الخليل -PNN- وسط حقول العنب الممتدة في بلدة بيت أُمّر بمحافظة الخليل، تبدأ رحلة متعبة لكنها محبّبة لكثير من النساء الفلسطينيات، مع أولى خيوط موسم ورق العنب، المعروف شعبياً باسم “ورق الدوالي”. بين التعب في القطف والمشقة في الإعداد والطهو، يظل هذا الموسم محطة انتظار سنوية للناس، خاصة المزارعين، الذين يرونه فرجًا بعد شتاء طويل وضيق مادي.
أسمهان جمال بريغيث، إحدى النساء اللواتي يملكن خبرة واسعة في إعداد هذا الطبق، تقول إن تاريخه يمتد إلى ما قبل العهد العثماني، حيث استخدم الإغريق قديماً ورق التين لحشو الشعير في المناسبات الكبرى، قبل اكتشاف الأرز. ومع الوقت، استُبدل ورق التين بورق العنب، وأصبحت أكلة الدوالي – خاصة في العهد العثماني – أكثر شهرة في بلاد الشام وتركيا ومناطق حوض البحر الأبيض المتوسط.
تشرح أسمهان كيف كان الناس قديماً يحفظون الورق عبر تجفيفه:
“كانوا يشقونه ويربطونه بالخيطان على شكل عُقد، ويعلقونه حتى يجف، مثلما كانوا يفعلون مع الثوم والبامية. وعند الاستخدام، يُغلى في الماء ليستعيد ليونته.”
أما اليوم، فتتوفر عدة طرق حديثة لحفظ الورق، من أبرزها التفريز، أو التخزين في مرطبانات أو محاليل ملحية.
ورق الدوالي يُطهى بطرق متعددة، إلا أن المكونات الأساسية تتكرر: الأرز، واللحمة، والثوم، والتوابل.
بعض العائلات تضع قطع دجاج أو لحم في أسفل الطنجرة، فيما يختار آخرون إعداد “اليلنجي” – النسخة النباتية – التي تُحشى بالأرز والخضار (ثوم، بصل، بندورة، فليفلة) دون أي نوع من اللحوم.
[embedded content]
تقول أسمهان إن الناس ينتظرون موسم ورق العنب أكثر من موسم العنب نفسه.
“يأتي بعد فصل الشتاء، حين تكون المؤن قد انتهت، والناس مفلسة. نزول ورق الدوالي بالنسبة لنا يشبه الخروج في نزهة ننتظرها من عام لآخر.”
لكن فرحة الموسم لا تخلو من المنغصات. تشير أسمهان إلى أن الكثير من أراضي بيت أُمّر مصنفة كمنطقة “ج”، ما يعني أن الاحتلال يمنع أصحابها من الوصول إليها.
“كثير من الأراضي صارت بور. حتى لما يسمحوا لنا بالدخول، بنرجع نشتغلها من الصفر.”
تضيف: “قبل الحرب على غزة، كان العمال يشتغلوا داخل الخط الأخضر. اليوم، ما عاد حدا يدخل، فالجميع اتجه للأراضي، لكن معظمها تحت سيطرة المستوطنات. بيت أُمّر محاطة بأربع مستوطنات، وكل وحدة تاخد أراضينا، فشو ضايل إلنا؟”
ورق الدوالي ليس فقط طعامًا، بل مصدر دخل معتبر. تقول أسمهان:
“بنخطط لموسمه من قبل ما يبدأ. بنحسب شو بدنا نشتري، وشو بدنا نبيعه، وجزء من المصروف بنرتب له مسبقاً لتغطية حاجاتنا.”
تختم أسمهان حديثها بأمل كبير، متمنيتا أن يعود كل المزارعين الفلسطينيين إلى أراضيهم، وأن يرجع شعبنا إلى قراه ومدنه.
تم انتاج هذه القصة ضمن برنامج قريب الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية CFI بالشراكة وتمويل الوكالة الفرنسية للتعاون الدولي AFD.