غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
بعد 48 ساعة فقط على عملية طوفان الأقصى، ظهر جنود احتلال في مقطع مصور يقطعون إمدادات المياه القادمة من “إسرائيل” إلى قطاع غزة.
جاء ذلك تنفيذا لقرار وزير البنية التحتية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، “بالقطع الفوري للمياه والطاقة عن قطاع غزة”، ضمن حزمة عقوبات اتخذها الاحتلال ردا على العملية التي قُتل فيها أزيد من 1200 من العسكريين والمستوطنين الإسرائيليين.
وبعد أكثر من 42 يوما على الحرب المتواصلة على غزة وارتقاء أكثر من 12 ألف شهيد وتدمير مختلف المرافق الحيوية، كيف يبدو واقع المياه في القطاع؟ وكيف يحصل عليها السكان؟
مصادر المياه في غزة قبل العدوان
يعاني قطاع غزة منذ عقود من أزمة شح المياه، نتيجة الحصار وقيود الاحتلال التي ضربت البنية التحتية، حتى وصلت حصة الفرد من المياه بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى 26.8 لتر يوميا لعام 2022.
وهذا رقم ضئيل مقارنة بما أقرته الأمم المتحدة من حق كل فرد الحصول على 100 لتر يوميا، بما يشمل الاستخدام الشخصي والمنزلي.
وقبل العدوان كان قطاع غزة يعتمد على 3 مصادر رئيسية للمياه:
الآبار الجوفية
تستخدم لاستخراج المياه الجوفية من باطن الأرض عبر مضخات تعمل بالكهرباء أو الوقود، وقد استخرج الغزيون عبرها 187.6 مليون متر مكعب من المياه، ما يشكل ضخا جائرا؛ إذ بلغت هذه الكمية 3 أضعاف تغذية الأمطار للخزان الجوفي.
وتعاني الآبار الجوفية من التلوث بتسرب مياه الصرف الصحي وتسرب مياه البحر التي تسبب الملوحة العالية.
وقد أفادت سلطة المياه الفلسطينية بأن 97% من المياه الجوفية في غزة لا تطابق معايير جودة المياه الصالحة للشرب عالميا.
وتتوزع ملكية الآبار الجوفية في قطاع غزة، بين آبار مركزية تديرها البلديات وتستخدم لضخ المياه للبيوت، وآبار شخصية تستخدم لري المزروعات في المناطق الزراعية، أو لتزويد البيوت بالمياه وتعويض انقطاعها من البلديات.
محطات التحلية
أقامت العديد من المنظمات الدولية محطات لتحلية مياه البحر تتوزع على امتداد قطاع غزة، في دير البلح و”السودانية”، ومناطق جنوب القطاع.
وإضافة إلى محطات التحلية الشخصية المقامة كمشاريع ربحية، ساهمت محطات التحلية بتزويد قطاع غزة بـ5.7 ملايين متر مكعب من المياه عام 2022، وذلك بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
الأنابيب القادمة من إسرائيل
تزود شركة المياه الإسرائيلية “ميكروت” قطاع غزة بـ8 ملايين متر مكعب من المياه سنويا، وتقوم البلديات بخلطها مع مياه الآبار الجوفية لزيادة الكمية المتاح تزويدها للبيوت، وقد قُطعت هذه المياه تماما في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
واقع المياه في قطاع غزة خلال العدوان
أدى العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة وقطع كافة إمدادات المياه والكهرباء والوقود والقصف التدميري، إلى انهيار حصة الفرد من المياه يوميا، حيث وصلت إلى أقل من 3 لترات مقارنة بـ26.8 لترا يوميا قبل العدوان، وذلك نتيجة انخفاض قدرة إنتاج المياه بنسبة 95%.
ويشهد القطاع حرب تعطيش حقيقية في ظل انعدام القدرة على تشغيل محطات التحلية، وخروج العديد من آبار البلديات عن الخدمة بسبب انقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود، مع نزوح أكثر من مليون شخص نحو الجنوب وتكدس أعداد كبيرة من الناس في المدارس ومراكز الإيواء.
