[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
لم يكن يوم السابع من أكتوبر حدثًا عاديًا يمرّ كسائر الأحداث، فعملية طوفان الأقصى التي أعلنها القائد محمد الضيف أصبحت علامةً فارقةً ويومًا فاصلاً غيّر كل المفاهيم والمصطلحات السائدة بقوة الظلم العالمي، وغيّرها لتصبح نصرًا حقيقيًا ليس موهومًا أو متخيلاً لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، تشتد نصاعة مع مرور الأيام، وعلى الجانب الآخر صنع هذا الطوفان المبارك هزيمة مدوية على كافة الصعد للكيان الصهيوني وعصابة الإجرام التي يقودها وعلى رأسها نتنياهو الذين اصبحوا جميعا في مهبّ الريح بعد أن تخلقت حالة عالمية جديدة وطوفانات عديدة حطّمت السردية الصهيونية وأذلت أنف غطرسة القوة التي يتسلح بها، تمهيدا ليوم قادمٍ لا محالة سيقتلع دولة إسرائيل وفكرتها من الجذور وتجعلها “صفحة من التاريخ الغابر”.
مفارقات النصر والهزيمة التي غيّر طوفان الأقصى مفهومها ومعاييرها ونظرة العالم الحر لها، يمكن قراءتها بشكلٍ جليٍ وواضح في خطاب المقاومة سياسياً وعسكريًا وحاضنتها الشعبية الصامدة وردود أفعالها، التي أذهلت العالم أجمع، وكذلك يمكن تتبع معالمها بشكلٍ جليٍ وواضحٍ في خطاب الكيان الصهيوني وقادته المهزومين الذين باتوا يصرخون مع وصولنا للشهر السابع و216 يومًا من العجز عن تحقيق أيّ من أهداف الحرب التي أعلنها نتنياهو وعصابته ليعلن أنّ “غزة من أصعب ساحات القتال في العالم”، وهو تصديقٌ لخطاب المقاومة أنّ جيش الاحتلال سيغرق في رمال غزة.
ليس هذا فحسب، فإلى جانب العجز عن تحقيق الأهداف وجد الكيان نفسه غارقًا في طوفان من الهزائم الداخلية والخارجية، فصورته تهشمت وتكشف حقيقة إجرامها، واقتصاده تهاوى بعجزٍ بمليارات الدولارات فضلاً عمّا تلقته عملته من خسائر لن يكون من الهيّن علاجها على المدى القصير والمتوسط، والكثير الكثير من التحديّات التي أصبح يواجهها بشكلٍ جديٍ وعلى رأسها تفجر جبهته الداخلية بانقساماتٍ حادةٍ ستنفجر بوجه عصابة الكيان في اللحظة التي يُعلن فيها انتهاء العدوان على غزة.
كلمات المقاومة وخطابها وردود فعلها لم يكن مجرد لـ “الاستهلاك الإعلامي” أو مجرد “أضغاث أحلام” يهذي بها أصحابها، بل كان وما زال حقيقة واقعة يراها الجميع كما هي الشمس في رابعة النهار، في وضوحها وشفافيتها وصدقها وتلمسها لطريق النصر المحتوم الذي ينتظره شعبنا الفلسطيني مع زوال هذا الاحتلال الغاشم وقرب إعلان هزيمته والإقرار بها من قادته وجبهته الداخلية على حدٍ سواء، فلا هو استطاع استعادة أسراه الذين بيد المقاومة ولا هو قضى على حماس والمقاومة بل أكثر من ذلك يواجه اليوم طوفانا في جامعات العالم وشعوبها ضد كيانه المارق، ويتحسس رأسه من صدور مذكرات اعتقال من الجنائية الدولية بحق قادته المجرمين، كما وضع أمريكا والغرب الذين يقدمون شيكا على بياض من الدعم المفتوح للكيان في أشد الحرج الذي باتوا يدفعون ثمنه باهظا أمام العالم وأمام شعوبهم، حتى أصبحت “ورقة معاداة السامية” محل نقاشٍ تدوسها أقدام الشعوب الغربية مع انكشاف إجرام الاحتلال.
