[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
لا يمرّ يوم على قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة حتى تتناول وسائل الإعلام مشاهد جديدة للقصف والتدمير والقتل التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضدّ سكان القطاع.
لكنّنا نلحظ في ثنايا تلك المشاهد لحظات تُبرز جانباً آخر من تلك الحرب، تظهر فيها معاني الصمود والصبر والإيمان التي يتحلّى بها أبناء غزة، وخصوصاً من تعرّضوا للقصف وفقدوا بيوتهم وأحباءهم، ليفاجئوا العالم بثباتهم الذي جعل الكيان المحتل يدرك أنّه يواجه شعباً لن ينكسر.
“”أوعى تتنازل” بهذه الكلمات صرخ شاب فلسطيني قتل الاحتلال طفلته، موجهًا حديثه للمقاومة “أوعى (إياك) تتازل عن ذرة دم سالت على هذه الأرض، حق ولادنا مش هيضيع، والله والله والله هيكون لنا كرة في 7 أكتوبر جديد، ونخبط على رقابهم، والله لنحرر فلسطين من البحر إلى النهر.
رفض التهجير
“في الحروب، إمّا الثبات والانحياز للحياة، أو الاستسلام للعجز”. هذا ما قالته الكاتبة المصرية نجلاء محفوظ، في مقال نشر على موقع بوابة الأهرام في مايو/ أيار الماضي.
وأوضحت الكاتبة أنّ الثبات يعني البقاء والتماسك، وهو ما “يتنفسه” أهل غزة فيرفضون كل ما يضر بالثبات من السماح بالانهيار وتناقص الإيمان وفقدان الصبر.
فالصبر، وفقاً للكاتبة، يمنع النفوس من السخط والهلع والجزع رغم شدة الابتلاء، وهو ما رأيناه في غزة وفلسطين؛ فكل من تهدمت بيوتهم فوق رؤوسهم وتم إنقاذهم بمعجزة بعد فقدانهم الأهل والأحبة والجيران وجدناهم يقولون بصدق: “الحمد لله”.
وتضيف الكاتبة أنّ من الثبات الإقامة في المكان ورفض مغادرته. حيث “رفض الكثيرون في غزة مغادرة بيوتهم، ومنهم من تهدمت بيوتهم فأقاموا خيامهم على أنقاضها، وآخرون سارعوا بإصلاح وبناء ما تهدم من بيوتهم وهم يدركون احتمالات كثيرة بإعادة قصفها.
وتؤكّد أنّ أهل غزة “أجمعوا على رفض التهجير” مهما بلغ مرارة التهديدات وحلاوة الإغراءات. مذكرة بما يعانيه الفلسطينيون من جحيم القصف ليلاً ونهاراً، وصعوبة البحث عن طعام وشراب للأسرة، والتعرض للاستهداف الصهيوني أثناء الانتظار في الطوابير للحصول على المساعدات الغذائية، أو الموت غرقاً أثناء محاولات الحصول عليها.
شعارات الثبات والصمود على بقايا جدران منزل دمّره الاحتلال في غزة
وأشارت إلى أنّ من الثبات والانحياز للحياة “رفض البكاء على الواقع، وانتزاع أي لحظة فرح وسط المعاناة الدامية”؛ ومثّلت لذلك بطفل من غزة يتأرجح بين أنقاض منزله بعد استهداف القصف الصهيوني الغاشم له، وإقامة حفل زفاف جماعي لنازحين فلسطينيين في خان يونس.
وتشدّد الكاتبة على أنّ “الثبات والانحياز للحياة لا يتناقضان أبداً مع التألم من شدة الأوجاع؛ فلا أحد لا يتعب كثيراً من قسوة الألم فهذا ضد طبيعة البشر، ولكن الثبات والانحياز يرفضان بقوة وبشموخ وعزة وكرامة الاستسلام لبشاعة الواقع”.
ستعود غزة من جديد
كثيرة هي المقاطع المصوّرة التي يظهر فيها ضحايا القصف الإسرائيلي من سكان غزة وهم يصرخون ويستصرخون، لكنّهم في الوقت نفسه، يظهرون إصرارهم على الصمود في أرضهم، ويقينهم بأنّهم سيدحرون العدوان الصهيوني، وسيعيدون بناء ما تهدّم.
ففي أواخر شهر يونيو/ حزيران الماضي، توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وسط قصف وغارات جوية أدّت إلى سقوط العديد من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، واضطرت عشرات الآلاف للفرار بحثاً عن مكان آمن.
وكان من بين النازحين الفارّين من القصف الصهيوني، المسنّ أبو رامي النعيزي، الذي كان يجري برفقة عائلته وأحفاده، وأخذ معه ما خف حمله من طعام. وبالرغم من الموقف المرعب، فقد أطلق أبو رامي كلماته بكلّ عفوية: “نحن بخير.. نحن أهل غزة.. نحن من الشجاعية.. نحن الشعب الأصيل.. نحن الأبطال.. نحن من نحافظ على الدول العربية.. والله معنا ولن ينسانا”.
