غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
“ليس باسمنا”، ذلك ما هتفت به أصوات كثير من اليهود عبر العالم -خاصة داخل الولايات المتحدة الأميركية- الذين حرصوا على إدانة مجازر إسرائيل في غزة، وفضح أساليب الحركة الصهيونية في “غسل دماغهم” وإقناعهم بأفكار مغلوطة عن تاريخ الصراع في فلسطين المحتلة.
وكان لافتا أن يلجأ هؤلاء إلى تطبيق “تيك توك” للجهر بمواقفهم في هذا التوقيت، حيث أكدوا أن وسائل الإعلام الأميركية والغربية ترفض نقل وجهة نظرهم، وتصر على إبراز وجهة النظر الواحدة بشأن قضية فلسطين.
وإذا كان كتاب عن مجزرة صبرا وشاتيلا هو ما غير موقف الناشطة الأميركية اليهودية الشهيرة شاتزي ويزبرغر (1930-2022) تجاه إسرائيل والحركة الصهيونية، فإن مجازر الاحتلال المستمرة في غزة حاليا هي ما جعلت كثيرا من اليهود يجأرون بصوتهم رافضين تلك المجازر، ويكشفون عن أساليب الدعاية المضللة التي تمارسها الحركة الصهيونية عليهم لتوجيه قناعاتهم، بحسب موقع الجزيرة نت.
ضد الصهيونية عن علم
ومن ضمن هؤلاء صاحبة حساب “كليوس وورلد” على تيك توك، وهي أميركية تعتنق الديانة اليهودية وعبرت عن تضامنها التام مع الفلسطينيين.
تقول كليوس في أحد مقاطع الفيديو إنها تصل إليها أسئلة كثيرة عن سبب دعمها لفلسطين، وهي اليهودية التي تربت في أحضان الحركة الصهيونية، وإنها تتلقى أيضا أسئلة عن دعم كثير من اليهود لإسرائيل رغم مجازرها المستمرة بحق الفلسطينيين.
وتجيب كليوس، التي تركت الصهيونية عندما رأت العنصرية متجذرة داخلها، بأن السبب في ذلك هو أن اليهود “يُغذَّون بمعلومات غير دقيقة وغير صحيحة”.
وتشرح ذلك بأنها علمت بعد البحث والدراسة أنها كانت ضحية عملية غسل دماغ وخداع من طرف الحركة الصهيونية التي تحرص على ترسيخ أهمية وجود إسرائيل بوصفها واحة للديمقراطية والحريات والتنمية والتطور، فلا تسمع -حيثما حلت أو ارتحلت- إلا مديحا لها.
وتابعت أن اليهود في الولايات المتحدة -مثلا- يربون على أن اليهودية هي الصهيونية، وأن الهوية اليهودية تعني دولة إسرائيل، وأن الفلسطينيين هم الإرهابيون، في حين لم يحدثهم أحد عن النكبة، أو الاحتلال مثلا.
وأوضحت أن الحركة الصهيونية عندما تجد أنك تتابع وسائل إعلام تعكس وجهات نظر أخرى ينهونك عن ذلك بحجة أنه إعلام ضد إسرائيل.
بروباغاندا
وفي مقطع فيديو آخر، ذكرت كليوس أن البروباغاندا الصهيونية تقوم على إبراز إسرائيل في صورة الحامية لليهود عبر العالم، ومن ثم يجب دعمها بكل وسيلة، فهي أكثر الأماكن أمنا للعيش. لكنها حرصت على توضيح أن العكس هو الصحيح، وأن إسرائيل ليست أبدا مكانا آمنا للعيش، فهي دائما في حالة حرب.
ذلك ما أكده لها جنود إسرائيليون عادوا إلى الولايات المتحدة تصاحبهم أمراض نفسية بعد مشاركتهم في عمليات عسكرية.
وذكّرت بحادثة وقعت لها حين كان عمرها 13 عاما، عندما زارهم حاخام وسألهم عن ماذا يعني لهم سماع كلمة إسرائيل، فرفعت يدها وأجابت أنها تعني “الحرب”.
إحباط
من جانبها، حرصت شقراء يهودية أميركية على التأكيد أنها “محبطة جدا من دعم عدد من اليهود هنا (في الولايات المتحدة) لإسرائيل”، وشددت على أنها غاضبة “من استغلال المحرقة في بروباغاندا دعم إسرائيل وجمع الأموال لها، في وقت يتعرض فيه آخرون لمجازر حاليا”.
وتابعت في مقطع فيديو نشره حساب يحمل اسم “آي جمال” قائلة: “لن أسمح لكم باستخدام المحرقة التي تعرض لها أجدادي لتبرير ارتكاب مجازر إبادة بحق آخرين، أوقفوا استغلال المحرقة لتبرير أهدافكم”.
وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه العجوز التسعينية اليهودية شاتزي ويزبرغر العام الماضي، حينما قالت إن “المحرقة حقيقة، ومعاداة السامية حقيقة، لكن هذا لا يمنح لأحد مبررا لارتكاب المجازر بحق الآخرين”.
