنظر إلى أنّنا أمام واقع دولي جديد يقول إنّما وُجدت القوانين لكي تنتهكها إسرائيل، وتحصل على مكافآت وامتيازات نظير ذلك.
أمّا غير المفهوم حقاً أنّ المجتمع العربي الرسمي بات متصالحاً مع هذا الواقع، ومستسلماً لفرضية أنّه لا قِبَلَ له بمناهضة الكيان الصهيوني أو حتّى معارضته، بإجراءات بسيطة وممكنة، بدلاً من البيانات المُعلّبة التي تصدر بعد كلّ قضمة من لحم فلسطين الحيّ، ولا تُحدِث أثراً سوى إدخال السعادة والطمأنينة إلى قلب العدوّ.
محيّرٌ حقاً ومؤسفٌ أن أحداً من الرسميين العرب لا يستطيع أن يقرأ مآلات ما يدور الآن، ويدرك أنّه لو التهمت إسرائيل غزّة، وأعادت حكمها، مباشرةً أو من خلال مختاريها، فإنّ كلَّ مدينة عربية ليست في مأمنٍ من أن تكون غزّةً أخرى.
لن نحدّثهم عن الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية والدينية، وما تفرضه أخوّة الدم واللغة والتاريخ والجغرافيا، بل نتوسّل إليهم أن يُفكّروا في الأمر بمعايير المصلحة الوجودية، أن يُفكّروا بعقولهم وقلوبهم لا بغرائز الانتفاع اللحظي، تاركين المستقبل لعدوٍّ لن تردعه عن التهامهم خدماتهم الجليلة، التي يُقدّمونها له الآن.
“}]]