“هنيئًا لك الشهادة”.. مقاومٌ بطل يلقى الله ساجدًا ويغيظ الاحتلال

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

“وقفتَ وما في الموتِ شكٌّ لواقفٍ.. كأنّك في جفن الردى وهو نائمُ”.. هذا هو حال المقاومين في غزة وهم يسجّلون بصمودهم وثباتهم وبسالتهم في التصدّي لجيش الاحتلال وجنوده وآلة حربه الغاشمة، يرسمون طريق النصر بالصوت والصورة والرسالة التي ما زال يعجز عدوّهم عن اختلاس أي خيطٍ منها لمشهد انتصارٍ عابرٍ، فيلقون الله مقبلين غير مدبرين يرفعون السبابة للسماء ويقضون ساجدين، ولسان حالهم “إنه لجهاد نصرٌ أو استشهاد”.

وحين عجز جيش الاحتلال عن تصوير مشهدٍ على الأرض لبطولات جنوده الزائفة، الذين أصبح المقاومون الأشداء الأبطال في غزة كابوسًا في لياليهم المظلمة وأعراضًا شديدة لأمراضهم النفسية المتوطنة، حتى أصبحوا “يتبولون” على أنفسهم، أو يستيقظون مرعوبين لإطلاق النار على بعضهم، سعى ليلتقط “مشهد نصرٍ زائف”، لاقتناص أحد أسود المقاومة الشجعان عبر استهدافه بطائرة مسيرة من السماء بعد أن عجز جنوده عن مواجهته على الأرض.

ولكنه لم يعلم أن الصورة والمشهد سينقلب عليه، ويثبت “صلابة المقاوم الفلسطيني وقوته وشدة بأسه” حتى بعد أن تصيبه رصاصاتٌ أو شظايا الغدر في ظهره، فمن يجرؤ منهم على مواجهته وجهًا لوجه.

يتعالى الأسد الهصور على جرحه، فما عرف في حياته معنى الانكسار أو السقوط أو التفكير بالاستسلام لعدوّ غاشم مهما كانت قوته ومهما بلغ ظلمه وجبروته، وما سعى الاحتلال لرسمه من صورة انكسار، يقلبها عليهم بقوة وعزة في أجمل صورة انتصار.

فيتحامل على جرحه ويرفع سبابته للسماء ليعلم عدوه وهو يلتقط الصورة بأنّك “لن تكسر إرادتي” ولن تأخذ الصورة الواهمة التي تريد، فيقف بصلابة عز نظيرها ويستعيد أنفاس كبرياء شعبٍ بأكمله ويعيد التقاط الصورة من جديد مقبلاً غير مدبر، فنحن الذين نحتضن الأرض ونقبلها ونفديها بدمائنا الزكية.. ونرحل لله ساجدين، لنترك الساحة لمن خلفنا ليكلموا الطريق ويكملوا حكاية النصر القادم.. (ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).

ويبقى المشهد البطولي الذي تركه هذا المقاوم البطل في أحلى وأجمل صور الثبات، لينتشر كالنار في الهشيم وبدلاً من أن يحقق للاحتلال مراده، تزداد الثقة بالمقاومة ورجالها، وينبعث الأمل في النفوس والصدور بأنّ ما أراده العدوّ ما هو إلا أثبات المزيد من عجزه وقهره وسقوط آماله في غزة أمام مقاتلين سيبقون كابوسًا لجيشه وجنوده وأحلام استقرار كيانه الهش الذي داس رأسه المقاومون بأحذيتهم.  

وتداول الآلاف مقطع فيديو صورته طائرة إسرائيلية لمقاوم في خانيونس وهو يثب من مكان لآخر قبل أن تستهدفه، وبقيت تتابع لحظاته الأخيرة حيث تعامل على جراجه كي يتمكن من السجود ويلقى ربه وهو ساجد.

يرحل البطل شهيدًا – بإذن ربه – ويترك من يتابعون من بعده حائرين: فيمَ كان يفكر في تلك اللحظات؟ أدركته طائرة الاستطلاع فكشفته، وهو مقبلٌ متقدم، يكمُن لعدوه، متربصًا لقتال، يستذكر الله في نفسه، ويتذكر الثأر في صدره، ويحمل الدرع في يده، أيُقبل أم يدبر؟ أيكرّ أم يفر؟ لا باب إلا إلى السماء، ولا مخبأً يدركه في الأرض، أو عساه يعلم فتحة نفق في مكان ما، لكن إن ولجها فنجا مؤقتًا وهلك أصحابه. يكمل الوثب بخطواته الواسعة، يهرول كالسعاة بين الصفا والمروة، وإن كان لم يرَ الكعبة ولا البيت الحرام ولا قبر النبي إلا في منامه.

