[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
عمّت حالة من الحزن والغضب في مواقع التواصل الاجتماعي بعد إعلان هيئة شؤون الأسرى والمحررين، مساء اليوم الاحد، استشهاد الأسير وليد دقة داخل مستشفى “آساف هروفيه” الإسرائيلي إثر تدهور حالته الصحية، وذلك بعد يوم واحد من مطالبة منظمة العفو الدولية بإطلاق سراحه، كونه مصابًا بسرطان النخاع الشوكي.
واستذكر روّاد مواقع التواصل الاجتماعي صمود الشهيد الراحل ومعاناته في الأسر التي لم تكسر عزيمته وبأسه وقوته ورسالته في الصمود حتى آخر رمق، على الرغم من أنّه أحد أقدم الأسرى في سجون الاحتلال منذ العام ١٩٨٦.
وتداول رواد التواصل كلمات الراحل وليد دقة، وكأنها دبّت فيها الحياة بعد استشهاده، لتعبر عن نبض الاسرى جميعا الذين يعانون ما يعانون وأكبر أحلامهم التحرر من قضبان السجن الظالم وحضن أطفالهم وأهلهم ولو مرة واحدة قبل رحيلهم الأبدي.
“من يأخد بقية عمري ويعطيني لحظة عناق واحدة مع ابنتي ميلاد؟!”، كانت آخر أمنية أملها الشهيد دقة ولم ينلها بسبب ظلم الاحتلال وقهره، وسعيه المتواصل لكسر إرادة الشعب الفلسطيني عبر السجن والتعذيب والاغتيال البطيء بالإهمال الطبي والحرمان من أبسط الحقوق.
ومن الرسائل التي تداولها النشطاء للشهيد وليد دقة رحمه الله بعد قدوم ابنته ميلاد: “لم يعُد يفيد العمل بصمت”، والتي سعى من خلالها لبث روح وثابة في الأسرى لمواجهة السجان الصهيوني والانتصار على مساعيه المتواصلة لصهر وعي الأسرى وكسر إرادتهم.
وإحدى الرسائل التي ضجت بها مواقع التواصل، من كلمات الشهيد رحمه الله: “أما انت يا ميلاد فأنت أجمل تهريب لذاكرتي، أنت رسالتي للمستقبل..”
كما تداول رواد التواصل رسالة وليد دقة التي قال فيها: “نحن جزء من التاريخ، والتاريخ كما هو معروف حالة وفعل ماضٍ إنتهى، إلاّ نحن ماضٍ مستمر لا ينتهي.. نخاطبكم منه حاضرًا حتى لا يصبح مستقبلكم”.
وعبّر روّاد التواصل عن تعاطفهم الشديد وحزنهم وتضامنهم مع سناء دقة، التي ظهرت في مقطع فيديو تبكي زوجها وليد، الذي استشهد في سجون الاحتلال.
ومن الرسائل المعبّرة التي ضجت بها صفحات مواقع التواصل تلك التي تعبّر عن أبسط الحقوق والاحتياجات وما يشتاق له الأسرى من روتين الحياة الطبيعية حين تخرج صباحا وتخالط الناس الذاهبين لأعمالهم ومدارسهم، ويأتي سؤالهم الاعتيادي، الذي يمكن أن تسمعه كل يوم عشرات المرات: “معك فراطة”.
ونقلوا عنه هذه الرسالة: “أتعرف ما أكثر ما أشتاق له في الخارج؟ أو حتى يمكن أن يبكيني شوقاً؟..أن يوقفني أحدهم ويسألني مثلا “معك فراطة؟”
ويتابع: ليس مهماً أن يكون معي فراطة، المهم أن يسألني “من زمان ما حدا سألني إذا معي فراطة..”
كانت هذه رسالة للأسير الشهيد وليد أبو دقة يصف فيها حوارا مع أسير يكبره سنا.
ونقل رواد التواصل الاجتماعي عن الشهيد – رحمه الله – كتاباته التي تعبّر عن مشاعره “المرهفة” تجاه الحياة والأشياء وخاصة شوقه لمشهد الأطفال حين يتوافدون لمدارسهم وللعمّال حين يخرجون صباحا متحفزين متوثبين إلى أعمالهم، وكأنّ الحياة بعد عشرين عامًا من السجن زادته حكمة فلم يعد يطمع بملذات الحياة بشيء سوى ذاك.
رمزٌ للحركة الأسيرة
وقال الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة: وليد دقة يرتقي شهيدا في سجون الغزاة، معتقل منذ العام 1986، وهو من قدامى الأسرى.