ملامح النصر بخطاب المقاومة وقيادتها السياسية والعسكرية
ولأنّ المقاومة كانت صاحبة اليد العليا منذ بدء طوفان الأقصى المبارك وهي صاحبة الكلمة الفصل التي ينتظرها العالم كل يوم يمكن تلمس رؤيتها في خطاب القيادي في حركة حماس أسامة حمدان الذي اكد خلال مؤتمره الصحفي الأخير في العاصمة اللبنانية بيروت، أنه وعلى الرّغم من حجم المجازر والإبادة الجماعية والتهجير وتدمير كل مقوّمات الحياة الإنسانية، استخدم فيها الاحتلال النازي، على مدار أكثر من سبعة أشهر، كلّ أنواع القوَّة العسكرية المفرطة، بدعم أمريكي مفتوح ومتواصل، إلاّ أنَّ نتنياهو وأركان حكومته المتطرّفة لم يحقّقوا أيّاً من أهدافهم العدوانية، وتحطّمت مخططاتهم الواحدة تلو الأخرى، على صخرة صمود شعبنا وبسالة مقاومتنا.
وأضاف أنه رغم الضغوط وقسوة العدوان، والتفاوض الشرس، ومحاولات العدو تكثيف عدوانه ونيرانه أثناء جولات المفاوضات، وفي لحظاتها الحاسمة، إلا أننا صمدنا بصمود شعبنا، وبلاء مقاومتنا، ووضعنا خطوطاً حمراء لا يمكن المساس بها أو التنازل عنها.
وهو الخطاب ذاته الذي أبدعت المقاومة في تثبيت أركان مصداقيته لدى أعدائها وخصومها قبل حلفائها وأصدقائها، فأكد أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في كلمةٍ مصورةٍ اليوم الثلاثاء، إنّه وبعد 200 يوم من معركة طوفان الأقصى لا يزال العدو المجرم يحاول لملمة صورته.
وقال أبو عبيدة: إنّ العدو ما يزال عالقا في رمال غزة، ولن يحصد إلا الخزي والهزيمة، مشددًا في الوقت ذاته على أنّه “وبعد 200 يوم ما تزال مقاومتنا في غزة راسخة رسوخ جبال فلسطين”.
ويقرأ أبو عبيدة معالم الهزيمة في جيش الاحتلال فيقول: أنّ تصرفات وجرائم العدو المتواصلة تدل على شعور بالهزيمة والفشل وليس النصر أو ما يشبه النصر، فجيش يجعل كل تركيزه على قتل الأطفال وارتكاب المجازر بحق العائلات ومحاصرة المشافي وتجريف المقابر والانتقام من جثامين الشهداء وقنص المدنيين الأبرياء على بعد مئات الأمتار وقصف تجمعات المساعدات واغتيال أعضاء المنظمات الإغاثية الدولية واللجان التطوعية المحلية.. هذه مواصفات جيش يشعر بالضعف والهزيمة والخيبة الكبيرة وليس جيشًا منتصرًا ولا واثقًا من إنجازاته المزعومة وهذا علاوة على أنها تعتبر إحدى علامات الله في إساءة وجه هذا الكيان الغاصب الدنيء.
الجبهة الصهيونية الداخلية تفضح هزيمة نتنياهو وعصابته
وأول الخسائر التي مني بها نتنياهو وعصابته الإجرامية استمرار الحراك الداخلي والتظاهرات الضخمة التي تطالبه بالاستقالة وباستعادة أبنائهم أحياء وعدم قتلهم بالسلاح الأمريكي والصهيوني عبر القصف المتواصل الذي قتل فيه عشرات أسرى الاحتلال، وأكثر من ذلك بات مكشوفا لدى الداخل الصهيوني أنّ نتنياهو لا يشغله إعادة أبنائهم ولا غيره، بل يشغله مصالحه الشخصية والبقاء على كرسي الحكم، حيث كشف استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، أن غالبية الإسرائيليين يعتقدون أن الأهم لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، هو بقاؤه السياسي وليس عودة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة.
وبخصوص الأهم بالنسبة لنتنياهو: إطلاق سراح الأسرى أم بقاؤه السياسي؟ أجاب 56% من المشاركين في الاستطلاع بـ “بقاؤه السياسي”.
