المركز الفلسطيني للإعلام
منذ العام 2021، برزت عدد من المجموعات المسلحة بمخيمات الضفة الغربية، حيث كانت نواتها الأولى في مخيم جنين تحت مسمى “كتيبة جنين”، لتمتد على مدار الشهور والأيام بحالة من الإلهام إلى عدد من المدن الفلسطينية الأخرى، وتبدأ معها رحلة يمكن توصيفها بمرحلة “الاستنزاف” لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتتميز هذه المجموعات بأنها لا تتخذ من الطابع التنظيمي الهيكلي نموذجا واحدا، إذ أنها أقرب إلى طابع المجموعات الصغيرة المنفصلة في مركزيتها وأهدافها وعملياتها، الأمر الذي شكل معضلة لدى الاحتلال الإسرائيلي في قدرته على انهاء وجودها رغم كل عمليات الاغتيال والاستهداف التي ينفذها بشكل شبه يومي في الضفة.
كما أنها لا تعتمد على المسمى التنظيمي أو التبعية التنظيمية للفصائل الفلسطينية، بل أقرب إلى حالة من الاندماج تجمع ما بين المنتمين لحماس والجهاد الإسلامي وفتح والجبهة الشعبية، وفي أحيان أخرى شبان متلهفون للعمل المقاوم دون وجود امتداد تنظيمي، وإنما يجمعهم هدف المقاومة والمواجهة مع الاحتلال.
تفكيك لم ينجح
سعى الاحتلال الإسرائيلي ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية إلى تفكيك العمل المقاوم بالضفة، سواء من خلال الاعتقالات أو الاغتيال أو عمليات الاجتياح التي نفذها لمدن الضفة واغلاق كافة المؤسسات التي كانت تمثل بنية تحتية للعمل الوطني والتنظيمي، فيما غيب القيادات الفاعلة ميدانيا في السجون.
تقاطع هذا الحال أيضا مع العديد من البرامج السياسية التي عملت عليها الولايات المتحدة الأمريكية لإغراق الفلسطينيين بالضفة بالمشاريع الاقتصادية ورهن حياتهم بالوظائف، وانعكاس حالة الانقسام السياسي الداخلي على القضايا الوطنية، الأمر الذي أحدث حالة من تراجع العمل الوطني بشتى المجالات.
لكن هذا الحال، لم يمنع استمرارية محاولات النهوض للعمل النضالي بالضفة، وبقيت الأعمال الفردية للمقاومة حاضرة، وبعضها كان بامتداد تنظيمي خصوصا لحركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
نقلة نوعية
النقلة النوعية بالعمل المقاوم بالضفة بدأت تتشكل في العام 2021، بعد معركة وحدة الساحات في قطاع غزة، حيث تشكل أول نواة تمثل مزيجا للعمل المقاوم بالضفة تحت مسمى “كتيبة جنين” التي انخرط بها مقاومون من تنظيمات مختلفة، ما استدعى الاحتلال لبدء عمليات الاغتيال المباشرة لمن يحاول الوصول لهم من أفراد الكتيبة، إلا أن ذلك لم يؤثر على قوتها وأدائها بل بالعكس عزز من حضورها سيما أنها لم تتبنى خطا تنظيما واضحا.
شكل نموذج كتيبة جنين حالة من الإلهام، لينتقل إلى البلدة القديمة في مدينة نابلس، حيث تشكلت “مجموعات عرين الأسود” التي جمعت ما بين مقاومين من مختلف التنظيمات بمن فيهم من حركة فتح الرافضين لسياسات السلطة وحماس والجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية، حيث شكل ظهورها حالة امتداد شعبي أكبر، واستطاعت أن تعيد إنعاش المفهوم النضالي ضمن قاعدة شعبية كبيرة، وعملت لأول مرة استنهاض الثقة في الحاضنة الشعبية ومشاركتها في العمل الوطني عبر الدعوات المستمرة للمسيرات والخروج بالتظاهرات.
واستخدم الاحتلال مسارين للتعامل معها، الأول التصفية والاغتيال المباشر، والثاني تفاوضي قامت به السلطة الفلسطينية في محاولة تقديم امتيازات لمن يرغب بالانخراط بالسلطة وترك العمل داخل المجموعات، إلا أن هذا الأمر لم ينجح بشكل كامل وبقي حضور المجموعات رغم كل هذه الاجراءات بحقها.
برزت لأول مرة، مدينة أريحا، بدور نضالي مقاوم من خلال كتيبة مخيم عقبة جبر، التي نفذت سلسلة من العمليات المسلحة والاستهداف المباشر للمستوطنين وجنود الاحتلال لتوقع العديد من الاصابات والقتلى في صفوف الاحتلال.
ذات النموذج، وبشكل أكثر قوة وحضورا، برزت كتيبة طولكرم التي أطلقت على نفسها كتيبة “الرد السريع”، حيث استطاعت أن تسطر سلسلة من عمليات الاستهداف لحواجز الاحتلال لتوقع عدد من القتلى بصفوف الجنود، وتشكل حالة من القلق الدائم للاحتلال.
تكتيكات متعددة
تنوعت الوسائل والتكتيات التي عملت عليها المجموعات المسلحة بالضفة، فما بين الكمائن لقوات الاحتلال التي تقتحم المدن الفلسطينية، سعت هذه المجموعات للخروج إلى الطرق الالتفافية وحواجز الاحتلال وتنفيذ عمليات إطلاق النار، وخوض الاشتباكات المسلحة.
إضافة إلى ذلك، برزت ما عرفت “بالذئاب المنفردة”، وهي عمليات نفذها مقاومون إما في الضفة ضد أهداف الاحتلال، أو الدخول إلى داخل المدن المحتلة عام48 وتنفيذ عمليات مقاومة هناك أوقعت العديد من القتلى في صفوف الاحتلال.
استنزاف مستمر
شكل عمل المقاومة بالضفة خلال هذه المرحلة، ما يمكن بتسميته باستنزاف لقوات الاحتلال التي استدعت ثلاثة كتائب من جيشه إلى الضفة، إضافة لإشغال أجهزته الأمنية والمخابراتية خشية من اتساع الظاهرة وتطورها.
وتصاعدت حالة الاستنزاف بشكل واضح في ظل الحرب التي يخوضها الاحتلال على قطاع غزة، الأمر الذي دفع بقادة الاحتلال الإسرائيلي للبحث عن كيفية منع تحول العمل المقاومة بالضفة إلى انتفاضة شاملة، وهو ما يفسر الاجراءات المشددة التي شرع بها الاحتلال من عمليات الاعتقال والاغتيال التي تصاعدت بشكل كبير بالضفة على مدار شهر اكتوبر.