هذا النفرُ من المؤمنين إنما يجعل الله في قلوبهم السكينة، ويُبهر بهم عبادَه، وإذا حاولت الكشف عن أرواحهم الشفافة فسترى فيها هذا النداء الساري: يا ربّ!
فيا ربّ إنها وديعتُك، نردّها إليك، فأنت صاحبُ الوديعة و أنت صاحب الأجل فيها !
وإنها أمانتك الجميلة التي فرِحنا بمواهبك إلينا فيها، وكنا نعلم أنّها واجبة الأداء رغم ثقل ذلك علينا لشدّة ما اعتدْنا على حبّها والتعلّق بها والولع بالرجاء فيها والتزيّن بصحبتها.
وإننا قد شكرناكَ عندما وهبتَها، وصبرنا على قضائك وقدرك عندما أخذْتَها.
وقد علّمنا رسولك إلينا أنّ عِظَم الجزاء من عِظَم البلاء، وأن البلاء قد يشتدّ، وما كان للمؤمن إلا أن يصبر ويرضى، وليس للمؤمن أن يتسخّط ويأبَى، وإلا كان من المحرومين الساخطين الفاشلين في هذا الاختبار.
ونعلم أنّنا إن عظُم تأسّفُنا على فوات المفقود فإنّ ذلك لا يَدْرَأ الموت عن الموجود، وليس لنا إلا أن ندعو بألّا تجدّد علينا الفجيعة، وأن ترزقنا ثبات الصبر وأجر الصابرين.
ونعلم أن القلوب تفْرغ من كبد الحزن، وكآبة الغمّ، ولا يعمر القلب الفارغ إلا تفويض أمرنا إليك والخضوع لحكمتك وارتقاب رحمتك وقبول رضائنا بقضائك.
ونعلم أنّ أطفالنا كأفراخ طيور الماء التي لا تفارق بِركتها، وأن رسولك بشّرنا بأنّ صغارنا ( دعاميص الجنة، يتلقّى أحدهم أبويه فيأخذ بثوبه كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى حتى يدخله الله وإيَّاه الجنة).
ونعلم أنهم ينتظروننا على أبواب جنتك كما أخبر نبيّك في عزاء رجل فقدَ ولده: (ما تحبّ ألا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدتَه ينتظرك! فقال رجل: يا رسول الله! ألهُ خاصة أو لكلّنا؟ قال بل لكلكم).
ونعلم يا ربّاه أنّك تسأل ملائكتَك إذا قبضوا أرواح أطفال عبادِك الممتحَنين ببلائك – وأنت العالم الخبير- : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عبدي؟ فيقولون: نَعَمْ!
فتقول: قبضتُم ثمرةَ فؤادِه؟ فيقولون: نَعَمْ!
فتقول: ماذا قال عبدي؟
فيشهدون لنا أنّنا حمدناكَ، واسترجعنا، وأقررنا بأننا جميعاً راجعون إليك!
فأعطِنا وعدَك يا الله: ابْنُوا لعبدي بيتاً في الجنّة، وسمّوه بيتَ الحمد!
فاجعل لنا يا الله حظّاً من شفاعتهم، واجعلهم من الباقيات الصالحات!