[[{“value”:”
تأملوا هذه الآيات: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) – (ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون) – (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) – (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا).
إذا انكسر بَدَنُ أحدهم من الخوف أو القلق أو الحزن أو الاكتئاب فهذا هو الوهن الذي ينتج الضعف المادي والمعنوي فيذلّ هذا الجسد الموهون ويرتخي ويعجز، وتنعدم عزيمته، وتنتهي قدرته على المواجهة.
هذا الوهنُ لن ينجّي صاحبه من الرَّدَى، كما أن الإحجامَ عن القتال وكثرة التبرُّم والتسخُّط وتوزيع الاتهامات لن يؤخِّر أجلَه المكتوبَ.
وبَيْنَ الوهن والهوان صلة وثيقة إذ يجمعهما الذل والرخاوة والخفّة، ومن لطائف القراءات: (ولا تُهانوا) أي لا تقعوا في الجبن والضعف فيكون سبباً في إهانتكم،
ثلاث حقائق جوهرية لا تغفلوا عنها: إن كنتم مؤمنين فـ”أنتم الأعلون، والله معكم، ولن يتركم أعمالكم” فقد كتب الله لكم عاقبة العلوّ على عدوّكم، وأخبركم أنّه معكم عليهم، وضمِن لكم أعظم الأجر على أعمالكم، فماذا تأملون أكثر من هذا الضمان الثلاثيّ!
أنتم الأعلون بالحجّة، وأنتم الأعلون بالنصرة، وأنتم الأعلون بالعاقبة المحتومة لكم.
“لا تهنوا” نهيٌ عن الاستسلام لكل دواعي الإحباط ومبررات العجز ومعتقدات الخيبة وأحاسيس المذلولين، فلا تورطوا أنفسكم بدعوى السلم والجري وراء سرابه والتماس الحماية من الأعداء، فتتردَّى همّتكم، فأنتم لم تكونوا يوماً عاجزين أو ضعفاء.
“لا تهنوا” يعني ألّا يورثَكم ما أصابكم من قرحٍ وشدّة ومصيبة في هذه المعارك وهناً ولا جبناً ولا تراجعاً فقد مسّهم قرحٌ شديدٌ منكم أيضاً، ولا تحزنوا على من قتلوهم منكم أو أصابوهم.
ومن لطائف القراءات فتح همزة “أنْ” على المفعول لأجله في قوله: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ أَنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) وهذا يعني: لا تهِنوا لأنكم تألمون بسبب ما يصيبكم.
وتأملوا قوله: “إن كنتم مؤمنين” فهذا القيد المشروط إما أن يكون متعلقاً بقوله “ولا تهنوا” فهذا يعني أنّه إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تضعفوا؛ وإما أن يكون متعلقاً بقوله “وأنتم الأعلون” وهذا يعني أنّه إن كنتم مؤمنين أنّكم الأعلون الغالبون.
“إن كنتم مؤمنين” هذا الشرط ليس لتعجيزكم أو إظهار عدم تحقق شرط الإيمان فيكم، بل إنه لتحفيزكم وتهييج غَيرتكم، إذْ يعلم الله أنّ فيكم جذوة إيمان فلا تُطفئوها بهذه المشاعر السالبة الواهنة، وقوّوا قلوبكم بالثقة بالله وطرح المبالاة بالعدوّ.
وإن كان قد سبق أنْ قال الله تعالى لموسى: (لا تَخفْ إنك أنت الأعلى)، فلا تنسوا أنّه قال لهذه الأمة- وأنتم من أئمتها الآن – : (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون) .
“}]]