[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
احتفى العالم قبل أيام بـ “اليوم العالمي للعدالة الدولية” الذي يوافق 17 يوليو/ تموز من كل عام، وهي ذكرى إقرار المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية، في الوقت الذي لا تزال البشرية تعاني فيه نزاعات وحروب يتأثّر بها الملايين من البشر، بينما تغطّ العدالة الدولية في سبات عميق.
ويتزامن الاحتفاء هذا العام مع حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على قطاع غزة، والتي سبّبت كارثة إنسانية، ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الفلسطينيين بين شهيد ومصاب ونازح، إضافة إلى تدمير الجزء الأكبر من المنشآت في القطاع، شملت المساكن والمستشفيات والجامعات والمدارس.
وفي الوقت الذي دخلت فيه الحرب على غزة شهرها العاشر، فشل المجتمع الدولي، مُمَثلاً في مجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدوليتَين، في وقف مجازر إسرائيل في حق النساء والأطفال في غزة، لتسقط الضحايا على مرأى من العالم ومسمع، وتسقط معها الأقنعة عن شعارات الإنسانية والعدالة الجوفاء التي طالما تشدقت بها القوى الدولية، في ظل الصمت المخيّم على المجتمع الدولي الذي سقط في أحد أهم اختبارات العصر.
قرارات دولية مع وقف التنفيذ
على مدى سبعة عقود، اعتادت إسرائيل أن لا تُعير أيّ اهتمام للمعاهدات والقرارات الدولية فيما يتعلّق بفلسطين، كما أنّ المجتمع الدولي لم يستطع أو لم يحاول إلزامها باحترام تلك القرارات والمعاهدات.
ولم يختلف الأمر خلال الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على غزة، حيث تبنّى مجلس الأمن، في 25 مارس/ آذار الماضي قراراً بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حمل الرقم 2728 وأُقرّ بغالبية 14 عضواً، بينما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت.
لكن السفير الأمريكي السابق والخبير بمجلس العلاقات الخارجية، مارتن إنديك، أوضح حينها أنّ “القرار غير ملزم؛ ويدعو إلى وقف إطلاق النار في رمضان وإطلاق سراح المحتجزين”، مضيفاً أنّه “ليست هناك عواقب لعدم الامتثال لمطالبه”.
وعاود مجلس الأمن الدولي إلى الاجتماع مجدّداً بشأن الحرب في غزة، ليتبنّى مشروع قرار أميركي يدعم خطة لوقف إطلاق النار، وتطبيقاً غير مشروط للصفقة المقترحة التي أعلنها الرئيس الأميركي جو بايدن.
ونصّ مشروع القرار الأميركي على “وقف إطلاق نار دائم والانسحاب التام من غزة، وتبادل الأسرى والإعمار، وعودة النازحين، ورفض أي تغيير ديمغرافي للقطاع”. وحصل النص على 14 صوتاً، بينما امتنعت روسيا عن التصويت.
وقد رحّبت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي بمشروع القرار، الذي أشار بايدن إلى أنّه بني على اقتراح إسرائيلي، وبالرغم من ذلك، لم تلتزم إسرائيل بالقرار وتجاهلته، واستمرت في عدوانها على الشعب الفلسطيني.
ومن جهة أخرى، أصدرت محكمة العدل الدولية في 24 مايو/ أيار الماضي قراراً بوقف العمليات العسكرية في رفح جنوب غزة، وفتح المعبر وإدخال المساعدات الإنسانية لكل مناطق القطاع دون استثناء، استجابة للدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد الكيان المحتل، لارتكابه جرائم إبادة بحق سكان غزة.
واستندت المحكمة في حكمها إلى المخاطر الكارثية الناجمة عن الوضع في غزة، حيث لحقت أضرار بحقوق سكان القطاع لا يمكن إصلاحها، إضافة إلى تدهور الظروف المعيشية لسكان القطاع بشكل ملحوظ منذ قرار 28 مارس/ آذار الماضي الذي أمرَ دولة الاحتلال باتخاذ إجراءات تمنع أعمال الإبادة.
