صفاء الطوفان

لا تظنّوا أن الدنيا ستسودّ في وجوههم، أو يغمرهم التسخّط، فإنّ الله يُنزل على طائفة منهم أمَنةً نعاساً يُنعش همّتهم، ويُعْظِم شعورَهم بلطف ربهم، ويُلقي عليهم السكينة، ويزيدهم إقبالاً.

كل هذا البلاء المصبوب المتتابع عليهم يجعل أرواحهم طريّة نقيّة لا تتعلق برغائب الدنيا وحاجاتها وشواغلها ومماطلاتها ومناكفاتها، بل تصبح هذه الدنيا في أعينهم قشوراً طافية على رمال الريح لا تستحق المطالبة.

وهذا هو الصفاء الجماعيّ حين يصل المجتمع إلى مرحلة لا يطلب شيئاً من أحد، ولا يطالبه أحدٌ.

إن شدة القهر والظلم والحزن ومشاهد الدم والدمار تفتح للمرء الراضي منهم مدخلاً إلى النور النقيّ فيَجلُو النورُ روحَه، ويرويها من عين الصفاء ونبع الرضا.

ويرى عندئذٍ أنّ لُطفَ الله بعباده عجيبٌ جابرٌ، ويؤتي أضعاف ما يأخذ إذا صحّ القلب: ﴿إنْ يَعلم اللَّهُ في قلوبكم خيراً يُوتِكُمْ خيراً ممَّا أُخِذَ منكم ويَغْفِر لكم﴾

لذلك نعْلمُ أنّ سَناء الاصطفاء وزَكاء الاجتباء لا يكون بكثير عبادة، أو عظيم اجتهاد، بل يكون بالثبات عند البلاء، وحبس النفس عن الجزع والتفجّع.

الاصطفاءُ شرفٌ مُتوّج يمنحه الله لنفر من عباده المستحِقين الذي يستحقون سلامه: ﴿ قل الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى﴾
فسلامٌ وسلامٌ وسلامٌ عليكم أيها المصطفون الأخيار

 

المحتوى ذو الصلة