جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام
تواجه مناطق مدينة غزة وشمال القطاع مأساة مروعة ناتجة عن الشح الكارثي في مصادر المياه الصالحة الشرب، ومنع وصولها، بما يمثل حكمًا بالإعدام الفعلي، وفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
وأبرز المرصد الأورومتوسطي -في بيان له اليوم الاثنين- أن العطش يغزو مناطق مدينة غزة وشمالها بشكل صادم بسبب قطع إمدادات المياه عن قطاع غزة والقصف الإسرائيلي المنهجي والمتعمد لآبار ومصادر المياه، إلى جانب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات تحويل وتوزيع المياه.
وشدد على أن ذلك يشكل جريمة حرب، بالإضافة إلى كونه شكلا من أشكال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد السكان المدنيين.
وحذر الأورومتوسطي من أن نقص مياه الشرب في قطاع غزة بات مسألة حياة أو موت، في وقت يجبر السكان على استخدام مياه غير نظيفة من الآبار، وهو ما ساهم في انتشار الأمراض المنقولة والمعدية، خاصة مع انقطاع الكهرباء الذي ساعد في نقص إمدادات المياه.
ووثق نهاية الأسبوع الماضي دمارًا كليا لحق بخزاني “البلد” و”الرمال” الرئيسين في مدينة غزة، نتيجة تجريف الجيش الإسرائيلي لهما خلال عملياته البرية العسكرية في المنطقة.
وطال التجريف خزان “البلد” الذي يضم بئرًا للمياه ومستودعًا لقطع صيانة خطوط المياه في مدينة غزة، إلى جانب مكاتب إدارية لدائرة المياه، فيما جرى تجريف خزان “الرمال” على تقاطع شارعي “الجلاء” و”الوحدة”، والذي يضم مكاتب دائرة الصرف الصحي ومستودعًا لقطع صيانة شبكات الصرف الصحي.
وأدى تدمير ما لا يقل عن 12 بئرًا بفعل القصف الإسرائيلي إلى نقص حاد وغير مسبوق في المياه في مدينة غزة.
وبحسب سلطة المياه الفلسطينية، فإن الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة دمرت البنية التحتية المائية في قطاع غزة، بما ما لا يقل عن 65% من آبار المياه في مدينة غزة وشمال القطاع.
وقال المرصد: تتضاعف المحنة مع مواصلة السلطات الإسرائيلية فرض قيود مشددة على وصول الإمدادات الإنسانية إلى قطاع غزة، لا سيما مناطق مدينة غزة وشمال القطاع، بما في ذلك كميات الوقود اللازمة لتشغيل مرافق المياه والصرف الصحي.
وأضاف: معاناة انعدام مياه الشرب في شمال قطاع غزة أشد وأكثر كارثية، حيث لم يتذوق سكان مخيم جباليا للاجئين مياه الشرب النظيفة منذ بدء الهجمات العسكرية الإسرائيلية.
وقال المسن “عليان فارس عبد الغني” (73 عامًا) الذي يعيش في (بلوك 4) وسط مخيم جباليا لفريق الأورومتوسطي: إنهم يضطرون لشرب المياه المالحة والمستخدمة للحياة اليومية والتي يتم توفيرها بصعوبة.
وأوضح “عبد الغني” أن الجيش الإسرائيلي دمر محطتي تحلية المياه الوحيدتين في المخيم، وهما محطة “شومر” ومحطة “طبريا”، منذ الأيام الأولى لبدء الهجمات العسكرية.
وأفاد بأن القصف الإسرائيلي، ومع انقطاع الوقود اللازم لعمل المحطات الأخرى والبعيدة عن المخيم، دفع بسعر الغالون الواحد من المياه من شيكل إسرائيلي واحد (0.27$) إلى أربعة شواكل (1.08$). لكن المياه انقطعت نهائيًّا بعد أيام قليلة.
ونبه المرصد الأورومتوسطي إلى أن الإفراط في تناول الماء المالح غير الصالح للشرب، إلى جانب تسببه بأمراض المعدة والنزلات المعوية والقيء والإسهال المستمرين، يؤدي إلى زيادة ضغط الدم وأمراض الكلى واحتمال الإصابة بالسكتة الدماغية، ويؤدي ذلك في النهاية إلى الجفاف المفرط لأنسجة الجسم، خاصة المخ.
وذكر أن مياه الشرب إن كانت تُستخرج من الآبار من دون معالجة، فإن ذلك قد يُحدث اختلالاً في نسبة الأملاح في الجسم، وقد يؤدي إلى الجفاف، في وقت يبقى فيه الأطفال وكبار السن الأشد تضررًا نظرًا لضعف مناعتهم، حيث قد تؤدي النزلة المعوية دون الوصول إلى محلول لمعالجة الجفاف إلى الوفاة.
وتزداد المخاوف بشأن الأمراض المنقولة والمعدية عن طريق المياه مثل الكوليرا والإسهال المزمن بشكل خاص، نظرًا لنقص المياه الصالحة للشرب، خاصة بعد هطول الأمطار والفيضانات في ظل موسم الشتاء.
وفي كانون أول/ديسمبر الماضي، أجرى المرصد الأورومتوسطي، دراسة تحليلية شملت عينة مكونة من 1200 شخصًا في غزة للوقوف على آثار الأزمة الإنسانية التي يعانيها سكان القطاع، أظهرت أن 66% من عينة الدراسة يعانون أو عانوا من حالات الأمراض المعوية والإسهال بسبب عدم توفر مياه صالحة للشرب.
ورصدت الدراسة أن معدل الحصول على المياه، بما في ذلك مياه الشرب ومياه الاستحمام والتنظيف، يبلغ 1.5 لتر للشخص الواحد يوميًا في قطاع غزة، أي أقل بمقدار 15 لترًا من متطلبات المياه الأساسية لمستوى البقاء على قيد الحياة وفقا لمعايير (اسفير) الدولية.
وأعاد المرصد الأورومتوسطي التذكير بأن القانون الإنساني الدولي يحظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل الأعيان والمنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، بما يشمل مرافق مياه الشرب وشبكاتها.
كما يحظر وبشكل صارم استخدام التجويع والتعطيش كوسيلة من وسائل الحرب، واعتبارها انتهاكا جسيما وعقابا جماعيا محظورا، ويشكل كذلك مخالفة للالتزامات المترتبة على عاتق إسرائيل، بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال لقطاع غزة، وواجباتها وفقًا للقانون الإنساني الدولي بتوفير احتياجات سكان غزة وحمايتهم.
وينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن تجويع المدنيين عمدًا من خلال حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية ، يعتبر جريمة حرب.
وذكر المرصد أن الحرمان الشديد والمتواصل للسكان المدنيين في قطاع غزة من المياه الصالحة للشرب وبالكميات الكافية، يعد شكلا من أشكال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضدهم منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي، كونه يلحق أضرارا جسيمة بالسكان المدنيين الفلسطينيين في القطاع، ويخضعهم لأحوال معيشية يقصد بها تدميرهم الفعلي، وذلك وفقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والأحكام القضائية الدولية ذات الصلة.