لندن / PNN – زود تحالف سري من وكالات الاستخبارات الغربية إسرائيل بمعلومات حاسمة سمحت للموساد بتتبع واغتيال قادة فلسطينيين بزعم تورطهم بهجمات في أوروبا الغربية، في أوائل سبعينيات القرن العشرين، وفق ما كشفت وثائق رفعت عنها السرية مؤخرا.
وتم تقديم هذا الدعم دون أي رقابة من جانب البرلمانات أو الساسة المنتخبين، وإذا لم يكن غير قانوني فعليا، فإنه كان من شأنه أن يسبب فضيحة عامة، حسبما ذكرت صحيفة “الغارديان” اليوم، الأربعاء.
ونفذ الموساد حملة الاغتيالات ضد قادة فلسطينيين في أعقاب عملية ميونيخ، أثناء دورة الألعاب الأولمبية في هذه المدينة، في أيلول/سبتمبر العام 1972، وأسفرت عن مقتل 11 إسرائيليا. واغتالي الموساد 4 فلسطينيين في باريس وروما وأثينا ونيقوسيا، وستة آخرين في أماكن أخرى خلال بقية العقد. وأطلق الموساد على هذه الاغتيالات تسمية “عملية غضب الرب”.
واكتُشفت أدلة على دعم أجهزة الاستخبارات الغربية لعمليات الاغتيال التي نفذها الموساد في الكابلات المشفرة التي عثر عليها في الأرشيف السويسري، من قبل مؤرخة الإستراتيجية والاستخبارات في جامعة أبيريستويث، د. أفيفا جوتمان.
وجرى تداول آلاف من هذه البرقيات عبر نظام سري غير معروف حتى الآن، يُسمى “كيلووات”، والذي أُنشئ عام ١٩٧١ للسماح لـ ١٨ جهاز استخبارات غربي، بما في ذلك إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا وإيطاليا وألمانيا الغربية، بتبادل المعلومات. وتضمنت البرقيات معلومات استخباراتية خام تتضمن تفاصيل عن مخابئ ومركبات آمنة، وتحركات أفراد رئيسيين يُعتبرون خطرين، وأخبارًا عن تكتيكات الجماعات الفلسطينية المسلحة، وتحليلات.
وقالت غوتمان إنه “كانت المعلومات دقيقة للغاية، تربط الأفراد بهجمات محددة، وتقدم تفاصيل من شأنها أن تكون ذات فائدة كبيرة. ربما في البداية، لم يكن المسؤولون الغربيون على علم (بالاغتيالات)، ولكن بعد ذلك، ظهرت تقارير صحفية كثيرة وأدلة أخرى تشير بقوة إلى ما كان يرتكبه الإسرائيليون. حتى أنهم كانوا يشاركون نتائج تحقيقاتهم الخاصة في الاغتيالات مع الموساد، وهو الجهاز الذي يُرجّح أنه هو من قام بها”، وفق ما نقلت عنها الصحيفة.
في حينه، طالبت رئيسة الحكومة الإسرائيلية، غولدا مئير، الموساد بتقديم أدلة على ارتباط أي أهداف في ميونيخ أو ضلوعها في موجة الهجمات الأوسع التي شنتها الجماعات الفلسطينية المسلحة على الطائرات والسفارات ومكاتب شركات الطيران الإسرائيلية في أوروبا الغربية والبحر الأبيض المتوسط. وجاء جزء كبير من هذه الأدلة من أجهزة استخبارات غربية ووصل إلى إسرائيل عبر شبكة “كيلووات”.
كانت أول عملية اغتيال نفذها الموساد بحقّ المثقف الفلسطيني، وائل زعيتر، الذي كان يعمل في السفارة الليبية في روما. واغتيل زعيتر رمياً بالرصاص في بهو شقته في العاصمة الإيطالية بعد أسابيع قليلة من عملية ميونيخ.
وينفي كثيرون مزاعم بأن زعيتر كان متشددا، ويؤكدون على أنه لا صلة له بالعمل المسلح الفلسطيني. لكن برقيات “كيلووات” أظهرت أن إسرائيل أتبلغت عدة مرات من قِبَل أجهزة الأمن الغربية بأن زعيتر، البالغ من العمر 38 عامًا، كان يُقدّم أسلحة ودعمًا لوجستيًا لمنظمة أيلول الأسود، التي نفذ أفرادها عملية ميونيخ وعمليات أخرى.
الضحية الثانية لجرائم الموساد هذه هو الممثل الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا، ، محمود الهمشري، الذي اغتيل في باريس، في كانون الأول/ديسمبر العام 1972. وظهر الهمشري في برقيات “كيلووات”، التي وصفت أنشطته الدبلوماسية وجمع التبرعات، لكنها زعمت أيضًا أنه جند “خلايا إرهابية”.
