لسنا أرقاما على شريط أخبار

أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية في ظل استمرار المجازر التي يقوم بها الكيان الصهيوني تجاه أهلنا في غزة من أجل إجبارهم على النزوح من الأرض العربية في فلسطين أن تعتاد الشعوب العربية على بشاعة القتل الصهيوني، وتتحول الحياة في غزة وفلسطين المحتلة إلى مجرد أرقام عادية تتوالى علينا عبر شريط أخبار القنوات التليفزيونية.

يصبح استشهاد 5 آلاف طفل فلسطيني مجرد رقم يتزايد كل ساعة وكل يوم فيزيد العدد يوميًا 126 طفلًا، ونتلقى نحن الجالسون أمام شاشات التليفزيون هذه الأخبار كحدث عادي اعتددناه من كثرة تكاثره.

الرقم المجهول في عدته يمثل حياة كاملة تلك الحياة التي يهبها الله -سبحانه وتعالى- عباده ويأتمننا عليها حتى لو كانت لغير أهل الإسلام، حياة لإنسان بكل ما فيها من آمال وأحلام لوطن، يحمل هؤلاء الأطفال مستقبله وحيوات آباء وأمهات، زوجات، أزواج، آمال وطن يمتد ليس فقط من النهر إلى البحر بل من المحيط إلى الخليج، كل رقم نتلقاه ولا نتوقف أمامه هو خصم من رصيد هذه الأمة.

تتوالى الأرقام ولا نتوقف أمامها، مذابح يومية يصل فيها عدد الشهداء 15000 شهيد، متزايدًا أثناء تلك الكتابة العاجزة عن تقديم يد عون إلى هؤلاء الأبطال، 270 مذبحة في كل أرجاء غزة اعتددناها بعد أيامها الأولى فلم نعد نتجاوب معها ولم نعد نصرخ أمامها ولا نتحرك لوقفها، اعتدنا تلك الكلمة الكارثية التي تواجهنا دائمًا عندما تمتد المدة الزمنية للحدث نعتاده، واحدة من مصائب الأمة، الاعتياد على مشاهد القتل والذبح التي تمارسها آلة القتل الصهيوني.

دم الكرامة

أرقام، أرقام تتوالى 15000 شهيد، 25000 جريح، مليونا ونصف المليون نازح، تتزايد ونعتاد، ولا نصرخ ولا نتحرك لوقف جرائم الإبادة التي يقوم بها جيش العدو الصهيوني الغاصب، نعتاد عليها حتى تتلبد المشاعر وتتجمد الأحاسيس.

يتحول دم الكرامة والشرف والإنسانية إلى مجرد ماء ملوث كالتي أصبحت ملجأ أهلنا في غزة، لكي يبقوا على قيد الحياة بعدما حرمتهم آلة القتل الصهيونية، وصمت مؤسسات العالم (الإنسانية) وجمود الشعوب العربية أمام شاشات التلفاز لتتراكم أمامهم الأعداد وهم يتلقون في بلاهة عاجزة.

انتفضت شعوب عربية في بدايات الحرب على غزة شهدت عواصم عربية وإسلامية مظاهرات ضخمة ضد المذابح والجرائم التي يقترفها الكيان الصهيوني الذي لا يشبع من الدم العربي، يحتسون دماءنا ليحيوا.

الحقيقة أن حياة الصهاينة لا تستمر من دون احتساء دماء البشرية، ورغم استمرار تدفق نهر الدم العربي في فلسطين، ندخل في الأسبوع السادس من توالي الجرائم الصهيونية ورغم ذلك تدخل أغلب شعوب الدول العربية حالة الاعتياد على الحرب، فيخفت صوت الجماهير العربية في المدن والميادين ضد استمرار المذابح الصهيونية.

أخطر ما يواجه القضايا العربية الاعتياد والنفس القصير، الشعوب العربية لا تمتلك نفسًا طويلًا في معاركها، ورغم أن أبطالنا في فلسطين يفتحون عبر تاريخهم مدارس للنفس الطويل، لكن للأسف أقرب الجيران الواقفون على معبر رفح لا يتمتعون بهذا النفس، المصريون أقرب الأهل إلى فلسطين أصحاب أقصر نفس في التاريخ، وعندما أذكر مصر والمصريين لأن مصر هي الأمل لنا في قضية فلسطين وما يحدث الآن في غزة، ويحتاج إخواننا في غزة إلى المساندة المصرية، والشعب المصري الآن وفي تلك الأوقات التي لا تتوقف فيها المجازر الصهيونية.

الصمت الذي يخيم على الميادين المصرية في ظل ما يحدث في غزة مخيف جدًا، غزة هي امتداد للحدود المصرية وأهم خط دفاعي عن أمنها القومي، غزة ضلع لا يمكن تقدير أهميته لمصر وشعبها، لا نتحدث هنا عن فلسطين وغزة كقضية عربية كبرى بل هي القضية الأولى والكبرى للأمة العربية، ولا عن غزة كقضية إسلامية وما يحدث فيها هو بداية انتصار لاستعادة فلسطين والقدس، وتحرير بيت المقدس، ولكن غزة وفلسطين هما عمق مصر الجغرافي والتاريخي لأمنها القومي.

غزة ومصر

حينما نتحرك تجاه غزة نتحرك مع مصر وتجاه مصر دفاعًا عن تاريخ وجغرافيا وأمن قومي ليس فيه عواطف بل مستقبل مصر، لذا فإن مصر التي يناجيها قادة المقاومة لتتدخل وتأخذ موقفًا في إدخال المساعدات الإنسانية لغزة، ليس عليها دور فقط في إدخال المساعدات ومد يد العون لكي يحيا أهلنا في فلسطين وغزة.

مصر الشعبية ومصر الرسمية عليها أن تدرك أن الدور هو مشاركة أهل غزة دفاعهم ضد الحلم الصهيوني، وهو دفاع عن مصر أرضًا وشعبًا وتاريخًا، وهذا ليس منة أو فضلًا على أهلنا في فلسطين بل هو الفرض الذي لا يجب التخلي عنه، ولا يصح لمصر أن تقف فيه هذا الموقف الذي نراه الآن، ولا يشعرنا تزايد أرقام الجرائم الصهيونية بفقدان الأمل في النصر.

غزة تلك المساحة الصغيرة من الأرض، الكبيرة ببطولة كل أبنائها، بصمود أمهاتها، وأحلام أطفالها وصبرهم، ابتسامة عيون فتياتها، وشبابها الذين يتقدمون نحو الشهادة بقوة وثبات وإيمان يرسمون تاريخ أمة تنهض من تحت الردم لتكون أمة كبيرة.

إنهم يعيدون التاريخ، لنستمد من أهل غزة الذين يزرعون الأمل في كل لحظة القوة، والنفس الذي يجعلنا لا نعتاد أن تكون أخبارهم وحيواتهم مجرد رقم على شريط الأخبار، تلك الحيوات هي عمر، وأهم ما يسجل الآن في تاريخ الأمة العربية والإسلامية، غزة ليست أرقامًا، وشهداؤها وجرحاها ونازحوها ليسوا رقمًا في شريط القنوات التليفزيونية، بل رقم صعب في معادلة مستقبل الأمة، ولو كره الكافرون.

 

المحتوى ذو الصلة