عبقرية المقاومة بعيونهم
ويرصد الكاتب والباحث الفلسطيني أنطوان شلحت الآراء التي بدأت في الفترة الأخيرة تتسلّل إلى وسائل إعلام إسرائيلية مركزية لا تزال قليلة تستأنف على هذا الاستنقاع في تأنيب العقل الإسرائيلي إلى ناحية الإقرار بأن فعل الجانب الآخر في حيّز العقل والتفكير يمكن أن يضاهي ذلك العقل الذي يحسب أصحابُه أنه فريد من نوعه.
ويلفت للقول إنه ربما أبرز من عبّر عن هذا الأمر محلل الشؤون الأمنية في صحيفة يديعوت أحرونوت، رونين برغمان، والذي ينشر تقارير في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أيضاً، عندما كتب أخيراً أنه طوال الأعوام التي مرّت على قيام إسرائيل “بقينا منشغلين حتى الثمالة، في كل ما هو مرتبطٌ بإخفاقاتنا الأمنيّة، في البحث بشكلٍ مريحٍ عن متّهمين بوقوع هذه الإخفاقات بين صفوفنا بغية شبحهم في الميادين العامة، وذلك بدلًا من الانشغال بالسؤال الأهم: ما دور العدو في هذه الإخفاقات؟ أو بكلمات أخرى يبدو أن لا أحد على استعدادٍ لأن يقولها: هل وقعنا ضحيّة خداع هذا العدو؟”.
ويضيف: وفي سياق آخر، يرى برغمان أن هذا الخداع يحيل، من ضمن أمور أخرى، إلى عبقرية عقل هذا العدو، وهو ما لا يسمح الاستعلاء الإسرائيلي بالإقرار به، كون الخداع الذاتي الإسرائيلي فيما يخصّ فرادة العقل اليهودي سيكون مزدوجاً، وينسحب على مجال الاستخفاف بالعقل الخصم.
الأرقام تصرخ بأن إسرائيل تخسر
الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة يرصد في الصحافة العبرية “صراخ الهزيمة”، قائلا في تدوينة له: أعلاه هو عنوان مثير في “يديعوت” عن تقرير لـ”معهد الفكر الإسرائيلي”.
يقول التقرير: “بالتعاون مع “معهد الفكر الإسرائيلي”.. الأرقام تتحدث أكثر من الكلمات وأكثر من الصور، وهي تقول لنا، وتصرخ في وجوهنا، أن إسرائيل تخسر”. هذه هي الكلمات المؤثرة التي قالتها عالمة الاجتماع البروفيسور إيفا إيلوز عندما أشارت إلى النتائج الصادمة التي خرجت من “تقرير دولة إسرائيل 2024″، والذي صدر هذا الأسبوع. التقرير هو ملخص للدراسة المتعمقة التي أجراها معهد الفكر الإسرائيلي، والتي فحص فيها الباحثون مجموعة متنوعة من المؤشرات الدولية التجريبية في مجالات الأمن والديمقراطية والقوة الاقتصادية ورأس المال البشري وحالة النظام وغيرها، وقارن وضع إسرائيل في هذه المجالات مع دول أخرى في العالم”. (انتهى الاقتباس).
ويشدد الزعاترة على أنّ كل المؤشرات قبل هذا التقرير تؤكّد ما ورد فيه، بل إن ما سيواجهه “الكيان” من انقسامات بعد الحرب، سيعزّز منحنى التدهور.
ويلفت إلى أنّ هذا مشروع عقائدي في مرحلة الأفول، لا شك في ذلك. وقلنا مرارا إن قد وضع قدميه على طريق النهاية، ولم يتبقَ له الكثير حتى يصل الهاوية.
كتابٌ غربيون يقرأون هزيمة الاحتلال
الصحفي الفلسطيني أدهم أبو سلمية ينقل عن الكاتب البريطاني المعروف اوين جونز، يتحدث عن هجوم رفح كعلامة على هزيمة إسرائيل. يؤكد اوين أن إسرائيل تكبّدت هزيمة استراتيجية، فهي لم تحقق أياً من أهدافها – تدمير حماس، استعادة المختطفين، والتحكم في غزة – وأظهر هجومها على رفح عدم إنجازها لأي شيء.