وفي لقاء لاحق مع قناة الجزيرة، أكّد أبو رامي أنّ الشجاعية ربّت الرجال، مشيراً إلى المحبة والأخوة والتكاتف بين أهل الحي الصامد، بالرغم من القصف والتدمير وحرب التجويع التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة.
وفي موقف آخر، يظهر الحاج روّاد، بجسده المقعد وروحه التي تحلق في عنان السماء، ليبدّد بابتسامته الجميلة الغمامة السوداء الناتجة عن القصف الإسرائيلي، وليعلو صوته الواثق بنصر الله على أصوات الغارات والانفجارات.
وأثناء وصفه لرحلة نزوحه وقصف منزله واستشهاد إخوانه وعمه، وبشعور المؤمن الواثق بنصر الله، يقول الحاجّ روّاد: “غزة حترجع أحسن من قبل.. وبذكّركم”.
وليس الصمود والثبات من شيم الرجال فحسب، فقد سطّرت نساء غزة الصابرات المحتسبات أسمى معاني الصبر والثبات، وأظهرن التحدّي في وجه الاحتلال وجرائمه.
فهذه سيدة من غزة، حاصرت قوات الاحتلال منزلها عشرة أيام ثم أحرقته وهي بداخله لكنّ الله نجّاها، فقالت فور خروجها منه: “حتى آخر نفس، سنقعل ما نريد، هم ضعاف ويخافون وسلاحهم معهم؛ أما نحن فليس معنا شيء”.
وبنظرة تحدٍ، تقول: “الله معنا، لا يهمّنا الجوع، ونقص الطحين والطعام، لكنّا نهتمّ للأطفال. ومهما فعل الاحتلال، فنحن صامدون، ومصرّون على الحياة، بالرغم من بايدن ونتنياهو”.
صبر عند المصيبة
قد يكون الصبر سلعة نادرة، خصوصاً عند من يفقدون فلذات أكبادهم على يد أعدائهم ظلماً وعدواناً. لكنّ الحالة العامّة لأهل تثبت أنّ الصبر منتج غزي، ممزوج بالتحدّي والصمود.
فليس من الصعب أن ترى سيدة فلسطينية من غزة، وكأنّ الصبر تجسد فيها، وهي تعبّر عن ثبات وصمودها بعد استشهاد أبنائها نتيجة قصف الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.
وفي مشهد آخر، يطلب رجل فلسطيني مكلوم ممّن حوله عدم الحزن والبكاء بعد استشهاد ابنه البكر بقصف للاحتلال في بداية العدوان على غزة.
حياة فوق الركام
قد بات من المعلوم أنّ الاحتلال الإسرائيلي يهدف من عدوانه على قطاع غزة إلى تحويلها إلى منطقة لا تصلح للسكن، وذلك من خلال التدمير الممنهج للمنازل والمباني حتى إنّ بعضها سوّي بالأرض.
ولكنّ الفلسطينيين في غزة لهم رأي آخر، فبعد تدمير الاحتلال لمنازلهم، أصرّت مجموعة من أهل غزة على افتراش الركام والدمار، ليعدّوا وجبة إفطار جماعي في رمضان الفائت لسكان الحيّ المدمّر، ووضعوا الموائد على أنقاض منازلهم، في رسالة للعدوان الصهيوني أنّ مخططاته ستفشل أمام أصحاب الأرض الصامدين.
وليس هناك مشهد أكثر تعبيراً عن ذلك الإصرار على التمسّك بالأرض وحبّ الحياة، من مشهد أطفال شمال غزة وهم يصنعون سعادتهم، حين اتخذوا من سقف بيت مدمّر ملعباً يلهون فيه أول أيام العيد.
ولا يتوقف الأمر عند الجلوس فوق أطلال المنازل، ففي مشهد لا تكاد تجده إلا في غزة، يخرج شاب من تحت ركام منزله المدمّر في مخيم جباليا حاملاً ما استطاع من أغراض المطبخ، وهو يقول: “الحمد لله.. هذا من فضل الله”، مبدياً سعادته باستنقاذ بعض لوازم الحياة التي أخطأتها قذائف الموت.
وعند سؤاله عمّا سيفعله بعد أن دمّر الاحتلال منزلهم، أجاب الشاب في عزة وشموخ: “سأنصب خيمة وأسكن فيها”، مؤكّداً على إصراره على الصمود والبقاء في المخيم رغم القصف والتدمير.
ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي يواصل حرب الإبادة التي يشنّها على أهل غزة الصامدين للشهر العاشر على التوالي، دون أن ينال من عزيمتهم أو إصرارهم على التشبّث بأرضهم، رغم الفقد والتشريد والآلام، وفي يقينهم أنّ الله ناصرهم، وأنّ الاحتلال إلى زوال.
“}]]