المبارَكات ذوات العزم !

في قطاع غزة ترى الواحدة منهنّ قد تجلّلت بكامل وقارها وسترتها، وشدّت على نفسها ثياب خشوعها وصلاتها، وربطت على رأسها خمارها المسدول السابغ، فإذا أصابتها غِيلة العدوّ لقِيَتْ ربّها على الهيئة التي تحبّ أن تلقاها فيه مستورة عفيفة لا تمسّها يد.

يصبح قلبُها كبيراً لا تدري كيف يستوعب كل هذا الألم الذي يتتابع عليها، فتدفن ألمها وهمّومها في ركام هموم الآخرين، وتظلّ تنشر جناح المودة والرحمة والحنان في كلامها وتعاملاتها ليتعايش أطفالها والعاجزون من حولها مع هذا الواقع العنيف.

لم تعُد تنتظر من أحدٍ أن يسندها ويدعمها ويمنحها دوراً، فقد أصبحت تقود الثبات بنفسها، وتدير الممكن بالمتاح لها في ميدان النار والدخان والغبار والتداعي، وأصبحت الحارس والراعي والمربّي والكفيل.

لها عزيمة متينة لا تنقطع، فتراها لا تنام في الليل لتزرع السكينة في نفوس الخائفين من القصف، ولا ترقد في النهار لتفتّش الراحة لغيرها، حتى إنّك لتعجبُ كيف تجد القدرة على الوقوف، وكأنها لا تنام إلا وسط أحلام يقظتها.

لم يكسِر هذا التوحُّشُ ثباتَها، وإذا زلِقَتْ قليلاً فلا تلبث أن تقف ثابتةً متماسكة، وتربط كتفها بعمود من فولاذ صلب، فتراها تمضي لتجمع من الرماد ما يصلح للدفء فتفرشه، وما يصلح للطعام فتجهزّه وتمدّه، وتستعين بالحجر المهدود لتجعله فرنَ نارها الذي تطبخ به لمَن تعيلهم وتقوم عليهم.

وفوق هذا كلّه تراها تجامل جاراتها، وتضاحك الصغار والنساء من حولها ببسمة مصنوعة، وتتسامح وتتغافر بصدق، وتلاطف المنكوبين السائرين إلى موضعٍ قد تكون قد خرجت منه، لعلها تكون سبباً في نماء صبرهم فتُكتب عند الله من الصدّيقات.

ليست النساء هنا كغيرهنّ، فقد وضعهنّ الله في امتحان عظيم يتتابع عليهنّ كل يوم بأشدّ من سابقه، وفي كل مرة يجعل الله فيهنّ دفقاً من الأمان والحنان الذي يفيض على مَن حولهنّ.

إنهن لسن عنيدات ولا متحدّيات، إنهنّ صابرات محتسبات ثابتات، إنهن ذوات العزم، وإنّهن المبارَكات …
فاللهمّ لا تضيّع أجرهنّ، ولا تخيِّبْ رجاءهنّ، ولا تردّ دعاءهنّ!

 

المحتوى ذو الصلة