الحصول على المياه في جنوب القطاع
تعاني مناطق جنوب قطاع غزة من أزمة مياه قاسية، رغم انتقال المنظمات الدولية إلى العمل في هذه المناطق الجنوبية وإعلان الاحتلال أنها “منطقة آمنة” وسعيه لتهجير سكان شمال القطاع إليها قسريا تحت القصف الجوي والاجتياح البري.
حسن (27 عاما) من سكان خان يونس بجنوب قطاع غزة، تحدث للجزيرة نت عن معاناته اليومية للحصول على المياه منذ بدء العدوان، وقدم صورة موجزة عن مصادر المياه المتاحة الآن في الجنوب، وهي كالآتي:
الآبار الشخصية
توقفت العشرات من الآبار عن العمل في ظل انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود، ويحصل بعض سكان خان يونس على كميات قليلة من المياه، عبر التشارك في تزويد مالك البئر بشكل شخصي بمولد كهربائي أو كميات من الوقود تكفي لتشغيله لبضع دقائق.
محطات التحلية
توقفت جميع محطات تحلية مياه الشرب عن العمل بشكل كامل في جنوب القطاع، نتيجة انقطاع الكهرباء ونفاد كميات الوقود، وصارعت عدد من المحطات للبقاء قيد الخدمة حتى الأسابيع الأولى من العدوان، عبر تقليص ساعات العمل وتقنين البيع لأعداد أقل من السكان، لكن انقطاع إمدادات الوقود أدى في نهاية المطاف إلى خروجها عن الخدمة.
وتقوم بلديات جنوب القطاع حاليا بتزويد عدد من محطات التحلية بكميات محدودة من الوقود لتمكينها من العمل وتزويد المواطنين بالمياه، في حين يضطر هؤلاء المواطنون إلى السير لمسافات طويلة، والانتظار لمدة 6 – 10 ساعات للحصول على 20 لترا من المياه بمعدل مرة واحدة كل أسبوعين.
شبكة البلديات
تقوم بلديات الجنوب عبر التنسيق مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية، بتشغيل الآبار التابعة لها بمعدل 4-5 ساعات يوميا بشكل أسبوعي متقطع، لتزويد مئات آلاف البيوت والوحدات السكنية بكميات محدودة من المياه للاستخدامات المنزلية حصرا وهي غير صالحة للشرب.
مياه البحر
اتجه مؤخرا العديد من مواطني جنوب قطاع غزة لتعبئة المياه من البحر، والسير بها لمسافات طويلة نحو بيوتهم، لاستخدامها في دورات المياه، والغسيل والاستحمام، في حين يحاول آخرون تحليتها عبر التبخير باستخدام نار الحطب، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق حتى الآن نتائج ملموسة.
ما يزال مئات آلاف من المواطنين في بيوتهم في شمال قطاع غزة وخصوصا في مخيم جباليا وأحياء شرق ووسط مدينة غزة، رغم استمرار موجات القصف العنيف.
عدنان (30 عاما) من سكان مخيم جباليا فصّل لـ”الجزيرة نت” واقع المياه في شمال القطاع، وطرق الحصول عليها في ظل تصاعد العدوان المتواصل.
يقول إن محطات التحلية واصلت عملها حتى الأسبوع الأول من العدوان المتواصل على غزة، واستمرت في توزيع المياه على البيوت بشكل مقنن وبكميات محدودة، قبل أن تتوقف عن العمل بسبب نفاد الوقود منها.
ويوضح أن مصادر المياه انقطعت تماما باستثناء بعض الآبار التابعة للبلديات التي تعمل لمدة تتراوح بين 3 و4 ساعات بشكل متقطع وتزود عددا من الأحياء بالمياه لمرة واحدة أسبوعيا، وهي مياه جوفية غير صالحة للاستهلاك الآدمي، لكنها أصبحت على ندرتها، وفي ظل انعدام البدائل، المصدر الوحيد لمياه الشرب رغم ملوحتها.
وحصل الاعتماد على هذه الآبار مع تشديد الحصار والعدوان الإسرائيلي على شمال القطاع تحديدا، وإخلاء المنظمات الدولية لمكاتبها في غزة وشمالها والتخلي عن مسؤولياتها هناك.