كما أعلنت المحكمة الجنائية الدولية على لسان المدعي العام، كريم خان، في 12 مايو/ أيار الماضي سعيه للحصول على أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، بسبب مسؤوليتهما عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وعوّل الكثيرون على هاتين الجهتين الدوليتين، لثقلهما الكبير وحضورهما الملموس، في إلزام إسرائيل بالقرارات الصادرة عنهما من أجل إنهاء الحرب ووضع حدّ للكارثة الإنسانية التي تهدد حياة مليوني إنسان في القطاع، لكنّ المحكمتين لم تفلحا في تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، ولقيت تلك القرارات مصير سابقاتها وأصبحت في طيّ النسيان.
مواقف القوى الغربية
وفيما يتعلّق بالمحكمة الجنائية الدولية، يشير الكاتب المصري والباحث في الإعلام الدولي، عماد عنان، إلى أنّ الولايات المتحدة عارضت مجرد أن تفتح المحكمة تحقيقاً في انتهاكات إسرائيل في غزة، مشيراً إلى تأكيد المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، في 29 أبريل/ نيسان 2024 أنّه ليس من اختصاص المحكمة إصدار الأحكام بحق المسؤولين الإسرائيليين.
ولفت الكاتب أيضاً إلى أنّ رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، وصف مذكرات الاعتقال التي تنوي المحكمة إصدارها بحق مسؤولين إسرائيليين بأنها “مشينة وغير قانونية”، محذّراً من أنّ المحكمة الجنائية الدولية قد تدّعي لاحقاً امتلاكها سلطة إصدار مذكرات اعتقال بحقّ القادة السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين.
وشدّد عنان على أنّ القوى الغربية سقطت سقوطاً مخزياً في الاختبار ذاته، ناسفة بذلك شعارات العدالة الدولية التي اعتادت التشدّق بها على مدار عقود طويلة، مستشهداً بمواقف بريطانيا وإيطاليا والتشيك المعارضة لخطوة الجنائية الدولية المتوقعة بحق القادة الإسرائيليين.
فمن جانبه، قال رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ريشي سوناك، إنه “من الناحية الأخلاقية لا يمكن المساواة بين تصرفات حكومة منتخبة ديمقراطياً تستخدم حقها القانوني في الدفاع عن النفس ومنظمة إرهابية (في إشارة إلى حماس)”، فيما وصف وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، تلك الخطوة إذا ما تمّت بشكل رسمي بأنها يمكن أن “تؤجّج معاداة السامية”، بينما اعتبرها رئيس الوزراء التشيكي، بيتر فيالا، “قراراً مشيناً وغير مقبول على الإطلاق”.
انتقادات حقوقية لاختلال ميزان العدالة
تحت عنوان “كل التضامن مع الشعب الفلسطيني”، أصدر المكتب الدولي للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان قراراً في 29 حزيران/ يونيو الماضي، يعلن فيه دعمه للشعب الفلسطيني، الذي حُرم من تحقيق العدالة، نتيجة لصمت المجتمع الدولي.
وأكّد المكتب الحقوقي التزامه القوي وتضامنه الكامل مع الشعب الفلسطيني، ودعمه لحقّه في العيش بعدالة وكرامة، كسائر الجماعات والشعوب الأخرى، وممارسة حقّه غير القابل للتصرف في تقرير المصير وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وبلداتهم وأراضيهم.
وأضاف المكتب أنّه في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني للحرمان من حقوقه الأساسية، فإنّ من واجب المجتمع الدولي أن يُطبّق حقوق الإنسان والقانون الدولي دون تحيز أو تمييز أو معايير مزدوجة.