ويقول أوين جونز أن رفضها للصفقة يزيد من عزلتها عن حلفائها الرئيسيين و تسبيب الحرج لهم خاصة بعدما وافقت حماس على مقترح وقف الحرب.
ويلفت إلى أنّ هذا الأمر سيعمق تغير الرأي العام الأمريكي بشكل الكبير ضد تصرفات إسرائيل وزيادة المظاهرات المناهضة لها.
ويضيف أوين، نتنياهو يطيل أمد الحرب للحفاظ على ائتلافه وتجنب المحاكمة بتهم فساد. وهو يرى بأن إسرائيل خسرت على جميع الجبهات – الداخلية والخارجية.
“طفح الكيل”.. والغرب لم يعد يحتمل
هذا الكيان المجرم أصبح عبئا على الجميع ولم يعد لدى العالم تلك الغطرسة الهوجاء التي يواصلها في تدمير غزة دون وجود رادع له أو محاسب، وفي هذا السياق رد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح بغزة، قائلاً إن الخسائر الإنسانية ستكون مرتفعة، وإن الناس ليس لديهم مكان آمن للجوء إليه.
وقال بوريل للصحفيين: “أخشى أن يتسبب هذا مرة أخرى في سقوط الكثير من الضحايا، ضحايا من المدنيين، أيا كان ما يقولون، هناك 600 ألف طفل في غزة، سيتم دفعهم إلى ما يسمى بالمناطق الآمنة والحرة”.
وأضاف بوريل أنه لا توجد مناطق آمنة وحرة في غزة.
وجهت إسرائيل أوامر الإخلاء للفلسطينيين المقيمين في مناطق شرق رفح، وطلبت منهم التوجه نحو مناطق في خان يونس، وهذه االمناطق ليست سوى مخيم كبير واوضاعه مزرية.
وأكد بوريل أن المحكمة الجنائية الدولية يتنظر عاجلاً أم اجلاً بشأن غزة، منتقداً توجيه التهديدات للقضاة، حيث قال: “أنا أدين تماماً أي نوع من الترهيب للمحكمة الجنائية الدولية. لقد طفح الكيل. بعض التصريحات تهدد المحكمة الجنائية الدولية، والتهديد بالانتقام من السلطة الفلسطينية إذا ما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارا، وذها أمر مرفوض”.
وتأتي تعليقات بوريل في الوقت الذي سيطرت فيه إسرائيل على معبر رفح صباح الثلاثاء، بعد عملية ليلية دخلت فيها الدبابات الإسرائيلية إلى المكان ورفعت فيه الأعلام الإسرائيلية.
ليس هذا فحسب، بل إنّ رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الأمريكي، قال الأربعاء، إنه يجب على إسرائيل الالتزام بمعايير إنسانية معينة أثناء الحرب، مؤكدا أن الدفاع عن رد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على فظائع أكتوبر صعب فهمه والدفاع عنه.
أن تصبح إسرائيل تاريخًا
ويذهب المفكر فهمي هويدي في قراءة هزيمة إسرائيل إلى ما هو أبعد من خسائر وانتصارات هنا وهناك إلى فكرة زوالها، فيقول: وحين نستعرض حلقات الضعف ومسلسل الهزائم التي منيت بها إسرائيل، فإن ذلك يسوغ لنا أن نستعيد فكرة الأفول التي ترشّح المشروع الصهيوني بجدارة لكي ينضمّ إلى صفحات التاريخ. إذ رغم أن إسرائيل لا هي إمبراطورية أو حضارة أو دولة عظمى، وإنما هي نبت شيطاني زرعه الغرب وتبنّته الولايات المتحدة بالإكراه في قلب العالم العربي، بعدما أصبح الآن في أضعف حالاته منذ نشأته.
ويؤكد هويدي في مقالته في “الجزيرة”: إذا رأينا البدايات بأعيننا في غزة خلال الأشهر الماضية، فقد صار من حقنا أن نتساءل عما إذا كان الوقت قد حان الآن لإعادة النظر في تصنيفها لكي تخرج من عداد دول هذا الزمان لتدرج محملة بسجلّها وخرافاتها ضمن صفحات التاريخ الغابرة.
“}]]