[[{“value”:”
تعرّض رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ومرافقه لعملية اغتيال في العاصمة الإيرانية طهران فجر الحادي والثلاثين من شهر يوليو/ تموز. وقد اتهمت حماس والحكومة الإيرانية إسرائيل بتنفيذ عملية الاغتيال. ورغم أن هذه العملية ليست الأولى، فإنها عُدت من أخطر عمليات الاغتيال وأكثرها جرأة، حيث استهدفت زعيم أكبر حركة فلسطينية تحظى بشعبية كبيرة في الأوساط الفلسطينية. كما تجرأت إسرائيل على انتهاك سيادة إيران واغتالت ضيفًا رسميًا مشارِكًا في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، في ظل وضع سياسي وأمني حسّاس تشهده المنطقة.
تعتبر جريمة الاغتيال السياسي من أخطر الجرائم التي تهدد السلم والأمن الدوليين، كما أنّها تتعارض مع قواعد القانون الدولي.
في هذا المقال، نناقش الأبعاد القانونية لعملية الاغتيال والآثار القانونية المترتبة عليها.
أولًا: البعد القانوني الدولي
يحرم القانون الدولي الاغتيال السياسي ويعتبره استخفافًا بحقوق الإنسان وجريمة حرب. حيث تجرّم القوانين الدولية القتل خارج نطاق القانون. تنصّ المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على أن لكل فرد حقًا في الحياة والحرية والأمان.
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي:
المادة 6: الحق في الحياة
تؤكد المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 (وهي اتفاقية ذات قواعد عرفية وتعاقدية) أن لكل إنسان حقًا أصيلًا في الحياة، وأن القانون يحمي هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا.
المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف
تحظر هذه المادة الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية بما في ذلك القتل والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب. كما تحظر إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون محاكمة قانونية تكفل الضمانات القضائية الضرورية. تُعَد هذه المادة إحدى الركائز الأساسية للقانون الدولي الإنساني، حيث توفر حماية إنسانية أساسية للأشخاص غير المشاركين في النزاعات، وتلزم جميع الأطراف بالحد الأدنى من المعاملة الإنسانية.
المادة 7 من نظام روما الأساسي
تشمل الجرائم ضد الإنسانية أفعالًا ترتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضد مجموعة من السكان المدنيين. يتضمن ذلك القتل كجزء من سياسة عامة أو خطة منهجية. ويعتبر الاغتيال السياسي جريمة ضد الإنسانية إذا كان جزءًا من هجوم واسع النطاق أو منهجي يستهدف المدنيين أو القادة السياسيين أو النشطاء بشكل منهجي.
اتفاقيات جنيف ومعاهدات أخرى
تشمل اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 واتفاقية لاهاي الرابعة قوانين تحظر الاغتيالات، معتبرةً إياها جرائم تهدد السلم والأمن الوطنيين والدوليين. القانون الدولي يحرم أي شكل من أشكال القتل خارج نطاق القانون، ويشمل ذلك الأشخاص الخاضعين لحكومات وطنية أو احتلال. ويجيز القانون الدولي اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبة الانتهاكات الجسيمة.
إن اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يعد في هذا الإطار انتهاكًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وهو جريمة ضد الإنسانية وفق نظام روما الأساسي لعام 2002. وتوجد إمكانية اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية للرد على هذا الاغتيال، إما ضمن ملف خاص ترفعه دولة فلسطين، أو ضمن الملفات المرفوعة أصلًا.
إن القانون الدولي يحظر الاغتيالات السياسية لقادة حركات التحرر التي تكافح ضد الاحتلال، وتدافع عن حق تقرير المصير، وهو من الأحكام الآمرة في القانون الدولي. ويعتبر إسماعيل هنية قائدًا سياسيًا معروفًا جدًا، وبالتالي فإن اغتياله يتعارض مع القوانين الدولية.
ثانيًا: انتهاك مبدأ السيادة الوطنية في إطار ميثاق الأمم المتحدة
في الماضي، لم تكن دول العالم تلجأ إلى مهاجمة أهداف خارج حدودها، إلا إذا كانت مستعدة للدخول في حروب قد تكون طويلة ومكلفة، وأن القضية تستحق مثل هذه التضحية. لكن هذا الأمر صار مألوفًا في هذه الأيام.
في السابق، عندما كانت تضطر أي دولة إلى مثل هذا العمل العدائي، الذي ينطوي على استهانة بالدولة الأخرى، وانتهاك صارخ لسيادتها، واستفزاز لمشاعر شعبها الوطنية، فإنها كانت تسبقه بإرسال تحذيرات رسمية للدولة المعنية، ثم تقدم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، تبين فيها التهديد الذي تتعرض له من تلك الدولة، قبل الإقدام على شنّ هجوم عسكري؛ لأن هناك تبعات خطيرة لأي هجوم عسكري خارجي.
يعاني النظام الدولي الحالي من أزمات عميقة، والقوة العظمى التي تقوده عاجزة عن حل هذه الأزمات المتراكمة. إن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية جديدة، وذلك بسبب عدم وجود حلول فعالة للأزمات المتفاقمة.
