[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
“لم أجد أدويتي الخاصة بعلاج الغدة الدرقية، ما يتسبب بمعاناة لا توصف”، بهذا الكلمات المصحوبة بالألم، عبّر المواطن سهيل البريم، عن معاناته في البحث عن عدد من الأدوية في صيدليات مدينة دير البلح، ولكن دون جدوى، وسط نقص حاد في أصناف الأدوية المختلفة جراء حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من نصف عام.
يقول البريم، وهو الذي نزح من مخيم جباليا إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”: إنه لا يستطيع ممارسة حياته الطبيعية بدون تناول هذه الأدوية، مؤكدًا أن المعاناة لا توصف في البحث عن الأدوية، وأنه قد يضطر للذهاب إلى أكثر من 5 صيدليات وبدون فائدة.
في صيدليته في مواصي خانيونس، يقول الصيدلي علاء الخطيب إن ما يحدث “فترة كارثي؛ حيث لا تتوافر جميع أنواع الأدوية، خصوصًا للأمراض المزمنة مثل القلب، الضغط، السكر والسرطان (..)وثمة نقص في أدوية الأطفال والمضادات الحيوية وحتى المسكنات، حتى الأدوية البديلة التي قد تساعد في بعض الحالات، نفدت منذ عدة شهور”.
مرضى الكلى
البحث عن أدوية، ليس إلا شكلاً من أشكال معاناة أهالي القطاع في الجانب الصحي؛ حيث إن المرضى والجرحى يواجهون الألم والموت في كل يوم، لا سيما مرضى الكلى.
ففي غرفة الكلية الصناعية في مستشفى شهداء الأقصى يرقد مرضى الكلى بدون رعاية ومقومات، وبصوتٍ يغالبه التعب والإرهاق، يقول المريض محمد أبو صلاح: “والله تعبانين وصحتنا بالنازل، وبنموت كل يوم، والأطباء ما في بيدهم شيء يقدموه”.
ويتابع أبو صلاح في حديثه لمراسلنا: “الآن نغسل ساعتين فقط كل 3 أيام، بدل أن نغسل 6 ساعات كل يومين، وهذا ما أدى لزيادة معاناتنا، وموت بعضنا”.
من جهته، الدكتور إياد أبو الطيور إن “القطاع الطبي يعاني من عجز حقيقي بالنسبة لمرضى الكلى؛ حيث احتشد جميع مرضى كلى القطاع في مستشفى أبو يوسف النجار، الذي هو بالأساس غير مؤهل لاستقبال هذه الأعداد، ففي الأيام الطبيعية قبل الحرب كان يتوافد على المستشفى أقل من 100 مريض بالفشل الكلوي، أما اليوم فيتوافد ما بين 400 إلى 500 حالة يوميًّا”.
وفي تصريح صحفي، أضاف الطبيب أبو الطيور: “هناك عجز في المعدات التي تستخدم لغسيل الكلى، الأمر الذي جعلنا نفقد كل يوم مريضًا أو أكثر من مرضى الفشل الكلوي”، مشيرًا إلى عدم توفر أنواع دواء ضرورية لمرضى الفشل الكلوي، أهمها حبوب الحديد والكالسيوم، ومؤكدًا أنه “إن بقيت غير متوفرة فسنفقد جميع مرضانا”.
وبين أبو الطيور أن “النظام الغذائي السيئ أحد أسباب تفاقم الوضع الصحي للمرضى، فغالبية السكان يعتمدون على المعلبات التي تؤدي إلى ارتفاع وظائف الكلى وتراكم السموم، ما ينعكس على صحة المريض”.
وأعلنت وزارة الصحة أن حصيلة وفيات مرضى الكلى في قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ارتفعت إلى 20 مريضًا.
ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، كانت المشافي والمراكز الصحية هدفًا لآلة البطش الصهيونية، وكانت مسرحًا لعمليات انتقامية جنونية، ومجازر رهيبة، أدت لخروج 32 مشفىً ومركزًا صحيًّأ عن العمل.
معاناة وموت
من جانبه، حذّر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، من استمرار معاناة مرضى قطاع غزة وخاصة مرضى الدم والأمراض الوراثية، نتيجة النقص الحاد والخطير في أدويتهم، وما يترتب عليه من تداعيات خطيرة تهدد حياتهم مع استمرار العدوان الحربي للشهر السابع على التوالي.
كما وجه المركز نداءً عاجلاً بضرورة تحلي المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية بالمسؤولية الكاملة بعد تسجيل عدد من حالات الوفاة لمرضى لم يتلقوا أدويتهم منذ عدة أشهر بسبب تشديد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وخاصة مدينة غزة وشمالها، وكنتيجة لعدم السماح بالدخول الحر لإرساليات الأدوية وبالكميات الكافية، في مخالفة واضحة لما ورد في المادتين 55-56 من اتفاقية جنيف الرابعة.
وأكد على وجود دلائل حقيقية تشير إلى أن قوات الاحتلال تُصر على دفع مئات المرضى للنزوح قسراً من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، في الوقت الذي وجهت ضربة قاسية ودمرت أهم مجمعين طبيين في قطاع غزة، هما مستشفى الشفاء الطبي ومستشفى ناصر الطبي، ما يعني القضاء على آمال المرضى بتلقي الخدمات الطبية الملائمة في جميع مناطق قطاع غزة، وتكريسا لجريمة إبادة جماعية تتضمن إخضاع سكان القطاع بما فيهم المرضى، بشكلٍ متعمد لظروف معيشية يراد بها التدمير المعنوي والمادي كلياً أو جزئياً، وذلك وفق المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية للعام 1948.
