[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
مع ارتفاع حرارة الجو في قطاع غزة، تبرز أزمة جديدة لتفاقم معاناة مئات آلاف النازحين المهجرين قسرًا في قطاع غزة، بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ 7 أشهر.
المواطن حسن رضوان (55 عاماً) بدأ حديثه لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام وهو يحاول التقاط أنفاسه من شدة الحرارة ويقول: “العيش في الخيمة مأساة في الشتاء والصيب .. ليست قدرنا نموت فيها باليوم ألف مرة”.
يتابع رضوان حديثه واصفاً الخيمة بالفرن الملتهب وسط أجواء شديدة الحرارة تضرب قطاع غزة.
ويؤكد أن خيمته التي نصبها قبالة شاطئ بحر مدينة دير البلح وسط قطاع غزة تحولت إلى فرن حقيقي.
حرب شعواء
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي حرباً شعواء ضد قطاع غزة أسفرت حتى اللحظة عن أكثر من 120 ألف شهيد وجريح ومفقود إضافة لتدمير ما لا يقل عن 60 % من المباني السكنية والبنى التحتية والمؤسسات والجامعات، ومئات آلاف النازحين.
ويمكن لأي مار في الطريق من مخيم النصيرات وحتى رفح في أقصى الجنوب أن يرى خياما متراصة تكتظ بالنازحين فاقدي كل مقومات الحياة الإنسانية ليزيد الحر بؤس الواقع الأليم ويفاقم معاناتهم.
وعلى مقربة من الأسفلت في حي تل السلطان يمسك المواطن أكرم الحداد (42 عاما) بقطعة من الكرتون ويحاول أن يجلب من خلالها لنفسه وطفله بعضاً من الهواء البارد إلا أن محاولته لم تنجح.
فالحر الشديد يطغى على المشهد ويزيد قتامته وبؤسه وقساوته يقول لمراسلنا: والله ما بنعرف ننام من الحر والحشرات.
يسترسل بأن خيمته مصنوعة من البلاستيك وهو ما يعمل على تجميع الحرارة وبثها في المكان وأن كل محاولات التبريد لا تنجح.
يؤكد أن النازحين محرومون من الماء البارد والهواء النقي المنعش كل تفاصيل الخيمة قاسية لا يمكن وصفها مطلقاً.
“ضيق المكان والرمل أسلفنا وظلمة الليل وغياب الخصوصية كلها آلام مرعبة زادها الحر قسوة” يتحدث الحداد.
وفي أحد شوارع مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة يجلس المواطن ربيع عابد (36 عاماً) بالقرب من ما يشبه خيمة قائلاً: أنا أعيش في مكان لا يكاد يشبه الخيمة فهي قطعة من القماش ملتفة عشوائيا، نحاول ستر أنفسنا بها وسط الحر لا نستطيع الجلوس بها فهي كفرن يغلي.
يتابع أنه يتمنى العودة إلى منطقته التي نزح منها في مدينة غزة مؤكداً أن الفرج سيأتي وما بعد الضيق والتعب إلا الفرج.
مشاهدات
مراسل المركز الفلسطيني للإعلام كان في جولة بين الخيام في منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة ورأى ما لا يمكن وصفه.
يقول إنه وبفعل شدة الحرارة رأى أطفلا منهكون يتغشاهم الارهاق والتعب الشديد وكبارا في السن يتصببون عرقا ويلوذون يمينا ويساراً هربا من جحيم الخيمة.
يقول أحدهم لمراسلنا: “بدي أطق من الحر الهواء ساخن والماء ساخن وحتى فراش نومنا”.
وفي الطقس الحار الذي يُنذر بصيفٍ حارق بامتياز، فإن الحصول على كوبٍ من الماء البارد يُعد أمرًا في غاية النُدرة؛ وإن حصل عليه أحد النازحين فإنه سيكلفه كثيرًا مقابل ريّ عطشه لساعة، وبالطبع لن يتحمّل غالبيتهم الساحقة جلب لتراتٍ منه له ولعائلته، عدا عن استحالة تخزينه.