وأضاف بالقول: لقي ربه بعد تدهور وضعه الصحي، كان من رموز الأسرى، ومن الذين أغنوا المكتبة بعدد من الكتب الفكرية والأدبية.
وتابع: سلام الله عليه وعلى من سبقه على الدرب، وعلى شهداء شعبنا وأمّتنا إلى يوم الدين.
وشهدت ساحات المسجد الأقصى مساء اليوم مسيرة حاشدة إسناداً لغزة وتنديداً باستشهاد الأسير وليد دقة بسبب الإهمال الطبي
بدوره قال د.أحمد عزم: واستشهد الأسير وليد أبو دقة ، عندما كتبتُ عن وليد كان اسمه الحركي ميلاد، لكنه الآن والد فتاة صغيرة اسمها ميلاد. فرض وليد بنضال صعب على الاحتلال أن يعقد قرانه على الناشطة والصحفية سناء سلامة عام 1999. وفي العام 2020 وعبر النُطف المهرّبة وُلدت طفلته ميلاد، بعد ذلك بدأ يكتب عنها. ومما تجده على صفحة (حملة إطلاق سراح الأسير وليد دقة).
ولفت إلى أنّه في إحدى المرات بعد أن عادت ابنته ميلاد من رحلة إلى البحر، قال لها عبر الهاتف «في المرّة القادمة أنا سآخذكِ إلى البحر، لم تجبني مباشرةً واستغرقها الأمرُ، بضع ثوانٍ وكأنها لا تُريدُ أن تصدمني في الحقيقة وقالت: لاء، أنت لاء، أنت مفش عندك باب !
وأضاف عزم: كنتُ دومًا في حيرة من أمري عندما كانت تسألني عبر الهاتف: بابا انت وين؟ فلا ألفظ أمامها كلمة «سجن» حتى لا تتعرف على هذه الكلمة وما تعنيه من معانٍ سلبية،
وتابع: ميلاد أدركت من خلال الزيارات بأن هذا المكان يعني سجناً قبل أن تجرده بكلمةِ سجن. ويعني لها لا باب، وأن والدها في مكانٍ لا يمكنه مغادرته لأنه لا باب، وإذا كان لا باب فلا بحر ولا إفطار يحضرّهُ لها صباحًا ولا يمكنه أن يرافقها إلى الحضانةِ التي تصرُ على أن تسميها مدرسةً، ولا أي شيء آخر».
أما النائب الأردنية السابقة د. ديما طهبوب قالت: “كل يوم يتعاظم الثأر .. الا لعنة الله على الصهاينة والظالمين ومن ساندهم.. رحمك الله يا أبا ميلاد.. وليد دقة يرتقي شهيدا”.
بدوره قال الصحفي يوسف الدموكي: استشهد اليوم وليد دقة على طريق الكفاح الفلسطينيّ الأشرف في التاريخ، وداعًا وليد، وداعًا أيها الرجل المقاتل النبيل.
ونعت المبادرة الوطنية وليد دقة، وقالت: ان قضية الشهيد وليد دقة تمثل تجسيدا لما يعانيه الأسرى البواسل في سجون الاحتلال من عذاب و تنكيل و إهمال طبي وممارسات وحشية وصلت الى منع عائلته من اللقاء الاخير به وهي جريمة لن يغفرها الشعب الفلسطيني لجلادي الاحتلال.
من هو الأسير الشهيد وليد دقة؟
أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، مساء اليوم الاحد، استشهاد الأسير وليد دقة داخل مستشفى “آساف هروفيه” الإسرائيلي إثر تدهور حالته الصحية، وذلك بعد يوم واحد من مطالبة منظمة العفو الدولية بإطلاق سراحه، كونه مصاب بسرطان النخاع الشوكي.
ولد الأسير وليد نمر دقّة عام 1962 في مدينة باقة الغربية في الداخل الفلسطيني المحتلّ، شكَّل خلية عسكرية مُقاوِمَة، وتلقى تدريبات في إحدى معسكرات في سوريا، وكان ضمن جهاز عسكري سري يعمل في الداخل المحتل عمل الجهاز لمدة عامين قبل أن تكتشفه المخابرات الإسرائيلية وتتهم دقة ورفاقه إبراهيم ورشدي أبو مخ وإبراهيم بيادسة بقتل الجندي موشي تمَّام عام 1984.
اعتقل دقة عام 1986 وحكم عليه بالإعدام في البداية، ولاحقًا خفف الحكم إلى السجن 37 عامًا، كما حكم بالسجن لسنتين إضافيتين لضلوعه بقضية إدخال هواتف نقالة للأسرى.
