[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وعلى شاطئ بحر وسط قطاع غزة وجنوبه، تنتصب عشرات آلاف الخيام التي تحولت إلى مأوى لمئات آلاف الفلسطينيين الذين شردتهم الحرب الإسرائيلية الدامية للشهر العاشر تواليا.
ومن رمز للنكبة واللجوء مثلته الخيمة على مدار أكثر من سبعة عقود، باتت اليوم حلمًا لآلاف الأسر المشردة في قطاع غزة، رغم صعوبة العيش فيها.
كيف هو العيش في الخيمة؟ يبدو السؤال بلا مشاعر وبلا إحساس بواقع الحال في قطاع غزة، وسط حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي أخذت الكثير من حياة الفلسطينين ولكنها فشلت في كسر إرادتهم وعزمهم على التشبث بالأرض، لكنهم مهم لفهم حجم المأساة والصمود الفلسطيني.
المركز الفلسطيني للإعلام التقى عددًا من النازحين في الخيام ليروي جانبًا من حكاية شعب يتعرض للتطهير العرقي، ويرفع أطفاله شارات النصر من فوق الركام.
رحلة البحث عن خيمة
يتفق جميع المواطنين الذين التقاهم المركز الفلسطيني للإعلام على صعوبة العيش في الخيمة، سواء في الصيف أو الشتاء، ولكنها مع ذلك تبدو حلمًا للكثير من العائلات لسهولة نصبها ونقلها مع تكرار النزوح الذي يفرضه الاحتلال.
يقول محمد سعيد: إنه اضطر لشراء خيمة بمبلغ مالي 1200 شيكل (الدولار 3.63 شيكل) بعد أن عانى لفترة طويلة العيش في “خص” وهو عبارة عن أعواد خشبية ملقى عليها قطعة نايلون أو حرام أو أي شيء ساتر.
ويوضح سعيد في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن مشكلة الخص أنه غير ساتر، وكذلك إذا اضطررت للانتقال مستحيل نقله، لذلك تتركه، وتنتقل لمنطقة أخرى، وهذا ما حدث معه مرتين على الأقل وهو ما دفعه للبحث عن خيمة.
وتقدم مؤسسات وجهات داعمة الخيام للنازحين، لكن بعضها يتم بيعه ويضطر المواطنون إلى الشراء لانعدام البدائل، وهي تتعدد في الأشكال والمساحة، ولذلك يختلف السعر من خيمة لأخرى.
مكان نصب الخيمة
بعد الحصول على الخيمة، تبدأ رحلة المعاناة الثانية في الحصول على مكان تنصبها فيه، وحاليا يقتصر الأمر على مساحات من خانيونس ودير البلح.
يقول خالد المصري: إنه اضطر لنقل خيمته من مكان لآخر، لتكون قريبة من مصدر للمياه أو المساعدات.
وأضاف المصري في حديثه مع المركز الفلسطيني للإعلام: اليوم هناك مخيمات عبارة عن مساحة تضم مجموعة من الخيام تشرف عليها جمعية أو مؤسسة أو مبادرين، بحيث يسعون إلى توفير قدر ما من المساعدات، أو يعملون على تأمين وصول المياه وإقامة حمامات مشتركة، وهناك خيام تنصب عشوائيا في الأراضي الزراعية وقرب المنازل المدمرة.
العيش في الخيام
أما العيش في الخيام، ففيه حكايات من الألم والوجع، تزيد أو تقل على حسب الإمكانات المتاحة لدى العائلة أو عدد أفرادها، وكذلك موقع الخيمة أو الجهة التي تشرف على المكان.
فإذا كانت أسرة صغيرة وتوفرت لها خيمة في منطقة بها مساعدات، يمكن أن تتكيف مع الحال وتكون معاناتها أقل من أسرة ممتدة خيمتها صغيرة في منطقة لا توجد بها أي خدمات.
