[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
لن تنسى رشا محمود ذلك اليوم المرير أبداً، يوم جاءها المخاض على وقع القنابل المتساقطة، “كان الموقف صعباً لا يمكن وصفه، شعرت أن قلبي سيقف”.
تقول محمود، عند مغيب شمس يوم 20 يونيو/ حزيران الماضي، شعرت أوجاع رهيبة أسفل بطني فعلمت أنها آلام المخاض لكن أصوات القصف الإسرائيلي على أبراج الصالحي في النصيرات جعلني أتسمر في مكاني، فلا أنا قادرة على الصراخ ولا أملك القوة على الحركة بينما سيارات الإسعاف لا تتوقف عن الذهاب والإياب لنقل الجرحى والشهداء.
رشا (30 عاما) ليست حديثة عهد بالولادة، فهذا مولدها الرابع، لكنها المرة الأولى التي تعيش ألم الولادة ورعب الحرب معاً، “سمعت وقرأت شهادات لنساء وفتيات عشن هذه التجربة في حروب عدوانية سابقة على غزة، لكني لم أتخيل أن أعيش هذه اللحظة داخل خيمة شاطئ البحر”.
خرج زوج رشا ليبحث عن مركبة لتنقلهم إلى مستشفى العودة غرب مخيم النصيرات، لكن ذلك لم يكن يسيراً “بدت المنطقة كالأشباح إلا من صوت الزنانة وانفجارات القنابل”.
وتضيف: “أصبح زوجي في حيرة من أمره لا يعرف ماذا يفعل، بين خوفه عليّ وخشيته على أطفالنا الذين سنتركهم في الخيمة، حتى تجرأنا على مناداة جارتنا واستئذانها رعايتهم إلى حين عودتنا”.
وتلفت إلى أنها وبمجرد وصولها إلى المستشفى، قصت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزلاً مجاورا للمشفى، “كان الخوف يملأ المكان والمستشفى مزدحم، وكانت الولادة صعبة على الرغم من أنها ولادة طبيعية، حاولت أن أدخل المرحاض قبل الولادة فلم أستطع بسبب الطابور الطويل من النازحين”.
وبسؤالها عن أكثر المخاوف التي راودتها في تلك اللحظة تقول: “كنت خائفة أن أخسر الجنين، خائفة على أطفالي الذين تركتهم. تمنيت لو أن أمي معي في هذه اللحظات العصيبة. كنت أسمع صرخات الأطفال والنساء الجرحى وهم يبكون من هول القصف”.
وتمضي بالقول: “كنت أدعو الله أن تنتهي الحرب قبل موعد ولادتي. فالولادة تحت الحرب معاناة لا تتوقف هنا. ببحث في السوق عن مستلزمات صحية لي ولطفلي ولكن كثير منها مفقود من الأسواق، وها هو ابني محمد قد تجاوز شهره الأول في أشد أشهر السنة حرارة”.
وتقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” أن نحو 20 ألف طفل ولدوا في جحيم حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ اندلاعها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهناك طفل يولد كل 10 دقائق وسط هذه الظروف المروعة. بينما أشارت وكالة أممية إلى وجود نحو 50 ألف امرأة حامل في القطاع.
وتثير الظروف الكارثية وانهيار الخدمات الصحية وانعدام النظافة وانتشار الأوبئة الخوف في نفوس النسوة على أطفالهن عموماً والمواليد على وجه الخصوص، وبينهن سارة أحمد التي وضعت مولدها في الأشهر الأول من الحرب.
تقول أحمد (28 عاما) وهي تعمل ممرضة إن الخوف ليس فقط يوم الوضع، فتبعات الولادة تحت الحرب أمر مرهق من ناحية توفير بيئة مناسبة للمولود أو غذاء للأم المرضعة، أو توفير البامبرز والحليب للرضيع.
وتتساءل: “كيف لمولود عمره ساعات وأيام أن يعيش في خيمة، تجافيها كل أساسيات الحياة الإنسانية، كيف للطفل أن يأخذ كفايته من الرضاعة والأم لا تتناول طعاماً صحياً”.
وتضيف: “كيف لوالد الطفل أن يعوض ابنه عن نقص الرضاعة الطبيعية والحليب الصناعي غير متوفر بالأسواق ويباع بأسعار مرتفعة جدا حيث تباع الواحدة بنحو 60 شيقلاً، وإن حصلت على واحدة مما تقدمه المؤسسات الدولية فبالكاد تكفي أسبوعاً”.
وتشير أحمد إلى صعوبات تلاقيها النساء أثناء وضعهن مواليدهن، حيث يلقي استهداف مشافي القطاع بظلال قاتمة على رعاية ما بعد الولادة للأم من خضع الإصابة بمضاعفات مثل النزيف أو الالتهابات أو اكتئاب ما بعد الولادة وهو أمر خطير جدا إذا ما داهم الأم وسط هذه الظروف.
وتضيف: “لا تقتصر المخاوف على الولادة نفسها، بل تتعداها إلى تحديات عدة مثل إبقاء المواليد الخداج داخل الحضّانات في ظل نفاد الكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية، والنقص الحاد في الوقود وعدم توافر الكهرباء، والغذاء.
ووفق معطيات نشرتها وزارة الصحة بغزة، فإن نحو 60 ألف امرأة فلسطينية حامل في القطاع يعانين من سوء التغذية والجفاف جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، والذي تسبب في خروج 34 مستشفى و68 عن الخدمة.
وتتردد مي يونس على النقطة الطبية الخاصة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، حيث تشكو من نزيف متقطع أخبرتها الطبيبة بأنه بسبب نقص الغذاء الصحي والنزوح المتكرر، وأنها قد تواجه خطر الولادة المبكرة.
وتقول مي إنها نزحت ثلاث مرات منذ بدء الحرب، واضطرت للمشي مسافات طويلة من غزة إلى المنطقة الوسطى قبل أن تستقل مركبة إلى خانيونس، ثم نزحت مرة أخرى مشياً على الأقدام إلى رفح ومن هناك نزحت إلى دير البلح.
وتتعرض الحوامل لمشاكل صحية بسبب النزوح والتوتر بالإضافة إلى نقص المياه والطعام، ويقول صندوق الأمم المتحدة للسكان إن سلطات الاحتلال تعيق دخول حزم المساعدات من المواد الخاصة بحالات الولادة.
وتؤكد الأمم المتحدة في نشرتها المتعلقة بالنوع الاجتماعي حول تداعيات الحرب على غزة على النساء والفتيات، أن الحصول على المياه النظيفة يعد أمرًا بالغ الأهمية للأمهات المرضعات والنساء الحوامل، اللاتي يحتجن يوميًا إلى استهلاك كميات أكبر من المياه والسعرات الحرارية مقارنة بغيرهن.
ووفقا لليونيسيف، فإن 95% من النساء الحوامل أو المرضعات يواجهن نقصا غذائيا حادا.
وتحذرت وكالات أممية من أن الآثار النفسية الناجمة عن الحرب وما لها من عواقب مباشرة على الصحة الإنجابية، بما في ذلك ارتفاع حالات الولادة المبكرة، والإجهاض الناجم عن التوتر.
وتقول كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريت كاغ إن الأطباء في غزة يلاحظون ارتفاعاً في معدلات الإجهاض في الثلث الأول والثاني من الحمل، دون معرفة الأسباب وراء ذلك، “لكن من المؤكد أن النساء في قطاع غزة يعانين من ضغوطات نفسية وجسدية وصحية”.
“}]]