ويعدّ دقّة واحدًا من الأسرى الذين أمضوا في الأسر أكثر من 35 عامًا، وأثناء أسره تمكّن من مواصلة تعليمه الأكاديمي في المعتقل حتّى حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية، وقاد الكثير من المعارك النضالية داخل السجن.
اقترن الأسير دقّة بالناشطة السياسية سناء أحمد سلامة في عام 1999، واعتبر زواجهما سابقة في تاريخ الحركة الأسيرة، فقد كان داخل السجن.
وبعد انتظار دام 21 عاما، رزق الأسير بابنته “ميلاد” التي أبصرت النور في 3 فبراير/ شباط عام 2020 بعد حمل زوجته عن طريق نطفة محرّرة.
والأسير دقة واحد من بين 27 أسيرًا فلسطينيًا تم اعتقالهم قبل أوسلو، بينهم 12 أسيرًا من الداخل الفلسطيني نال بعضهم حريته بعد إنهاء مدة حكمه.
عانى الأسير دقّة من مشاكل صحية عدة، منها أمراض تنفسية والتهاب بالرئة اليمنى وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022 شُخّص بسرطان نادر في النخاع العظمي يكون علاجه دوائيًا وليس كيماويًا.
وفي يناير/ كاون الثاني 2023، وعقب طلب جمعية أطباء لحقوق الإنسان، سُمح لطبيب مختص بأمراض الدم بتقييم حالة دقة الصحية، وقد أسفر هذا الإجراء عن إيجاد عوامل شتى تعرّض حياة دقة للخطر، كارتفاع ضغط الدم وفقر الدم الناجم عن تناول دقة دواء وقائيًا للعلاج الكيماوي.
وأوصى الطبيب بضرورة تلقي دقة العلاج الملائم، إذ بدون تلقي العلاج من غير المتوقع أن يعيش لأكثر من سنة ونصف، ويشمل العلاج المطلوب عملية زراعة نخاع العظم ونقل المريض إلى بيئة معقمة ونظيفة لتقليل احتمال إصابته بالعدوى قدر الإمكان.
وفي فبراير 2023 أُصيب بجلطة في رجله اليسرى سببت له ألمًا حادًا، وبعدها بنزيف ملحوظ في لسانه، كما وفقد من وزنه زهاء 10 كغم خلال شهر ونصف فقط، ولاحقًا بدأ يعاني من التهاب رئوي حاد.
ورفضت محكمة إسرائيلية، في 8 آب/ أغسطس 2023، طلب الإفراج المبكر عن الأسير دقة رغم خطورة وضعه الصحي.
بيد أن تدهور حالة وليد الصحية لم تحُل دون مماطلة إدارة سجن عسقلان وتجاهلها لوضعه، فاستمرت معاناته حتى زيارة محامية له، إذ رأت الأخيرة أعراضه وأدركت ضرورة نقله للمستشفى، وبعد الضغط على إدارة السجن سُمح بنقل دقة لمستشفى “برزيلاي”، حيث خضع لعملية استئصال لجزء كبير من رئته اليمنى وبقي في المستشفى لمدة 37 يومًا، بعدها نُقل مجددًا إلى عيادة سجن الرملة.
وظل دقة يعاني من صعوبات في التنفس، والتهابات في موقع عملية الاستئصال، وفقدان الوزن، وصعوبة النطق، وصعوبة الوقوف على قدميه.
وساهمت إدارة السجون الإسرائيلية بتدهور وضعه الصحية وبمعاناته الجسدية والنفسية، فهي لم تتابع إجراء فحوصات الدم الدورية له التي وُصفت له مبكرًا في 2018، وماطلت طيلة شهور بنقله للمستشفى وإبقائه في بيئة نظيفة بما يتلاءم مع متطلبات علاجه، كما وثنته عن إجراء عملية زراعة نخاع العظم في الوقت المطلوب.
يعدّ دقة من أبرز مفكريّ الحركة الأسيرة، فقد كتب العديد من المقالات والكتب السياسية والفكريّة، منها يوميات المقاومة في جنين، والزمن الموازي، و”صهر الوعي” الذي يرصد أساليب الاحتلال المتطوّرة ضدّ الأسرى ولمحاربة وعيهم، و”حكاية سرّ الزيت” التي حصدت حكاية سر الزيت جائزة اتصالات الإمارتية لأدب اليافعين، وحكاية سر السيف في عام 2022.
وكتب دقّة رسائل كثيرة من داخل أسره، أشهرها الرسالة التي كتبها لعزمي بشارة، والتي استوحت منها مسرحية الزمن الموازي عملًا دراميا يصفّ واقع حياة الأسرى، ويعرض قصّة الأسير دقة وزوجته سناء.
“}]]