ومع ارتفاع درجات الحرارة في هذا الصيف اللاهب، يبدو العيش في خيمة بين مئات الخيام في قطاع غزة، كمن يعيش في قلب الجحيم .. هكذا تصف الفلسطينية أماني حمدان جانبا من واقع معاناتها.
وقالت حمدان لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: إنها اضطرت للعيش في خيمة أقيمت في أرض صديق زوجها، ويعيش معها في الخيمة أطفالها الأربعة ووالدة زوجها وشقيقته التي تعاني من إعاقة حركية.
بمرارة، تضيف: اضطررنا للنزوح ما لا يقل عن 7 مرات من خانيونس، منذ قصف منزلنا، في البداية لم يكن لدينا خيمة وكنا نعاني ثم حصلنا على الخيمة وميزتها الوحيدة أنه يسهل نقلها نسبيا مع تكرار النزوح.
وتتابع: العيش في الخيمة، صعب وقاسي، تعود بنا للحياة البدائية، لا جدران، لا خصوصية، أصواتنا تصل إلى الخيام المجاورة وأصواتهم تصل إلينا.
معاناة المواطنين في خيام النزوح
وقالت: بالكاد وزعنا أنفسنا داخل الخيمة، على مساحات صغيرة جزء على فرشات وجزء لا، جزء من الخيمة به معدات أغراض الطعام وما لدينا من مونة، درجة الحرارة الآن لاهبة، نضطر للخروج من الخيمة، في الشتاء غرقنا من المطر، والآن الحرارة قاتلة والحمد لله على كل حال.
تضيف: على النار نطبخ ونعد الطعام، خارج الخيمة، وأقمنا فرنا نتشارك في الخبز عليه، ويوجد دورة مياه مشتركة، والاستحمام على فترات متباعدة ويحتاج إلى تنسيق مسبق بين شركاء الخيمة، والأبناء يبدؤون صباحا رحلة البحث عن الحطب والأخشاب والكرتون، أما الماء؛ فزوجي يقطع مسافات طويلة حتى يحضره، وأحيانا تأتي عربة من متطوعين تزودنا به، كل الحياة عادت إلى البدائية لا مطبخ لا دورة مياه لا حنفيات للمياه.
ما هي الخيمة؟
وبعد تجربة العيش القاسية في الخيمة على مدار أشهر، كتب المهند محمد منير في معناها قائلاً: أن تحترق وأنت تجلس بداخلها، أن يضيق نفسك وتختنق فلا يوجد هواء ولا أي وسيلة للتبريد، هي شيء كالدفيئات الزراعية ساعات النهار.
وأضاف منير على جدار صفحته على فيسبوك وفق متابعة المركز الفلسطيني للإعلام: الخيمة أن تعيش على الأرض لا يفصلك عما حولك سوى قماش، لتتعايش مع حشرات الأرض وزواحفها جميعا فأنت ضيفها الآن.
ويبين أن الأمور التقليدية تصبح معقدة جداً، كأن تأخذ قيلولة أو تغتسل، أن تمشي براحة، أن تجلس في سكينة، أن تشعر بأمان، أن تستقر وحدك في مكان، أن لا تتعب ولا تتألم من النوم على الأرض التي أحالت ضهرك ل لوحٍ خشبي.. كل هذه الأمور غير موجودة وباتت حلماً صعب المنال ..!
الخيمة هي انعدام الخصوصية، أن تتحدث همساً داخل خيمتك فيرد عليك جارك في الخيمة المجاورة.
وكون الخيام تنصب على الرمال وفي الأراضي الزراعية، فهذا يعني العيش مع الزواحف والحشرات، وشبه انعدام معايير النظافة.
معنى الخيمة!
لا يمكنني أن أصف معنى الخيمة، ولا معنى النزوح بصورة عامة، لكن يمكنني أن أقول إن الخيمة تعني أن لا حائط تستند إليه، وليست هناك حياة خاصة بك، هذا ما كتبته سما حسن، وهي تصف حال العيش في الخيمة.
