[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
خمسون ألف طفلٍ ولدوا في غزة خلال العدوان المتواصل على غزة منذ عشرة شهور، بحسب تقارير لمؤسساتٍ دوليةٍ، تؤكد أنّهم شقّوا طريقهم إلى الحياة من رحم الإبادة فيما يشبه المعجزة ليواجهوا ظروفًا هي الجحيم بعينه، فيما ترى نساء غزة الصامدات الصابرات أنّ رحمات الله ولطفه ومعجزاته التي رأوها بأعينهنّ كانت الرحمة المهداة لهنّ رغم كل المصاعب والظروف الكارثية.
ميلاد معجزتي الصغيرة
“لأني شفت رحمة ربنا بعنيا ومسكتها بإيدي، رحمة ربنا تُرى بالعين المجردة يا دكتورة الحمدلله”.. بهذه الكلمات المليئة بالثقة والاطمئنان تجيب آلاء النمر على سؤال الطبيبة التي استقبلتها وصغيرتها التي ولدت في طريق رحلتها المرعب للمستشفى، لتعرف ما هو سر ابتسامتها رغم كلّ ما واجهته من أهوالٍ.
وتروي النمر في قصتها تفاصيل مؤلمة وقاسية عمّا تعانيه النساء في غزة خلال الحمل والولادة، فتقول: قبل ستة أشهر وتحديداً في الرابع عشر من شهر يناير من ذات العام “عام” الحرب والخوف والجوع والنزوح والتشرد والقتل والفقد والدمار، كنتُ على موعد لأن أضع مولودتي الجديدة بعيداً عن بيتي المدمر وعن كل أشكال الحياة بما فيها الأمان بينما كنت أعتقد واهمة أني سأضعها بعد انتهاء الحرب!
وتضيف: شهر المخاض وصلته بعدما نزحتُ أحد عشر مرة على الأقل.. قفزت من النوافذ مرة هروباً من طلقات “الكواد”، ومرة تسلقتُ مبنى مدمّر بعدما حاصرتنا دبابات العدو للهروب منها، وأخرى قطعت مسافة أربع ساعات نزوحا من الغرب شرقاً بعدما باغتتنا آلياته اللعينة.
وتتابع بالقول: لا بأس.. ها أنا أخوض تجربة ميلادها دون أن أهز جذع أي نخلة لأركن تحتها آمنة.. كانت ليلة باردة جداً وماطرة كذلك، ملبدة بالطائرات الحربية، مُضاءة بضربات الصواريخ المتفجرة في سماء مدينتي التي لا تشبه إلاّ مدن الأشباح المرعبة.
الأب يقص الحبل السري
وتواصل حديثها المملوء بالألم والأمل ولحظات الشقاء: بدأ المخاض تمام الساعة العاشرة ليلاً وسط الشارع وبدأ ميلادها في ذات الوقت بعد الدقيقة الخامسة تماماً، بدا ميلادها بالمعجزة بعدما أطلقت مولودتي “نِعمة” صرخة الحياة بين يدي أبيها الذي نجح في قص الحبل السُري وإطلاق سراحها لتبدأ رحلتها مع الحياة دون غرفة مخصصة لاستقبالها ولا حتى سرير صمم خصيصاً لها، وبألبسة جهزتها لنا إحدى “الشهيدات” من بقايا معرض ملابس مدمر!
وتتابع وصفها لرحلة الألم: لم ينتهِ الأمر بعد ..رغماً عن الخطر وقت الليل دبّر لي زوجي سيارة لنقلي إلى مستشفى “الصحابة”، ركبتُ بداخلها وسبقني برفقة أخي نحو المستشفى جرياً على أقدامهما لاستقبالي هناك.
سبقني وأعد لي مكاناً مناسباً لاستقبالي ومولودتي لكني تأخرت.. نعم فـ السيارة التي أقلّتني ومولودتي المغطاة بقطعة قماش قد فرغت من “جرة الغاز” بعد قطعها لبضع أمتار فقط.
سيرًا على الأقدام
وتضيف النمر قائلة: قررتُ أن أكمل الطريق مشياً بأسرع وقت ممكن لكني لا أعرف الطرق هنا وبالأصح لا توجد طرق أصلا لسلكها.. كل الدروب مظلمة..ولا أرى سوى تلالاّ من الدمار.
وتتابع حكايتها: كان ابن خالتي يتقدمني في الطريق ممسكاً بكشاف صغير ويصرخ بأعلى صوته “من اليمين” وما أن ينحني من درب آخر حتى يعود وينادي “هيني قدامكم ادخلوا شمال” ..، أما عن أمي فقد كانت تنادي بأعلى صوتها “سيارة يا أهل الخير معنا والدة ومولودة” .. وكنت أرد عليها “والله إني قادرة أمشي الحمدلله ما تخافي” بينما يتأرجح معي شيء من بقايا حبل الحياة طوال الطريق مع انسياب دماء الميلاد.