يحتضن شهادته بين جنبيه، ويسير إلى موته مدركًا أن الموت أدركه، فيعرض أمامه شريط عمره كله فلا يجده إلا عبارة عن نفق طويل عميق مظلم، لا نور فيه إلا السرُج البسيطة والجباه المتوضئة، فيطمئن للقاء الله، يصف المشهد أحد المعلقين.

ويتابع بالقول: كأن الموتَ يستأذنه، ويمهله ثوانيَ قبل الارتقاء الأخير، تصيبه الآلة الجبانة الغادرة في مقتل، فتخترقه الشظية، وقد عرف أنها اللحظة، فانكبَّ معانقًا الأرض مودعًا فيها سره الأخير، ملحقًا دمه بعرقه، وفراقه بدمعه، وبشراه بموته، متحاملًا على جرحه، وهو الشهيد على أي جنبٍ كان في الله مصرعه، لكنه يصرّ، أن يبعث ساجدًا، باثًّا آخر أنفاسه بالدنيا في ترابٍ طاهر زكيّ، ذاهبًا إلى الفردوس الأعلى بسجدةٍ صادقة، كأنه يدفن نفسه بنفسه، في كبِد غزة، وهو الذي عاش عمره كله في كَبَدها.

ولا يملك من رأى المشهد إلا أن يقدّم التهنئة لهذا البطل: “هنئيا لك الشهادة فقد ربح البيع، وإنّا على دربك أيها الأسد الهصور سائرون”، بحسب مغردين بمواقع التواصل.

“السلام عليك في عليائك.. مقبلا غير مدبر.. ساجداً في أجمل ما يكون عليه السجود.. السلام على أمك.. السلام على قلبها .. السلام على الأرض التي التصق جبينك بها.. ولعن الله قاتلك.. لعن الله اسرائيل ما طلعت شمس وغربت”، يقول مغردون.

ومنذ بدء معركة طوفان الأقصى، يقدم أبطال المقاومة نماذج بطولية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في محاور التوغل، إذ عرضت مقاطع مصورة مشاهد لمقاومين أبطال وهم يلتحمون مع جنود الاحتلال وآلياته من النقطة صفر.

ووثقت كاميرات الأبطال كيف تمكن أحدهم من رفع راية على جرافة إسرائيلية قبل تفجيرها، وفي عدة مرات تمكن المقاومون من الوصول للدبابات ووضع عبوات أسفلها وتفجيرها فيما ظهر آخرون وهم يلتحمون مع الجنود ويداهمونهم في مواقع تمركزهم، ليتركوهم خلفهم قتلى وجرحى ويغنموا منهم بنادقهم ورشاشاتهم.

لقي الله رضي الله عنه وهو ساجد ..
أما المسيرة التي رفعت قدره فنال الشهادة عندما اغتالته فهي وإن كانت مسيرة من خصومه إلا أنها كانت مأمورة من الله أن تخلد ذكرى هذا الشاب ، أما هو فهو البطل الحر الذي اختار وضع ملاقاة ربه في أعز المشاهد ساجداً ..لله رب العالمين..
وقد أدار… pic.twitter.com/tjuyoeUYhO

— د. علي القره داغي (@Ali_AlQaradaghi) December 29, 2023

يا ويح روحي يا أخًا كنا معًا
أنت الذي في قصتي أنت الوحيد
لو كنتُ حرًا لم تكن روحي هناك
وتعانقت شوقًا إلى روح الشهيد

هذا البطل ابن خان يونس..
اختار طريقه وسار دربه وكتب نهايته كما تمنى
عاش حياته مرابطًا وغزى في سبيل الله مجاهدًا ومات لله ساجدًا
هنيئًا لك الاصطفاء ونعم الشهادة pic.twitter.com/SWRp3RYy2S

— Khaled Safi 🇵🇸 خالد صافي (@KhaledSafi) December 29, 2023

هي لحظات دراما حيَّة كنّا نشاهدها بين صفحات التاريخ المجيد، من خلال عدسات الكلمات وبإخراج من استوديوهات الخيال. وكنَّا نطالع من خلالها الصحابةَ رضوان الله عليهم وهم يقطعون كل انتماءاهم إلى الدنيا، ويعرضون أنفسهم وأموالهم في أكبر سوق وأنفق مشروع استثماري أقامه الله للناس: الجنة!… pic.twitter.com/V04Zxb1ptm

— بن سالم با (@Boun_Salim_) December 29, 2023

 

المحتوى ذو الصلة