“الأيام” ترصد مشاهد جديدة من العدوان على غزة

كتب محمد الجمل:

ما زال العدوان الإسرائيلي متواصلاً على قطاع غزة بوتيرة عنيفة ومتصاعدة، مترافقاً مع تشديد الحصار، وتكثيف الهجمات من سلاح الجوّ، والبحرية، إضافة إلى الهجمات من القوات البرية.
“الأيام” واصلت رصد مشاهد جديدة ومُتنوعة، من قلب الحرب والقصف والدمار، منها مشهد يُوثق صدمة ذوي الضحايا حينما يحاولون التعرف على أحبتهم، ومشهد آخر يُوثق التدمير المتسارع في رفح، ومشهد ثالث حول غياب التفاؤل من قبل النازحين بقرب التوصل إلى هدنة جديدة.

صدمة التعرف على الجثامين
تعيش الفتاة دعاء أبو قاعود، حالة من الصدمة والحزن الدائمين، بعد أن أجبرتها الظروف على دخول المشرحة في مجمع ناصر الطبي، من أجل التعرف على جثامين أفراد عائلتها العشرة، الذين استشهدوا جميعاً جراء قصف منزلهم في محافظة خان يونس.
لم تجد دعاء التي نجت هي وشقيقها محمد فقط من المجزرة، مفراً من تلك المهمة القاسية، بعد أن اختلطت أشلاء أشقائها ووالديها، وغدا التعرف عليهم أمراً صعباً، فكان لزاماً دخولها المشرحة، على اعتبار أنها قريب من الدرجة الأولى.
وقالت قاعود لـ”الأيام”: تركتهم قبل ساعتين فقط، جالسين في المنزل، يتسامرون، ثم دخلت عليهم لأتعرف على هوياتهم، كان المشهد صعباً وصادماً، أشقائي ووالدي أصبحوا عبارة عن أشلاء، كان التعرف عليهم أمراً غير هيّن، وبت أبحث عن علامات أعرفها حتى أميز جثامينهم.
وأضافت: “شقيقتي فداء كان شعرها ناعماً، وملامحها بريئة وهذا سهّل التعرف عليها، بينما آلاء كان جسدها ممتلئاً وهي حامل، وهذا أيضاً مكنني من التعرف عليها، في حين شقيقي عبد الرحمن الذي كان جسده ممزقاً ومحروقاً، تعرفت عليه من خلال ملابسه الجديدة التي اشتراها قبل العيد، ومحبس الخطوبة في اصبع يده، أما والدتي فكان التعرف عليها من خلال إسورة وخاتم في يدها”.
وأكدت أن أصعب شيء أن يرى أي شخص أفراد عائلته جميعاً قد وضعوا في أكياس نايلون، وجثامينهم مُقطعة ومُتفحمة، مشيرة إلى أن الاحتلال يستخدم أسلحة فتاكة ومحرمة دولياً، ويتعمد إبادة العائلات، ولو كانت وشقيقها محمد في المنزل لحظة القصف لاستشهدوا مع باقي أفراد العائلة.
ولم يحتمل الكثيرون هول صدمة رؤية جثامين أحبتهم على هذه الحالة، وكانوا يغادرون المشرحة على عجل، ويرفضون القيام بمهمة التعرف على الجثامين، ومن بينهم الشاب محمود شُراب، الذي صُدم من هول المشهد وغادر، وطلب من شقيقه القيام بالمهمة بدلاً عنه.
ووفق شُراب فإن المشاهد مُروعة وصادمة، وصواريخ الاحتلال حولت الجثامين إلى قطع ممزقة ومُتفحمة، يصعب التعرف عليها، إلا من خلال تدقيق في تفاصيل صغيرة، وهذا أمر لم يطقه لصعوبته على نفسه.
وطالب شُراب، ومن قبله أبو قاعود، بضرورة توثيق هذه الجرائم، والعمل على مُحاسبة الاحتلال، وعدم السماح لقادته بالإفلات من العقاب، فما يُرتكب من جرائم في غزة أمر مُخالف لكل القوانين والأعراف الدولية.