وبحسب متابعات المركز، يعاني 305 مرضى بالتلاسيميا، منهم 80 طفلاً، من فقدان أصناف دوائية مهمة لحالتهم كــ”EXJADE” و “DESFERAL” وهي أدوية موصوفة لهم مدى الحياة، ونقصانها يشكل تهديدًا لحياتهم.
ويؤكد الأطباء أن أعراض ومضاعفات انقطاع المرضى عن تناول هذه الأدوية تبطئ عودتهم للحالة الصحية المستقرة على المدى الزمني القريب، وتشكل خطرًا حقيقيًّا على حياتهم، خصوصًا إذا تراكم الحديد في أجسامهم؛ حيث يؤدي تراكمه في البنكرياس إلى الاصابة بمرض السكري من النوع الأول، وتراكمه في الكبد يتسبب بتليفه، وترسبه في القلب يعتبر من أبرز أسباب الوفاة لمرضى التلاسيميا.
ونتيجة لذلك توفي 18 مريضاً/ ــةً بالتلاسيميا منذ بداية العدوان الحالي، فيما يصارع الموت نحو 10 مرضى بعد تدهور حالتهم الصحية.
وقد لجأ معظم هؤلاء المرضى إلى المستشفيات في بداية العدوان ليكونوا بالقرب من أماكن المتابعة الطبية، ومع استهداف هذه المستشفيات قُتل مريضان منهم، فيما يواجه باقي المرضى خطر الوفاة بسبب النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، لا سيما 63 مريضاً/ ــةً ممن تبقوا في مدينة غزة وشمالها.
كذلك يعاني حوالي 105 مرضى من اضطراب وراثي نادر “الهيموفيليا”، وهو يتسبب للمصاب به بنزيف بعد الإصابة لفترة أطول أكثر من الشخص الطبيعي، ويحتاج المريض إلى أدوية يتناولها مدى الحياة، ومنذ الأيام الأولى للعدوان واجه مرضى الهيموفيليا تحديات كثيرة منها نقص الأدوية الذي يؤدي إلى تلف الأعضاء والأنسجة لدى المرضى/ ـات، كذلك ضعف المتابعة الطبية بعد سفر (2) من أصل (5) أطباء يتابعون أمراض الدم الوراثية.
ويعتبر هؤلاء المرضى الأكثر تأثرًا في حالة الإصابة مع استمرار العدوان الحربي، فهم معرضون للموت نتيجة صعوبة حصولهم على أدويتهم، بما يشمل الأدوية المسكنة.
وقد تسبب استمرار العدوان في وفاة 23 مريضاً/ ــةً من أصل 360 مريضاً/ ـةً بالتليف الكيسي، وهو اضطراب وراثي يُسبب تلفاً شديداً في الرئتين والجهاز الهضمي والأعضاء الأخرى في الجسم.
ويحتاج المرضى للتعايش معه الكثير من الأدوية والعلاجات المزمنة، وأصناف من الحليب العلاجي بالإضافة إلى الفيتامينات بكافة أنوعها؛ حيث شكل نفاذ هذه الأدوية خطرًا كبيرًا على حياتهم، وقد تم إخلاء عدد من هؤلاء المرضى في حالة الخطر الشديد من مدينة غزة وشمالها للمتابعة في مستشفيات جنوب القطاع، والتي لم تقدم أي خدمة طبية لهم بسبب الأوضاع الكارثية التي حلت بها، ليتقرر تحويل نحو (20) مريضاً/ــةً في حالة الخطر الشديد للعلاج خارج قطاع غزة، نجح (6) حالات فقط بالخروج من قطاع غزة لتلقي العلاج حتى الآن.
وكان من ضمن هذه الحالات المريضة ملاك جمال حسن (22 عامًا)، والتي ساءت حالتها بسبب نقص الأدوية والظروف الصعبة التي فرضها العدوان على مرضى قطاع غزة، ما استدعى تحويلها إلى جمهورية مصر لتلقي العلاج المناسب، بينما توفيت شقيقتها آلاء (24 عامًا) المريضة بالتليف الكيسي.
وبحسب ما أفاد به والدهما جمال سعدات حسن (52 عامًا)، فإن ابنتيه كانتا متعايشتين مع مرضهما من خلال الالتزام بنمط العلاج المناسب رغم صعوبة توفير بعض الأدوية قبل العدوان الحربي الحالي، إلا أنهن بعد انقطاعهن عن دوائهن ازدادت حالتهن سوءًا طيلة الأشهر السابقة.
وأضاف والدهما في شهادته للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: ” لم أتمكن من توفير الأدوية لبناتي خصوصاً مع عدم قدرة جميع المرضى للوصول إلى مراكز العلاج المتخصص، فقمنا بالتوجه إلى مستشفى غزة الأوروبي للمتابعة الطبية إلا أن عدم وجود طاقم طبي متخصص بعد سفر الكثير من الأطباء حال دون تلقي العلاج المناسب، فتم البدء بإجراءات التحويلات الطبية لهما، لكن تدهورت حالة آلاء وتوفيت بتاريخ 9 يناير2024، ونتيجة ً لبطء آلية تحويل المرضى وإجراءاتها تأخرت ملاك حتى تمكنت من السفر بتاريخ 9إبريل 2024″.
“}]]