غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
“حُط السيف قبال السيف إحنا رجال محمد ضيف”، و”يا أبو عبيدة طل وشوف، هاي رجالك ع المكشوف”، و”يا أبو عبيدة يا حبيب، فجّر دمر تل أبيب”، و”قالوا حماس إرهابية، كل الضفة حمساوية” هذه لمحة عن هتافات كثيرة يطلقها المتظاهرون في كل مسيرة تخرج تضامنا مع قطاع غزة بالضفة الغربية.
وتعلق شبان في مقتبل العمر بهذه الشعارات وصارت أساس هتافاتهم، ولا سيما أنهم باتوا يرون من يهتفون لهم ويرقبون آثار مقاومتهم للاحتلال، فصار الهتاف بمثابة شكر للمقاومة وافتخار بأعمالها.
وفي مدينة نابلس كبرى مدن شمال الضفة الغربية وبمناطق أخرى تابعت الجزيرة نت فعاليات عدة خرج فيها المئات منددين بجرائم الاحتلال بغزة ومؤكدين دعمهم للمقاومة.
رد الجميل
يقول مهند (28 عاما) -وهو أحد المشاركين في مظاهرة بمدينة نابلس “على الأقل بأصواتنا ننصر المقاومة، فأيدينا مقيدة، وهذه هتافات تثير الحماسة بين الشبان وكأنها تمنحهم دفقة قوية للإيمان بالمقاومة وقدرتها، وهي نوع من رد الجميل لمن يضحون بأنفسهم وبأغلى ما يملكون”.
وثمة أشياء ترسخ قناعة مهند بهذه الهتافات، كثقته المطلقة بفعل قادة المقاومة وما يحدثونه من تأثير وإنجاز على الأرض، وهي تنفس كبتهم وتمنحهم شيئا من الحرية لتفريغ حالة الاحتقان لديهم جراء ممارسات الاحتلال وانتهاكاته من قتل وتعذيب واعتقال.
وبين جموع المتظاهرين تجد العشرات ممن يحملون صور شهداء المقاومة أو يافطات تمجد فعلهم أو يتقمصون شخصيات قيادتها وطريقة لباسهم، ولا سيما “الملثم” أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
بدوره، وقف الشاب غسان خلف يهتف تلك الشعارات صادحا بأعلى صوته، ويقول إنها تعبر عن توجهات الشارع الفلسطيني الحقيقية بالضفة الغربية، وإنها تشكل أيضا مصدر إزعاج للاحتلال الإسرائيلي الذي بات يعتبر الهتاف بها “تهمة تستوجب الاعتقال والتنكيل”.
ويضيف خلف “الجماهير لم تعد تبالي بعقاب الاحتلال، بل صارت تبحث عما يغيظه وتفعله، ومن ذلك الخروج بالمسيرات والهتاف للمقاومة وقادتها”.
خطاب علاج للروح
أما الشاب رزق حمادة من منطقة شرق نابلس فينتظر خطاب أبو عبيدة بفارغ الصبر، ويصف ذلك قائلا “هو أشبه باسترداد الروح فيأتي بالخطاب كما لو كان شحنة جديدة من أمل لا ينقطع بالله دائما”.
وهذا الانتظار يجعل رزق يفرض حالة “حظر تجول” في البيت، إذ يمنع الحركة والرد على الهاتف فيجلس الكل بآذان صاغية.
ويقول “بعد الانتهاء من الخطاب تصدح التكبيرات بصوت واحد، وننتظر جميعا فيديوهات توثيق عمليات التصدي للاحتلال، ثم آخذ الهاتف وأشحن الأصدقاء بالأمل”.
ومنذ بداية الحرب على غزة لم يفت رزق أي خطاب لأبو عبيدة، بل حرص على متابعتها كلها، خاصة أنها حافظت على إبقاء شعلة الأمل متقدة لديه ولكل الناس، كما يؤكد.
وعن سر التعلق بقادة المقاومة واتخاذهم رموزا وقدوة بكل شيء يرى سعيد أبو معلا أستاذ الإعلام في الجامعة العربية الأميركية بمدينة جنين شمالي الضفة الغربية أن الشعوب في وقت الأزمات والحروب تبحث عن قادة أو مؤثرين تتعلق بهم.
ويقول أبو معلا للجزيرة نت إن القادة والرموز يحتلون مكانة الصدارة في قلوب الملايين من شعوبهم.
رموز وقدوة
ويشير أبو معلا إلى أن المقاومة صاحبة تجربة نضالية ممتدة ترسخت ليس بالأقوال إنما بالأفعال، وحركة حماس وقادتها مثلا -سواء من ظهر منهم مثل أبو عبيدة ومن يختفي مثل محمد الضيف– معروفون لدى عامة الشعب، وبالتالي فإن الهتاف لهم مرتبط بالمواجهة الحالية وبالتجربة النضالية السابقة.
وبات واضحا أن استحضار هؤلاء القادة صار أكبر وأوسع لطبيعة المواجهة ولغياب رموز مشابهة في السلطة الفلسطينية، فكل غياب يعزز حضور أبو عبيدة وقادة المقاومة، بحسب أستاذ الإعلام.
وهذا الأمر يكتسب أهمية مضاعفة بحسب أبو معلا “لكون هؤلاء القادة صادقين ويعملون بإخلاص ولا يقدمون خطابا إعلاميا دعائيا بل قولا وفعلا، وهو ما يجعلهم في صدارة قلوب المواطنين”.
والرموز والقادة أو “الشخصيات الكاريزمية” -بحسب وصف أبو معلا- غالبا ما تكون إفرازا لمرحلة ما، إذ لا تتم صناعتهم والاشتغال عليهم وإنما هم نتاج مرحلة وتعبير عنها.
ويوضح أن “رموز المقاومة هؤلاء هم قدوة الجيل الجديد من الشباب الذين تتملكهم مشاعر الفخر والرغبة بالنضال، وبالتالي يجد الجيل الجديد ضالته فيهم”.
ويتابع “لكن ليس شرطا أن يخلق هذا التغني بالقادة حالة ردع للاحتلال، وهو أمر يصنف على أنه فعل ناعم ورمزي، ولا يمكن أن تكون هناك حالة قتال أو مقاومة من دون رموز ملهمة ومبدعة وخلاقة”.
وتكمن أهمية هذه الرموز -بحسب أبو معلا- في كونها تشكل نقاط قوة وفي عملها على بناء هوية وطنية مقاومة “فلا يمكن أن نتخيل هذه الهوية دون رموز يقتدى بها”.