إسرائيل فخ لليهود
أما كيتي، وهي مواطنة أميركية يهودية نشأت هي الأخرى في حضن عائلة صهيونية، وجدّها من الناجين من المحرقة، فأكدت أنها درست قضية الصراع في فلسطين وخلفيته التاريخية لمحاولة تجاوز عملية “غسيل الدماغ” التي تعرضت لها منذ طفولتها.
وأضافت أنها حرصت على ذلك حتى قبل رحلة “البيرث رايت تريبس” التي تنظمها منظمات صهيونية مجانا وبشكل منتظم لفائدة الشباب اليهود الأميركيين إلى إسرائيل، والتي تستغرق 10 أيام تتواصل فيها عملية “غسيل الدماغ” لهم، إذ يُرسَّخ في عقولهم أن الإرهابيين المعتدين هم الفلسطينيون، وأن إسرائيل بلد السلام والأمن لليهود.
وأوضحت أنها بمجرد انتهائها من دراستها للصراع وجدت نفسها في خندق المدافعين عن فلسطين، إذ تأكدت من تورط الاحتلال الغربي -ممثلا في بريطانيا وأميركا- في صنع مأساة فلسطين، لحاجتهم إلى قاعدة عسكرية متقدمة، لكن عنوان الغلاف كان تقديم فلسطين وكأنها “هدية لليهود” الخارجين لتوهم من المحرقة، ومن الاضطهاد في عدد من الدول عقب الحرب العالمية الثانية.
وأكدت كيتي أن الحقيقة هي أن فلسطين لم تكن أرضا خالية، ولم تكن أبدا هدية لليهود، بل فخا، حيث سلح الغرب اليهود وطلب منهم تجنيد أفرادهم وإعدادهم للقتال دائما.
وتابعت “أنا أؤكد أن ما تقوم به إسرائيل حاليا هو مجزرة، واستمرار للمجازر التي يرتكبونها منذ 75 عاما”.
انتقاد لاذع
يهودية أخرى مناهضة للصهيونية ظهرت في مقطع فيديو على حساب في تيك توك يحمل اسم “هدى بيوتي”، وهي تنتقد إسرائيل وتصفها بالعنصرية.
وقالت -خلال مظاهرة في لوس أنجلوس دعما لغزة- إن “إسرائيل تزعم أنها دولة يهودية، وهذا خطأ، فليس كل اليهود يعيشون هناك، كما أن أغلب مواطنيها ليسوا يهودا”.
وذكرت أنها زارت إسرائيل، وتأكدت أنها قائمة على نظام فصل عنصري، وأضافت أنها منعت من الدخول إلى غزة، وعندما زارت الخليل ورأت ما يجري هناك سألت نفسها سؤالا: “لماذا ندفع ضرائبنا في الولايات المتحدة لاستمرار ما يجري هنا من جنون وظلم؟”.
وانتقدت بشدة الحكومة الأميركية، وقالت “إن حكومتنا لا تستمع لنا في ما يبدو، لكن أؤكد لكم: لن أدعم أي حملة لأي سياسي أميركي لا يعبر صراحة عن دعمه لحقوق الفلسطينيين”.
وأضافت “كنت أؤمن بحل الدولتين، لكن الآن أؤمن بأنه لا حل سوى دولة واحدة تسع الجميع بحقوق متساوية”.
“أريدكم أن تخرجوا من فلسطين”
بدروها، أكدت آندي صاحبة حساب “أندروميرو” على تيك توك -التي ولدت ونشأت في إسرائيل “والتي تعلمت فيها كل ما هو خطأ بشأن المكان الذي ولدت فيه حتى سن العاشرة ثم هاجرت إلى أميركا”- أنها تتعرض لانتقادات لاذعة من طرف مناصري إسرائيل والحركة الصهيونية بسبب تأييدها لفلسطين.
وخاطبتهم قائلة إن ما تنتظره منهم هو مغادرة فلسطين، وإنها لا تريد لهم شرا، على عكس الذين يورطونهم في غيهم، وتابعت “أنتم تتهمونني بأنني خائنة، وشرط الخيانة الإيمان بما كنتم تقولونه دائما، وأنا لم أؤمن يوما بما كنتم تقولونه، لأنكم لم تسمحوا لنا يوما بمعرفة وجهات النظر الأخرى، فكيف أكون خائنة؟”.
وانتقدت “أندروميرو” -التي تحرص على وضع علم فلسطين إلى جانب صورة حسابها- بشدة الصهاينة من المسيحيين، وقالت إن الهدف الوحيد لتأييدهم للحركة الصهيونية هو إرسال اليهود إلى فلسطين حتى يقع التمزق ويتعمق الصراع ويرجع المسيح، وتابعت “إنهم ينسون أن المسيح فلسطيني أصلا”.
وتؤمن عقيدة “المسيحية الصهيونية” بضرورة عودة الشعب اليهودي إلى “أرضه الموعودة” في فلسطين، وإقامة كيان يهودي فيها يمهد للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه لمملكة الألف عام.
الصهيونية ستسقط
فكرة توضحها اليهودية الأميركية سولرايز بالقول إن أغلبية الصهاينة مسيحيون، وأغلبهم يؤمنون بضرورة عودة اليهود إلى “أرض الميعاد ليلقوا حتفهم ثم يظهر المسيح”، على حد تعبيرها.
