عُرفوا إعلاميا باسم “مبعدو مرج الزهور” في إشارة إلى منطقة تحمل ذات الاسم جنوبي لبنان، أبعد الاحتلال الصهيوني إليها 416 من قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي في 17 ديسمبر 1992.
جاء قرار الإبعاد ردا على اختطاف كتائب القسام الجندي نسيم توليدانو، حينها رفض رئيس الوزراء إسحاق رابين الإفراجَ عن الشيخ أحمد ياسين، مقابل إطلاق سراح الجندي الأسير، وبعد انتهاء مهلة القسام، التي حُدّدت بعشرة أيام، تم قتل الجندي.
ظنت إسرائيل يومها أنها تريد القضاء على حركة حماس واجتثاث جذورها، كما أعلنت. لكنها وجدت نفسها أمام انبعث جديد للحركة، وأن حماس جذور حماس اشتدت أكثر في أرضها وبين أبناء شعبها.
هناك اجتمع رأي المبعدين على رفض القرار وأصروا على العودة إلى ديارهم، ولما كان جيش الاحتلال يواجههم بالرصاص كلما حزموا حقائبهم واقتربوا عائدين إلى الحدود، قرروا البقاء في العراء في ظروف جوية قاسية قبل أن يأتيهم المدد من خيام وطعام وشراب.
وشكلت تجربة مرج الزهور محطة مهمة في تاريخ حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إذ تحول مخيمهم جنوبي لبنان إلى بؤرة اهتمام للإعلام العالمي، فضلا عن تحوله إلى فرصة لتوسيع العلاقات وحشد الطاقات ضد الاحتلال.
خلال وجودهم في جنوبي لبنان نظم المبعدون أمورهم في لجان تنوعت بين السياسة والفكر والتعليم، وفوضوا الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ناطقا رسميا باسمهم.
ونتيجة الضغط الدولي، صدر قرار مجلس الأمن رقم 977 بتاريخ 19 فبراير/شباط 1993 ونص على عودتهم الفورية إلى ديارهم، فعاد أغلبهم خلال عام، وقليل منهم فضل البقاء خارج البلاد.
تحويل المحنة لمنحة
قام المبعدون بتشكيل لجنة من 23 شخصًا من المناطق الفلسطينية، إضافة إلى لجنة إعلامية ولجنة إطعام ومتابعة الاحتياجات.
وكان من بين المبعدين أطباء ومدراء وآخرون من مختلف المهن، وللمرة الأولى يجتمع أبناء الضفة وأبناء غزة في مخيم واحد، وحصلوا على هاتف اتصال من الكويت، وتمكنوا من خلاله من التواصل مع عائلاتهم في الأراضي المحتلة بعد إبعادهم.
وتشكلت بين المبعدين الفلسطينيين وسكان القرى اللبنانية المحيطة بمخيم الإبعاد علاقة وثيقة لا تزال ممتدة حتى اليوم.
وعاش المبعدون في الهواء الطلق وكانوا يفتقدون إلى الاحتياجات الضرورية، وسط أجواء ماطرة ومثلجة، مما تسبب بإصابة المبعدين بالأمراض.
وآنذاك كان هناك تعاطف دولي غير مسبوق مع قضية المبعدين الفلسطينيين، حيث تمكن هؤلاء من ترتيب علاقات دولية خلال جلستهم في المخيم.
وصف أحد المبعدين، الإبعاد بأنه أعلى منبر إسلامي لنشر القضية الفلسطينية، وخاصة أن إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، قال إنه ارتكب خطأ حينما أبعد هؤلاء الفلسطينيين في مكان واحد.
ووصف المبعدون المخيم بأنه “مصيف” وخاصة مع قدوم فصل الصيف. لقد كانت الخيم مرتبة وفيها مطبخ رغم قلة الإمكانيات، حيث جرى إنشاء جامع سمي مرج الزهور، كما أن الكثير من الطلبة الجامعيين تمكنوا من تقديم موادهم وهم في المخيم.
حقل ثقافي
كان المخيم عبارة عن حقل ثقافي ووحدوي وتعارفي، حيث تجتمع كل لجنة يوميًا وكان يرأسها عبد العزيز الرنتيسي، وهو أحد مؤسسي حماس، واستشهد عام 2004 بعملية اغتيال صهيونية، وكان وقتها قائد الحركة في القطاع.
وكان المبعدون يقومون بنشاطات كثيرة، منها مسيرة العودة، مسيرة المرضى، مسيرة الأكفان وهي التي جرى فيها توجيه رسالة بنعي مجلس الأمن الدولي ونقلت باللغة الإنكليزية أيضًا.
وشكل المخيم لجنة صحية من أجل المرضى لتقرير من هو بحاجة للنقل إلى المستشفى، حتى إن أهالي المنطقة المجاورة من المرج كانوا يأتون إلى الغرفة الصحية ويتعالجون مما ولد محبة وألفة بين الأهالي والمبعدين.
ومن المفارقات أن الطبيب عمر فراونة، وهو أحد المبعدين انتشر خبر عنه أنه يعالج العقم، الأمر الذي ولد حالة من التهافت عليه لطلب العلاج من خارج المخيم. واغتال الاحتلال الصهيوني الدكتور عمر فروانة وزوجته وأبنائه وأحفاده في عدوانها المتواصل على قطاع غزة 2023 بتدمير منزله فوق رؤوس ساكنيه في حي تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة.
وكان الأطباء من المبعدين يقومون بعمليات جراحية لأبناء المنطقة، كما كان الأطباء يذهبون إلى المرضى الذين لم يستطيعوا القدوم إلى المخيم.
وفي المحصلة، ووفق مبعدين سابقين، فإن الإبعاد “قلب السحر على الساحر” وكان “ضارا نافعا” إذ تحول مخيمهم جنوب لبنان إلى قبلة لوسائل الإعلام العالمية، وتحولوا إلى منبر لنقل معاناة شعبهم، فضلا عن استقبال متضامنين وفتح خطوط اتصال وعلاقات مع مختلف أنحاء العالم.