ولا يقتصر تأثير درجة الحرارة اللاهبة في خيام النزوح على استحالة الجلوس فيها فحسب أو الشعور بالظمأ؛ بل إنها تمنح شعورًا بالضيق العام وصعوبة التنفس والتأثير سلبًا على المزاج، عدا عن الحكة والأمراض الجلدية كالأكزيما.
انتشار الحشرات والقوارض
ويؤكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن معاناة النازحين الفلسطينيين بفعل الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة للشهر السابع على التوالي تشهد تفاقمًا خطيرًا في ظل الارتفاع المتسارع للحرارة واشتداد درجاتها في الصيف، وما يرافقه ذلك من طقس جاف وارتفاع نسبة الرطوبة، وانتشار الحشرات والقوارض، ما ينذر باتساع انتشار الأوبئة والأمراض وازدياد عدد الوفيات على إثرها.
وأبرز الأورومتوسطي أن الكارثة الإنسانية المُتعمدة التي صنعتها إسرائيل في قطاع غزة من خلال تدمير سبل ومظاهر الحياة تهدد حياة المدنيين الفلسطينيين، لاسيما الفئات الهشة،وتعرضهم إلى مزيد من المخاطر الجسيمة، بالنظر إلى ارتفاع درجات الحرارة وأوضاعهم البائسة، سواء في مراكز إيواء شديدة الاكتظاظ، أو في الخيام المصنوعة من النايلون، والتي تفتقد لأدنى مقومات الحياة، عوضًا عن تأثيرات سوء التغذية والجفافوالخوف.
ونبه إلى أن درجات الحرارة الحارقة تزيد من البؤس اليومي الذي يعانيه النازحون الفلسطينيون، وسط نقص حاد في المياه النظيفة الصالحة ومخاطر بيئية كبيرة جراء انعدام المرافق الخدماتية وانهيار أنظمة الصرف الصحي وتراكم النفايات، ما أدى إلى انتشار سريع للأمراض المعدية والحساسية الجلدية.
وفيات من الحرارة
وكشف المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، الجمعة، عن وجود تقارير تفيد بوفاة طفلين على الأقل، بسبب موجة الحر خلال الأيام الماضية في قطاع غزة.
وقال لازاريني، إن “غزة مرت خلال الأيام الماضية بموجة حر غير عادية، فاقمت الظروف المعيشية غير الإنسانية”.
ووثق الأورومتوسطي العديد من حالات الوفاة ضحايا الكارثة الإنسانية والصحية في قطاع غزة، بفعل تفاقم معاناة النازحين في المخيمات ومراكز الإيواء مع اشتداد موجات الحر وتفشيالأوبئة والأمراض بينهم، خاصة لدى الأطفال والفئات الهشة.
ومن بين هؤلاء الطفلة “ملك سائد اليازجي” (5 أشهر) التي توفيت يوم 25 نيسان/أبريل الجاري بعد أن نزحت قسرًا مع عائلتها إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث أقامت العائلة داخل خيمة نزوح وتأثرت حالتها بسبب الخوف وموجة الحر الشديدة التي تضرب الخيام المصنوعة من النايلون والتي تفتقر أدنى مقومات الحياة، علاوة عن شح المياه.
وقال “سائد خليل اليازجي” (40 عامًا) والد الطفلة الضحية لفريق الأورومتوسطي، إنهم نزحوا من منطقة سكنهم في بلدة بيت حانون في الأيام الأولى من بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي إلى مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة ومن ثم إلى رفح جنوبي القطاع.
وذكر أنهم أقاموا داخل خيمة في رفح منذ 23 كانون أول/ديسمبر الماضي بعد ثلاثة أيام من ولادة “ملك”، وأن طفلته لم تكن تشتكي من أعراض صحية قبل أن تتدهور حالتها بشدة، حيث نقلها إلى المستشفى الميداني الإماراتي ليتم إعلان وفاتها، ثم توجه بجثمانها إلى مستشفى “أبو يوسف النجار” الذي أصدر لها تقريرًا يفيد بوفاتها متأثرة بارتفاع درجات الحرارة وضعف شديد في نبضات القلب.