تدمير متسارع في رفح
منذ إعادة احتلال مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، في الأول من نيسان الجاري، والاحتلال يُنفذ أكبر وأوسع عمليات نسف وتدمير في المدينة، تتركز في جميع أحيائها الشمالية.
فقد دفع الاحتلال بقوات كبيرة إلى داخل المدينة التي أخلاها من سكانها، وبدأ بأوسع عملية تدمير فيها.
والتقط نازحون من رفح صوراً لبعض المناطق في المدينة، كما بث جنود الاحتلال صوراً ومقاطع فيديو من داخل رفح، أظهرت حجم الدمار الهائل فيها، إذ جرى تدمير مئات المنازل في مناطق شمال رفح، ومسح مربعات سكنية، وتدمير وتخريب مرافق بنية تحتية.
وبيّن المواطن بسام عبد الهادي، وهو نازح من رفح، ويُقيم جنوب خان يونس، أن حجم النسف والتدمير في رفح يفوق ما حدث في العملية العسكرية التي سبقت التهدئة بكثير، فالاحتلال يعمل على إحداث تغييرات جذرية في بنية رفح، وهيكلها العمراني، إذ يجري حالياً مسح حي الزهور، واستكمال تدمير مخيم الشابورة، بينما يتم تدمير منطقة عريبة، وبلدة مصبح، وكذلك بلدة خربة العدس.
ولفت عبد الهادي إلى أن الاحتلال يُركز في هذه الجولة على التدمير باستخدام عمليات النسف، من خلال تفجير ملالات، و”روبوتات” كبيرة، تحتوي على كميات كبيرة من المتفجرات، ويتم تفجيرها بواسطة التحكم عن بُعد، حيث يقوم كل “ربوت” بتدمير مربع سكني بالكامل.
من جهته، أكد رئيس بلدية رفح، أحمد الصوفي، أن هجمات الاحتلال تُعد “جرائم ممنهجة” استهدفت السكان وكافة مقومات الحياة في المدينة، مشيراً إلى أن جيش الاحتلال دمّر 90% من رفح خلال الاجتياح الأول مطلع أيار 2024، ما ألحق أضراراً جسيمة بالمباني السكنية، والبنية التحتية، والمرافق العامة والخدماتية والصحية.
ولم يستبعد محللون أن يكون لعملية رفح أهداف أخرى غير مُعلنة، منها رغبة الاحتلال في تسوية رفح بالأرض، توطئة لتحويلها إلى “غيتو”، أي معسكراً كبيراً يستقبل مئات الآلاف من النازحين من مناطق مختلفة في قطاع غزة التي ستشهد توسيعاً متتابعاً للعملية البرية، وذلك كوسيلة للسيطرة على السكان، أو في سياق مخطط التهجير، عبر تجميع أعداد كبيرة عند حدود مصر، والتسبب بحالة من الفوضى، وعدم السيطرة تقود إلى تدفق عدد كبير من الغزيين باتجاه الأراضي المصرية.

غياب التفاؤل بشأن الهدنة
رغم سيل الأخبار التي تتحدث عن محادثات مُكثفة بهدف التوصل إلى وقف إطلاق نار، وجهود كبيرة يقودها الوسطاء خاصة مصر في هذا الإطار، إلا أن غالبية النازحين في مخيمات غرب خان يونس، ومدينة دير البلح، وحتى شمال القطاع، لم يبدوا تفاؤلاً حيال نجاح هذه الجهود.
ووفق نازحين فإن مصير الجولة الحالية، وما يتخللها من جهود قد تكون مُشابهة للجولات السابقة، التي عمل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على إفشالها، وتهرب حتى من اتفاقات موقعة وواضحة.
وأشار المواطن إبراهيم الملاحي، إلى أن المفاوضات الجارية ستكون كسابقاتها، بلا نتائج، وهي مجرد خدعة إسرائيلية، فمن لم يلتزم باتفاق مُوقع، بوجود ضمانات دولية، لن يدخل في أي اتفاق جديد يلزمه بوقف الحرب، كما تُطالب المقاومة.
وذكر الملاحي أن الاحتلال يُحاول فرض وقائع جديدة على الأرض، بضم مناطق جديدة من قطاع غزة، والتي بدت تتضح معالمها، كالسيطرة على رفح، وعزلها عن باقي أنحاء القطاع، وتعميق الوجود في مناطق أخرى.
ونوّه الملاحي إلى أن الخبراء والمُطلعين في إسرائيل نفسها يعرفون أن نتنياهو يُماطل، فقد قرأ تصريحا للواء احتياط إسرائيلي يُدعى “يتسحاق بريك”، قال فيه: “إن تصريحات رئيس الأركان والمستوى السياسي بأن الضغط العسكري يهدف إلى تحرير الأسرى، ما هي إلا خدعة كبيرة بهدف كسب شرعية شعبية لمواصلة القتال، بينما الهدف الحقيقي هو الحفاظ على بقاء الحكومة”، وهذا دليل آخر على أن المفاوضات الحالية ما هي إلا محاولة إسرائيلية لكسب المزيد من الوقت، كما يقول بريك.
من جهته، قال يقول المواطن أكرم عبد الرحيم، إن كثرة فشل جولات المفاوضات تركت أثراً سيئاً على النازحين، الذين باتوا لا يُعولون على مثل هذه الأخبار، لاسيما أن معظم المصادر تعتمد بشكل أساسي على ما يُسربه الإعلام العبري عن “مصدر مسؤول”، وهي في الغالب أخبار دعائية مُوجهة، غير صادقة، تهدف إلى إشاعة أجواء تفاؤل غير حقيقية، تهدف إلى تهدئة حراك عائلات الأسرى الإسرائيليين الضاغط من أجل إعادة أبنائهم من الأسر، وهي لعبة إسرائيلية باتت مكشوفة ومعروفة.
وأكد عبد الرحيم أن الحرب لن تتوقف إلا إذا واجه رئيس حكومة الاحتلال ضغطاً حقيقياً وشديداً من جميع دول العالم، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية، وهذا يبدو أنه لم يحدث حتى الآن.

مشاركات مماثلة