وأوضح أنّ حملة الإبادة الجماعية في غزة سلّطت الضوء على أوجه القصور في النظام الدولي الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مؤكّداً على المسؤولية المشتركة من أجل ضمان عدم إعاقة الوصول إلى العدالة بسبب صمت الحكومات، وخصوصاً الغربية منها، التي قدم بعضها دعماً متواصلاً لإسرائيل بغض النظر عن أفعالها.
وشدّد المكتب الدولي للفيدرالية الدولية على أنّ تضامن المواطنين الأفراد لا يكفي لوضع حدّ للفظائع المرتكبة، لا سيّما عندما يكون هناك تواطؤ من قبل الدول. مشيراً إلى ضرورة فرض عقوبات على إسرائيل، كحظر الأسلحة، وتعليق الاتفاقيات، وسحب الاستثمارات، لإجبارها على وقف جرائمها بحقّ الفلسطينيين.
وفي المقابل، يرى آخرون أنّ سبب الفشل في تطبيق العدالة الدولية في حالة غزة يرجع إلى بُنية القانون الدولي وأدواته، وليس آليات تطبيقه، وهذا ما يتبنّاه المحامي الفلسطيني التشيلي، إميل دعبد، المختص في المسائل الدستورية والقانون الدولي وحقوق الإنسان.
قصف الاحتلال الإسرائيلي للمربعات السكنية في غزة أحالها إلى ركام
فمن وجهة نظر المحامي دعبد، فإنّ هناك مفهوماً خاطئاً مفاده أنّ هدف القانون الدولي هو القضاء على العنف، وهو ما يعِد به ميثاق الأمم المتحدة، ولكنّ الحقيقة أنّ النظام القانوني الدولي بُني ليعمل على إدارة الحرب وليس إنهائها. وبالتالي، وفقاً لهذه الرؤية، فإنّ هذا النظام لا يفشل في غزة، بل هو في الواقع يؤتي الثمار التي صُمّم لأجلها.
ويدعم المحامي الفلسطيني وجهة نظره بقرارات محكمة العدل الدولية بشأن قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل؛ حيث وافقت المحكمة في قرارها الأول على أنّ الأعمال الإسرائيلية في غزة تشكل “بشكل معقول” إبادة جماعية، وأنّ الوضع كان مروعاً لدرجة أنه يبرّر اتخاذ “تدابير مؤقتة”. وبالرغم من ذلك، فلم تأمر المحكمة بالتدبير الوحيد الذي يمكن أن يوقف الإبادة الجماعية، وهو وقف فوري ودائم لإطلاق النار.
وبناءً على ذلك، يؤكّد دعبد أنّ القرار الصادر في 26 كانون الثاني/ يناير كان معيباً من الناحية القانونية وفاحشاً من الناحية السياسية؛ حيث كان بإمكان المحكمة أن تأمر بوقف إطلاق النار، لكنها لم تفعل، فكانت الآثار الملموسة لهذا القرار تسهيل استمرار الإبادة الجماعية.
وفي السياق ذاته، لفت المحامي إلى طلب جنوب إفريقيا في 12 شباط/ فبراير، من محكمة العدل الدولية أن تأمر بوقف العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، لكنّ المحكمة لم ترَ ضرورة للأمر باتخاذ تدابير جديدة. وفي 28 آذار/ مارس، أمرت المحكمة بتدابير مؤقتة جديدة لخطورة الأوضاع في غزة، ولكنها لم تأمر بتعليق العمليات العسكرية. وبالتالي، استمرّ العدوان الإسرائيلي الوحشي والتدمير المنهجي للبنى التحتية في غزة.
وهنا يؤكّد المحامي إميل دعبد أنّ محكمة العدل الدولية لم يكن لديها أيّ سبب قانوني أو واقعي لعدم الأمر بوقف إطلاق النار، لكنّها اختارت ذلك الموقف لأنّ شرعيتها وسلطتها ستكون مهددة بشكل خطير من القوى الغربية.
“}]]