وزادت بأن كثيرا من اليهود “يحبون طرح الأسئلة إلا خلال مناقشة الصهيونية، هنا يسكتونك”، وتابعت بأن بعضا من أنصار تفوق العرق الأبيض ممن يكرهون اليهود يدعمون إسرائيل بشدة، والسبب في ذلك أنهم يرون فيها نموذجا لدولة عرقية خالصة للعرق الأبيض، كالتي يحلمون بها.
وأكدت أن الصهيونية ستفشل حتما، وستسقط كما سقط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مشددة على أنهم يخسرون حربهم الدعائية، وأنهم يدفعون مبالغ مالية طائلة للحفاظ على مؤيديهم وإنجاح “البروباغاندا” كما اعتادوا دائما.
وحسب سولرايز، فإن الدعم للحركة الصهيونية يتناقص يوما بعد يوم حتى داخل المجتمع اليهودي، وهذا يشكل خطرا بالنسبة لهم، علما أن ازدياد الاهتمام بخطاب اليهود المناهضين للصهيونية يزيد الوضع سوءا بالنسبة لمؤيدي إسرائيل.
وقالت “إن ما يزعج الأميركيين أكثر هو أن أموال ضرائبهم تمول رفاهية الإسرائيليين”. وبدورها، شددت سولرايز على أن “حل الدولتين” مستحيل، لأن إسرائيل تحاربه بشكل إستراتيجي عبر المستوطنات وطرد الفلسطينيين من بيوتهم ومحاصرة غزة، والحل إما دولة يتساوى فيها الجميع ولا فضل فيها لليهودي على غيره، أو لا حل.
كما حرصت سولرايز على الإشارة إلى أن مجازر غزة دفعت كثيرا من الأميركيين من خلفيات دينية مختلفة إلى الشروع في قراءة القرآن، وعلقت على ذلك قائلة: “بسبب كل ما يجري حاليا في غزة، ستشهدون اعتناق كثيرين هنا الإسلام”.
وذكرت أنها قرأت القرآن وأعجبت به كثيرا به، وترى أنه “كتاب رائع مليء بالتفاصيل المهمة”، وأضافت ضاحكة “إذا كنت تعتقدين أن هذا أمر مثير فقط، أبشرك عزيزتي: أنت التالية”.
موجة لاعتناق الإسلام
موجة اعتناق الإسلام التي تحدثت عنها سولرايز رصدها نشطاء التواصل الاجتماعي بعد اندلاع الحرب على غزة، إذ تعجب كثير من الأميركيين -من خلفيات فكرية ودينية مختلفة- من صبر وثبات أهل غزة رغم المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحقهم.
بينهم ميغان رايس، تلك الشابة الأميركية التي تأثرت لضحايا غزة وأنشأت ناديا لقراءة القرآن بعدما علمت أنه سر مصدر ثبات الغزيين في وجه آلة القتل الإسرائيلية، ثم ما لبثت أن أعلنت اعتناقها الإسلام.
ولم يقف الأمر عند ميغان، صاحبة المبادرة، بل أعلنت الأميركية صاحبة حساب “جاك جاك وايلدز” ذات الديانة اليهودية اعتناقها الإسلام بعد رحلة تأمل لآيات القرآن الكريم.
وكانت “جاك جاك وايلدز” من أوائل الذين تأثروا بمبادرة ميغان، وظهرت في مقطع فيديو وهي تنطق بالشهادتين. وهي من أبرز المدافعين عن أهل غزة.
أليكس هي الأخرى كانت قد تأثرت بمبادرة ميغان رايس، واشترت نسخة مترجمة القرآن الكريم، وبدأت تشارك تأملاتها بشأنها مع المشتركين في صفحتها.
ومن أبرز مقاطع الفيديو التي شاركتها أليكس بعد إسلامها مقطع يظهر فيه عدد من أطفال غزة وهم يشرحون للعالم -في ندوة صحفية- الوجه البشع للاحتلال الذي يرتكب المجازر في حق الأطفال والمدنيين تحت أنظار العالم. واليوم، تبدو أليكس سعيدة فرحة وهي تذهب إلى عملها مرتدية الحجاب.
ويوما بعد يوم، تزدان مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تيك توك، بقصص يستحيل حصرها للذين أسلموا بعد شروعهم في قراءة القرآن عقب اندلاع المجازر في غزة، وبحكايات ليهود باتوا يجهرون بشكل أقوى بموقفهم ضد إسرائيل وضد الصهيونية بعدما حررتهم دماء أطفال غزة من أغلال فرضت عليهم لعقود.
وبدا وكأنهم كلهم يرددون مع شاتزي ويزبرغر قولها -في مقطع فيديو شهير ظهرت فيه العام الماضي وهي على كرسيها المتحرك خلال مظاهرة في بروكلين الأميركية رفضا لاعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين- “أنا لا أستطيع أن أكون صهيونية، هذا الكم من الظلم، هذا الكم من القسوة، هذا الكم من الابتزاز، لا أستطيع”.