إن فكرة أن الدول الكبرى لن ترغب في حرب عالمية جديدة أمر غير مقبول. الحروب لا تندلع بالضرورة بسبب الرغبة فيها، بل بسبب فشل القادة في إدارة الأزمات وحلها سلميًا، والحرب على غزة تعتبر نموذجًا صارخًا.
استمد مفهوم السيادة الدولية من معاهدة وستفاليا عام 1648، التي أسست كيانات مستقلة ذات سيادة على شؤونها الداخلية والخارجية. ميثاق الأمم المتحدة الذي أنشئ عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية نص في مادته 2/1 على مبدأ السيادة، مؤكدًا عدم تدخل المنظمة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. رغم ذلك، شهدت العلاقات الدولية تأثيرات كبيرة من منظمة الأمم المتحدة، خاصة بعد الحرب الباردة، وسقوط المعسكر الشرقي، حيث أصبحت بعض القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تفرض سيطرتها بشكل شبه مطلق.
إن ميثاق الأمم المتحدة لم يكتفِ بتأكيد مبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء، بل سعى أيضًا إلى تعزيز هذا المبدأ عبر تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بما في ذلك من قبل الأمم المتحدة نفسها. كما نصت المادة 2/7 من الميثاق على أنه لا يجوز للأمم المتحدة التدخل في الأمور التي تعد من صميم السلطان الداخلي لأي دولة عضو.
ثالثًا: الأسس القانونية الإسرائيلية لتبرير سياسة الاغتيال
تتبنّى إسرائيل سياسة رسمية ومتصاعدة لتنفيذ عمليات الاغتيال بحق نشطاء وقادة فلسطينيين، مدفوعة بتبريرات “الحق في الدفاع عن النفس” وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. في حقيقة الأمر، فإن هذه السياسة هي جزء من إستراتيجية أمنية قديمة تهدف إلى مواجهة التهديدات المتوقعة، حيث تعتبرها وسائل مشروعة لتحقيق الأمن، وتقليل المخاطر بحق مواطنيها وجنودها في إطار الأمن الوقائي. ومع ذلك، لاقت مثل هذه التبريرات انتقادات واسعة لتعارضها مع روح القانون الدولي وأحكامه.
أصدرت محكمة العدل العليا في إسرائيل عام 2006 قرارًا يسمح للجيش بتنفيذ عمليات اغتيال النشطاء الفلسطينيين بدعوى الدفاع عن أمن الإسرائيليين. وقد ارتفعت معدلات الاغتيال بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين، وأصبحت سياسة واضحة جدًا خلال الحرب الحالية على غزة. ليس من الغريب أن يكون اسم جيشها: “جيش الدفاع الإسرائيلي”، مع أن كل حروبه كانت هجومية. وتبرر إسرائيل هذه العمليات ضمن إطار أخلاقي وقانوني مزعوم.
عمليات الاغتيال تتم بطرق تفتقر إلى الحد الأدنى من الشفافية القانونية، والحق في المحاكمة العادلة، وغالبًا ما تؤدي إلى مقتل عشرات المدنيين عند استهداف شخصية سياسية أو عسكرية. بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أقرّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بإمكانية قتل ناشط صغير في حماس حتى لو أدى ذلك لمقتل 20 مدنيًا، والسماح بقتل أكثر من 100 مدني مقابل اغتيال قائد كبير في حماس.
تعتمد سياسة الاغتيالات على مفهوم “المقاتل غير الشرعي”، الذي يعني أن أي شخص ينشط في منظمة “إرهابية” يمكن اعتباره هدفًا حتى لو كان نشاطه هامشيًا. ويُعتقد أن “المقاتل غير الشرعي” لا يتمتع بأي حق من حقوق المقاتلين أو أفراد حركات التحرر الوطني أو الجيش النظامي، وأنه لا يتمتع بالحصانة الجنائية.
رابعًا: التوترات الإقليمية في المنطقة وسياسة الإفلات من العقاب
إن سياسة القتل المنهجي التي ترتكبها إسرائيل بحق سكان قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، والتعامل الوحشي مع الأسرى الفلسطينيين، وتجاهلها قواعدَ القانون الدولي وقرارات مؤسساته ومحاكمه، ثم ممارسة سياسة الاغتيال بحقّ قادة حركات التحرر الوطني والاعتداء على سيادة الدول، ورغم ذلك كله تفلت من العقاب، يعزز ذلك شريعة الغاب ويؤدي إلى مزيد من إضعاف الأمم المتحدة، كما يؤسس لمزيد من الحروب.
إن الآثار المتوقعة لهذه الجريمة وتغاضي المجتمع الدولي عنها تشمل زعزعة الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة والعالم، وزيادة حدة الصراعات وتعميقها. كما أن هذه العمليات ستشجع على مزيد من عمليات الاغتيال، وستعزز شعور إسرائيل بأنها بمنأى عن أية مساءلة قانونية. خرق مبدأ سيادة الدول سيقوض الأسس القانونية التي استقر عليها العالم بعد الحرب العالمية الثانية.
على المجتمع الدولي التدخل لوقف حفلة الجنون الإسرائيلية، وضرورة التحرك لكبح جماح نتنياهو وحكومته المتطرفة قبل فوات الأوان.
“}]]