وتحكي بألم وحرقة تفاصيل أخرى، فتقول: يشتد المطر وتنزل رحمات الله علينا دون ريب … ويهرول ابن خالتي بصغيرتي بعدما خبأها داخل معطفه الشتوي ويطرد من طريقه قطعان كلاب الليل الجائعة ليفتح لنا طريق المرور.
وتقول النمر: أخيراً صرخ بأعلى صوته “قربنا نوصل” .. ومع ذلك كان فاعل الخير أسبق بالوصول.. صاحب “مكرو باص” لاحقنا من بعيد ليوصلنا إلى المستشفى .. ركبتُ وظللت أشكر سعيه حتى أنزلت خطواتي أمام المستشفى بعدما وصلت صغيرتي قبلي بثوان.
قصة الابتسامة
وتضيف في سرد قصتها: استقبلتني على الباب طبيبة قالوا لها أني أنجبتُ صغيرتي وأنا في الطريق.. سألتنا (انا واختي التي اشتد بكاؤها خوفاً عليّ) “مين الوالدة فيكم؟ “، أجبتُها بكل هدوء وابتسامة واسعة كبيرة عميقة “أنا الحمدلله”، “طيب وانتي ليش منفخة من العياط” سألت أختي، أجبتها أيضاً أنا “أختي خايفة عليّ وأنا طول الطريق بحكيلها إني بخير الحمدلله”، ابتسمت الطبيبة وأكملت لي رحلة الميلاد العحيبة لانتزاع الخلاصة من جوفي.
وتتابع بالقول: احتفظت الطبيبة بما حصل حتى الصباح، وما أن ودعتها سألتني بقولها “بدي أعرف سر ابتسامتك وانتي جاية من طريق مخيفة والدنيا مرعبة ومش عارفة مصير بنتك”، استعدت ذات الابتسامة وأخبرتها “لأني شفت رحمة ربنا بعنيا ومسكتها بإيدي، رحمة ربنا تُرى بالعين المجردة يا دكتورة الحمدلله..”
وتستدرك النمر بالقول: أما عن أعجب ما رُزقت لحظتها، فابنة خالتي التي ما قطعتني من فيض دعواتها وخوفها علي بعدما وقع قصف قريب منا ، كانت قد خبأت بعض حبات البرتقال المقطوفة من شجرة أرض مجاورة بعد مراقبتها لها جيداً، حبات البرتقال المنوي عصرها لأكثر من عشرين شخصاً آثرت صاحبتهم على جعل هذه الحبات عصيراً ثميناً نادراً لأجلي، كانت المرة الأولى والأخيرة على الإطلاق التي أشرب فيها عصيراً طبيعياً!
وتختم قصتها المشوقة بالقول: أنجبتُ صغيرتي في مرحلة العدم، جوع يفتك بالأطفال ، كان ربع رغيف صغير نصيب يومنا الطويل، ومع ذلك خبأ لي زوجي في حقيبة الميلاد “علبة حلاوة صغيرة”، رغم انعدامها من كل الأسواق، كنت أُفتش عنها كل مرة لأتأكد من وجودها حقاً، وحتى ذلك اليوم أخذت أنفاسي من عمقها وبدأت بأول ملعقة وكلي دهشة من رزقي المخبأ.
50 ألف طفل ولدوا في غزة خلال العدوان
وقالت منظمة إنقاذ الطفل العالمية الاثنين الماضي، إن 50 ألف طفل ولدوا في غزة خلال الحرب المستمرة في القطاع حيث كانت “ظروف الولادة مهينة وصعبة وغير نظيفة ولم يحصلوا على الخدمات الصحية الأساسية”.
وأوضحت المنظمة في بيان، “تواجه النساء الحوامل في غزة مخاطر عدة نتيجة لتدهور وضع القطاع الصحي إضافة إلى النزوح المتكرر” في القطاع وسط استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وقالت المنظمة إنها “وثقت لجوء بعض النساء الحوامل لتحفيز الولادة بشكل غير آمن في المنزل خوفا من بدء أعراض الولادة خلال فترة النزوح”.
“تخاف العديد من النساء من الذهاب إلى المشافي خوفا من القصف المتكرر، وفقدت بعض النساء حياتهن بسبب قلة توفر الخدمات الصحية وصعوبة الوصول إلى الأطباء”، بحسب المنظمة.
والنساء الحوامل يواجهن “تحديات كبيرة” خلال حملهن، منها شح الغذاء والماء النظيف والنزوح المتكرر وفقدان الأقارب والخوف من الإصابة أو الموت، على ما ذكرت المنظمة.
“}]]