وكشفت البرقيات أن اغتيال محمد بودية، الذي اعتبر أحد أهم المسؤولين اللوجستيين عن العمليات المسلحة التي نفذتها منظمة الأمن البوسني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في باريس في حزيران/يونيو 1973، كان بمساعدة كبيرة من السلطات السويسرية.
وكان بودية، وهو أحد قدامى محاربي حرب الاستقلال الجزائرية ضد فرنسا، والذي وضع خبرته في العمل السري تحت تصرف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومنظمة الأمن الجهادي، على رأس قائمة أهداف الموساد. نظّم بودية سلسلة من الهجمات، منها محاولة فاشلة لتفجير فنادق في إسرائيل وتدمير جزء من محطة نفط إيطالية. كما استهدفت عمليات مسلحة أخرى مهاجرين يهود فارين من الاتحاد السوفيتي وسفير الأردن في لندن.
وبوديا، وهو أيضًا كاتب ومخرج مسرحي، تعقّبه الموساد بعد أن زوّده مسؤولو الاستخبارات السويسرية بتفاصيل سيارته التي عُثر عليها أثناء مداهمة منزل آمن في جنيف. وتعقبت فرقة اغتيال إسرائيلية السيارة واغتالت بوديا بلغم أرضي في أحد شوارع باريس.
وقالت غوتمان، التي ستنشر بحثها في كتاب لاحقًا هذا العام، إنه “لستُ متأكدةً من أن حملة الاغتيالات الإسرائيلية كانت لتنجح لولا المعلومات التكتيكية من أجهزة الاستخبارات الأوروبية. لا شك أنها كانت ذات فائدة كبيرة. ولكن كان من المهم جدًا أيضًا أن يعلم الموساد أنهم حصلوا على هذا الدعم الضمني”.
وفي مثال آخر كشفت عنه البرقيات، زود جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني (إم آي 5) الموساد بالصورة الوحيدة التي يملكها لعلي حسن سلامة، أحد زعماء منظمة أيلول الأسود الرئيسيين، واتهم بمسؤوليته عن عملية ميونيخ.
وفي تموز/يوليو 1973، اعتقد الموساد أنه تعقب سلامة إلى ليلهامر، وهو منتجع تزلج نرويجي صغير، واستخدم الصورة التي قدمها جهاز المخابرات البريطاني لتحديد هوية هدفه. إلا أن الرجل الذي قتله الموساد لم يكن سلامة وإنما نادل مغربي. واعتقلت السلطات النرويجية عددًا من عملاء الموساد، ودفعت موجة الاستنكار الناتجة عن ذلك غولدا مئير إلى إنهاء حملة “غضب الرب”.
ورغم ذلك، استمرت الأجهزة الأوروبية الغربية في تزويد إسرائيل بمعلومات استخباراتية مفصلة عن الأهداف المحتملة، حسبما قالت جوتمان.
ونقلت الصحيفة عن عضو سابق في فرق الاغتيال الإسرائيلية قوله، الشهر الماضي، إنه وأعضاء آخرين لم يكن لديهم في ذلك الوقت أي علم بمصدر المعلومات التي حددت أهدافهم، لكنه أصر على أنه كان لديه ثقة مطلقة في أنها موثوقة.
وقال مسلحون فلسطينيون سابقون للصحيفة، العام الماضي، إنهم “قدموا كل ما في وسعهم” في ما أطلق عليه “حرب الجواسيس” بين الموساد والشبكات السرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومنظمة المتطوعين البلغارية التي نفذت عمليات مسلحة عبر البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الغربية في أوائل سبعينيات القرن العشرين، وقُتل فيها عميل إسرائيلي في مدريد وأصيب آخر بجروح خطيرة في بروكسل على يد فصائل فلسطينية مسلحة.
وقالت غوتمان إن ما كُشف عنه في برقيات “كيلووات” أثار تساؤلات مهمة حول حرب غزة الحالية، وأنه “عندما يتعلق الأمر بتبادل المعلومات الاستخباراتية بين أجهزة الدول المختلفة، تكون الرقابة صعبة للغاية. فالعلاقات الدولية السرية للدولة بعيدة كل البعد عن أعين السياسيين والبرلمانات والرأي العام. وحتى اليوم، تُتبادل معلومات كثيرة لا نعرف عنها شيئًا على الإطلاق”.
وألمحت الصحيفة في هذا السياق إلى أن الموساد مسؤول عن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران العام الماضي، بينما تورطت أجهزة أمنية إسرائيلية أخرى في سلسلة اغتيالات طالت قادة حماس في غزة وبيروت. وفي العام الماضي، اغتالت إسرائيل أيضًا أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، وعشرات من كبار قادة حزب الله.