تضيف: النزوح، فيعني ألاّ تعيش في أمان واستقرار. وقد حدث ذلك معي كامرأة وأمٍّ أكثر من مرة؛ إذ نزحنا من مدينة غزة إلى شمالها بحثاً عن أمان زائف، حتى دكت الصواريخ منطقة الشمال، وخصوصاً منطقة الكرامة، فهربنا نحو جنوب القطاع في الجمعة الأولى من الحرب، واستقر بنا الحال في أمان زائف في مدينة خان يونس لمدة شهرَين، ثم نزحنا إلى مدينة رفح مع البدء بعملية اجتياح خان يونس مع مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر 2023.
وتضيف: في كل مرة تنقّلتُ فيها مع عائلتي، كنتُ أفقد خيطاً من خيوط خصوصيتي التي تهمني كامرأة، ويصبح كل من الضياع والتشرد سمتَيّ، كما هو حال آلاف الأشخاص في قطاع غزة.
وتوضح أن مفهوم الخيمة أقسى من مفهوم غرفة مشتركة في بيت غرباء؛ إذ إن الخيمة تعني أن الحمام سوف يكون في الخيمة نفسها، وستتم إقامته بطريقة بدائية، وإلاّ، فعليك أن تستخدم حماماً مشتركاً يبعد مسافة نصف كيلومتر عن خيمتك، تقيمه إحدى الجمعيات الخيرية، وعليك أن تحمل فيه بيدك إبريقاً بلاستيكياً من الماء، أو قنينة، وفي حال داهمت إحدى النساء الرغبة في قضاء الحاجة ليلاً، فلا يمكن أن تخرج وحيدة من الخيمة من دون أن توقظ أحد الرجال ليصحبها في مشوار مخجل وسط الخيام كي تصل إلى هذا الحمام المكون من كرسي رخامي محاط أيضاً بأقمشة أو ألواح صفيح متآكلة، استُخدم أحدها كباب يطلق صريراً مزعجاً سرعان ما يعتاده قاطنو الخيام، والذي يشير إلى دخول شخص ما الحمام في ظلمة الليل الحالكة.
تضيف حسن، أن الحياة قاسية في الخيمة للمرأة، وخصوصاً أنه المكان الذي يجب أن ترتدي فيه ملابس الخروج بالكامل، وتضع الحجاب فوق رأسها كما اعتادت نساء غزة، على الرغم من حرارة الجو هذه الأيام، وعدم توفُر حرية الحركة؛ إذ يتم في الخيمة إشعال الحطب، وطهي الطعام، وغسْل الأواني، والاحتفاظ بعبوّات ضخمة لماء الشرب، وأُخرى لماء الاستحمام والتنظيف اليومي.
أما الاستحمام في الخيمة، فلا يمكن لك أن تتخيل -حسب سما حسن- كيف يمكن أن يحدث ذلك، لكن العملية تعني أن تُحاط المرأة التي تريد الاستحمام بالنساء الأُخريات واللواتي يمسكن بطانيات سميكة، ويشكلن حولها خيمة صغيرة، بالإضافة إلى الخيمة الخارجية الرئيسية، وعليها أن تسارع في غسل جسمها وشعرها كما اتُفق عليه قبل أن تصيح النساء الأُخريات من تَعَبِ أذرعهن المرفوعة.
وإذا كان العيش في الخيمة في حد ذاته معاناة ومأساة، فالعيش فيها مع استمرار حرب الإبادة والقصف الإسرائيلي الذي لم يستثن حتى الخيام البالية من الاستهداف كما حدث في رفح ومواصي خانيونس مراراً، لا يمكن للكلمات أن تصفه.
فعلى مدار الأشهر الماضية أحرق القصف الإسرائيلية خيام النازحين وقتل العشرات منهم ليجد الناجون منهم أنفسهم يبحثون عن أشلاء أحبائهم بين الرمال قبل أن يبدؤوا رحلة البحث عن مكان جديد ينصبوا فيه خيمتهم الجديدة إن وجدوها ليواصلوا التشبث بالأرض والمكان.
“}]]