لا زلنا نعيش في ظل تداعيات زلزال غزة بأبعاده الإنسانية والعسكرية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية والحضارية.
فمنذ معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وإلى اليوم وقطاع غزة يعيش في ظل زلزال كبير بوجهين: الأول وهو الوجه المقاوم والإنساني والمأساوي من جهة ما تقوم به قوى المقاومة والشعب الفلسطيني من صمود وتقديم للتضحيات الكبيرة، والثاني الوجه الإجرامي والعدواني الذي ينفذه العدو الصهيوني بدعم أمريكي والذي يعمل لقتل الأطفال والنساء، وتهديم المستشفيات والكنائس والمدارس والمساجد ومنع وصول الماء والأدوية وقطع الكهرباء وإزالة كل أسباب الحياة. والهدف الأساسي لهذا العدو الإجرامي إنهاء كل مظاهر الحياة في القطاع تمهيدا لإنهاء قوى المقاومة وخصوصا حركة حماس، وإقامة نظام سياسي وأمني واجتماعي جديد في القطاع.
لكن كما تعلمنا من دروس التاريخ والثورات وتجارب الشعوب: أن الدم سينتصر على السيف، وأن هذه المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية لن تنتهي إلا لصالح قوى المقاومة، وهذا الشعب الرائع الذي يقدم لنا أعظم نماذج التضحية والبطولة والصمود والفداء.
نحن اليوم أمام زلزال كبير يجري في قطاع غزة، وهذا الزلزال ستكون له تداعيات كبيرة على الصعيد الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي، وهذه التداعيات لن تكون أبدا لصالح الكيان الصهيوني ومن يدعمه من قوى دولية وخصوصا أمريكا، بل ستكون لصالح الشعب الفلسطيني وأحرار العالم ولصالح المشروع العربي والإسلامي الوحدوي والمقاوم والرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
فما أبرز ما تحقق إلى الآن؟ وما هي التحديات المستقبلية؟ وأي دور لنا في المرحلة المقبلة لمواكبة هذا الزلزال الكبير؟
بداية ما هي أبرز النتائج التي تحققت حتى الآن من جراء هذه المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في فلسطين والمنطقة؟
رغم حجم التضحيات وسقوط آلاف الشهداء وعشرات آلالف الجرحى والدمار الكبير، فإن الصمود لأبناء فلسطين والمقاومين قد ساهم حتى الآن برسم خريطة جديدة في الواقع الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي، فقد عادت القضية الفلسطينية لتكون القضية الأولى للشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم، وتراجعت كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، وعاد العالم للحديث عن حلول عادلة للقضية الفلسطينية وفقد الكيان كل ما كان يدعيه من مظلومية وشرعية، وعادت مناخات الوحدة الإسلامية للانتعاش بعد مرحلة صعبة من أجواء الفتنة المذهبية، وتأكدت قدرة الإنسان الفلسطيني على الإبداع وتحقيق النصر رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشها المقاومون، وعادت الثقة مجددا بأبناء الحركة الإسلامية وقدرتهم على تقديم نموذج مهم من الوعي السياسي والقدرة على المقاومة والمواجهة لأخطر مشروع صهيوني- أمريكي في المنطقة والعالم كله.
نحن إذن مرحلة جديدة يصنعها زلزال غزة، وهي لا تزال تتبلور يوما بعد يوم بانتظار النصر النهائي مهما تعاظمت التضحيات ورغم كل الآلام والمآسي، والعدد الكبير من الشهداء والجرحى والدمار الكبير وصرخات وأنين الأطفال بين الدمار وفي أروقة المستشفيات المدمرة.
لكن ماذا عن التحديات التي تواجهنا اليوم في هذه المعركة؟ وأي دور لنا في المرحلة المقبلة؟
لا زلنا اليوم في قلب المعركة عسكريا وإعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا، ونتائج المعركة تتقرر أولا وأخيرا على أيدي المقاومين في قطاع غزة والضفة الغربية وعلى الجبهات المساندة في جنوب لبنان واليمن والعراق، وكلما حقق المقاومون المزيد من الضربات القاسية للكيان الصهيوني، كلما اضطر للتراجع ووقف الحرب.
لكن الجبهات الأخرى في المعركة مهمة أيضا وأهمها الحفاظ على أجواء الوحدة والتنسيق بين قوى المقاومة ومواكبة المعركة إعلاميا وشعبيا وسياسيا وتقديم كافة أشكال الدعم للشعب الفلسطيني، وفرض المزيد من الضغوط على الحكام العرب والمسلمين كي يوحدوا صفوفهم ويقفوا موقفا واحد في وجه الإدارة الأمريكية والإدارات الغربية الداعمة للكيان الصهيوني، وصولا لفرض وقف الحرب ودعم الشعب الفلسطيني.
كما أن المعركة الدبلوماسية والإعلامية التي تخوضها قوى المقاومة لتحقيق إنجازات عملية مهمة جدا وتحتاج إلى مواكبة دائمة، ولا بد من متابعة ما يجري في العالم من تحركات شعبية ودبلوماسية وإعلامية وسياسية لأنها تصب لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وعن دورنا اليوم والمستقبل، وخصوصا القوى العربية والإسلامية التي تتبنى خيار المقاومة، فإنها أمام مرحلة جديدة تتطلب المزيد من التعاون والتنسيق في كافة المجالات وتعزيز كل أجواء الوحدة والابتعاد عن كل ما يثير الفتنة والشبهات، لأن أعداء المقاومة يسعون لإثارة الإشكالات تحت عناوين مختلفة وليس حبا بالشعب الفلسطيني أو قوى المقاومة، وخصوصا بشأن شعار وحدة الساحات أو محور المقاومة. نحن اليوم في معركة كبرى سيكون لها دورها الكبير في تغيير الأوضاع في فلسطين والعالم العربي والإسلامي وعلى الصعيد الدولي، وفي شوارع وحارات ومدن قطاع غزة، وعلى أيدي المقاومين ومن بين صرخات الأطفال والآلام النساء سيتحدد مصيرنا ومصير العالم كله.
والكلمات لا تكفي اليوم كي نفي حق المقاومين وأطفال وشباب ونساء ورجال فلسطين وقطاع غزة حقهم، وسنظل عاجزين عن مواكبة هذه التضحيات الكبيرة، لكننا على يقين أن الدم سينتصر على السيف وأن هذا الشعب المضحي سيحقق أهدافها، وكما تعلمنا في القرآن الكريم: “إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما” (النساء: 104) صدق الله العظيم.