كما تلقى المرصد الأورومتوسطي إفادة بوفاة الشابة “لارا جريس الصايغ” (19 عامًا) يوم 25 نيسان/أبريل الجاري خلال محاولتها النزوح مع والدتها من مدينة غزة إلى مدينة رفح بفعل تأثرها بدرجات الحرارة الشديدة، وفي وقت عانت والدتها من غيبوبةلذات الأسباب.
وأبرز الأورومتوسطي أن عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين باتوا مهددين أكثر من أي وقت مضى بمخاطر انتشار الأمراض الفتاكة والمكاره الصحية والأمراض المعدية والمنقولة مع اشتداد درجات الحرارة وذلك في خضم الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة.
ووثق المرصد الأورومتوسطي وفاة الطفلة “حور إياد العبسي” (عامان ونصف)، وهي نازحة مع عائلتها في رفح، يوم 11 نيسان/أبريل الجاري جراء إصابتها بمرض التهاب الكبد الوبائي بسبب التلوث والاكتظاظ وتضاعف المرض في جسدها حتى وصل درجة 18، حيث نقلت إلى المستشفى “الأوروبي” لمدة خمسة أيام وتوفيت بسبب مضاعفات مرضها وغياب الرعاية الصحية اللازمة.
كما وثق الأورمتوسطي وفاة الشاب “أنس عبد الله كراز” (27 عامًا) في 24 نيسان/أبريل الجاري جراء إصابته كذلك بمرض التهاب الكبد الوبائي خلال نزوحه مع عائلته في مدينة رفح.
وبهذا الصدد، أفاد الطبيب “أحمد النقريص” أخصائي الباطنة في مستشفى “أبو يوسف النجار” في رفح، بأن مرض (التهاب الكبد الوبائي أ) بات ينتشر بمعدلات غير مسبوقة بفعل الظروف القاسية الحاصلة في قطاع غزة والاكتظاظ السكاني الشديد لا سيما في رفح.
وأوضح أنه في الأسابيع الأربعة الأخيرة، يتم تسجيل 5 إلى 6 حالات يوميًا في المركز الصحي الواحد في رفح لحالات إصابة بمرض (التهاب الكبد الوبائي أ) بسبب تأثيرات تلوث مياه الشرب وانتشار مياه الصرف الصحي بين النازحين والاكتظاظ السكاني وانعدام النظافة وسوء التغذية، لافتًا إلى رصد أعراض الجفاف والتقيؤ والإسهال، فيما تزيد الأعراض لدى المرضى سريعًا في ظل افتقادهم مقومات الرعاية الصحية اللازمة والضغط الشديد على المستشفيات والمرافق الطبية.
وأبرز الأورومتوسطي أنه بموازاة الهجمات العسكرية المتواصلة للجيش الإسرائيلي جوًا وبرًا وبحرًا، يلاحق الموت سكان قطاع غزة بفعل انتشار الأوبئة والأمراض المعدية بسبب المياه الملوثة، والاكتظاظ، وارتفاع درجات الحرارة، وانهيار النظام الصحي ومحدودية خدماته، بما في ذلك عزل المرضى لمنع الانتشار، وشح الأدوية ومستلزمات التعقيم، وانتشار وتراكم النفايات الصلبة في كافة أنحاء قطاع غزة.
انتظار الأمل
وينتظر مئات الآلاف من النازحين في مدينة رفح بصيص أملٍ في العودة إلى ديارهم بالمحافظات الأخرى، وإن كان يعتقد غالبيتهم أنها تعرضت للتجريف أو التدمير، سواءً كليًا أو جزئيًا، ويرون أن العودة إلى كومةٍ من الحجارة سيكون في جميع الظروف أفضل حالاً من حياة النزوح التي تحمل الكثير من المآسي.
تلك العودة المنشودة تعدّ من أولى الشروط التي تتمسك بها فصائل المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، الذين يرون أن عودة النازحين مقترنة بوقف شاملٍ للعدوان وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة كاملاً.
ودفع الارتفاع المتسارع للحرارة، وما يرافق ذلك من طقس جاف وارتفاع نسبة الرطوبة، وانتشار الحشرات والقوارض، المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى التحذير من اتساع انتشار الأوبئة والأمراض وازدياد عدد الوفيات على أثرها.
“}]]