تل أبيب -PNN- يسعى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى تسريع إقالة رئيس جهاز الشاباك، رونين بار، قبل أن يقدم الأخير إفادة أو تصريح للمحكمة العليا من شأنه أن يكشف ملابسات ودوافع قرار الإقالة، بما يشمل ضغوطًا مارسها نتنياهو على بار لتقديم تقييم أمني يساهم في تأجيل محاكمته، ورفض بار التدخل لتقييد الاحتجاجات على الخطة القضائية للحكومة، إضافة إلى مسؤوليته عن التحقيق مع مقربين من نتنياهو، بحسب ما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وبعد ظهر اليوم، الخميس، رفضت المحكمة الإسرائيلية العليا، طلب الحكومة تسريع إصدار قرارها بشأن الالتماسات التي تتعلق بإقالة رئيس جهاز الشاباك، رونين بار، وأكدت استمرار سريان الأمر الاحترازي القاضي بتجميد الإقالة حتى استكمال النظر في الملف.
وتأتي هذه المساعي وسط أزمة حادة بين الحكومة والمستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، بشأن قانونية الإقالة. وبحسب الصحيفة، فإنه “إذا لم يحدث معجزة” فلن يتم التوصل إلى تسوية بين الجانبين، على الرغم من توصية قضاة المحكمة العليا في جلسة مطولة عُقدت الأسبوع الماضي للنظر في التماسات تطالب بمنع إقالة بار.
وفي قرارهم الصادر اليوم، أكد قضاة العليا، أن القرار في الالتماسات المتعلقة بإقالة بار، سيُتخذ فقط بعد تسلّم إفادتي نتنياهو ورئيس الشاباك نفسه. وبحسب الجدول الزمني الذي حددته المحكمة، يتعين على بار تقديم إفادته حتى يوم الأحد المقبل، بينما يُلزم نتنياهو بتقديم إفادته حتى يوم الخميس القادم.
وجدد القضاة توصيتهم للحكومة والمستشارة القضائية، غالي بهاراف ميارا، بالعمل على التوصل إلى تفاهمات داخلية قبل صدور قرار قضائي في القضية. وكان القضاة قد أصدروا قرارا ببقاء بار في منصبه، ومنع نتنياهو من تعيين قائم بالأعمال أو رئيس بديل لجهاز الشاباك حتى 24 نيسان/ أبريل، بانتظار حل النزاع مع المستشارة القضائية والتوصل إلى تسوية بشأن الإقالة.
وفي تطور لافت، طلبت الحكومة، مساء الأربعاء، من المحكمة العليا تسريع إصدار القرار، وربطت بين القضية وبين اعتقال أحد عناصر الشاباك الاحتياط بشبهة تسريب معلومات سرية، وقالت في رسالتها: “استمرار ولاية رئيس جهاز أمني فاشل، عبّرت الحكومة بالإجماع عن انعدام الثقة به، بموجب أمر احترازي قضائي، هو خطر على أمن الدولة، وعلى صورتها الدولية، وعلى التعاون مع أجهزة الاستخبارات”.
ويرى خبراء قانونيون أن نتنياهو يسعى لتجنّب تقديم بار لتصريحه الذي طلبه القضاة، والذي من المقرر أن يُقدم خلال الأيام المقبلة، ويتضمن، بحسب التقديرات، سردًا لضغوط مورست عليه من جانب مكتب رئيس الحكومة.
ومن المتوقع أن يُجبر هذا التصريح نتنياهو على تقديم رد مفصّل للمحكمة العليا، يشرح فيه دوافعه لإقالة رئيس الشاباك، بدلًا من الاكتفاء بتصريحات عامة حول “فقدان الثقة” كررها سابقًا ضد بار.
وحتى بعد مرور أسبوع على الجلسة الأخيرة، وقبيل المهلة المحددة لتقديم مواقف الطرفين، تُصرّ الحكومة على إقالة بار فورًا، أو تحديد موعد قريب لمغادرته. بينما يرى بار، بدعم من المستشارة القضائية، أن الادعاء بانعدام الثقة لا يُعد سببًا قانونيًا كافيًا، لا سيما في ظل عدم انتهاء التحقيق مع مقربين من نتنياهو. فيما تحذر المستشارة القضائية من سابقة قد تُتيح إقالة أصحاب مناصب مهنية لمجرد تعارضهم مع توجهات سياسية.
وفي رسالتها للمحكمة، اعتبرت الحكومة أن “قرارات المحكمة العليا التي تصادر صلاحية الحكومة في تعيين وإقالة رؤساء الأجهزة الأمنية تخلق واقعًا خطيرًا”. وكررت التحذير من ربط استمرار ولاية بار بالتطورات في ملف تسريبات الشاباك، قائلة: “حذرنا من الخطر، وها هو يتجسد بعد أيام”.
وزعمت الحكومة أن استمرار ولاية بار يهدد العلاقات الخارجية والتعاون الاستخباراتي، وادّعت أن جهاز الشاباك شهد مؤخرًا انتهاكات لسيادة القانون، بما يشمل اعتقالات دون أدلة وبشكل منحاز، وتدخل مباشر من مكتب رئيس الجهاز، الذي وصفته بأنه “في حالة تضارب مصالح واضحة، ويتخذ قرارات بدوافع شخصية وغير مهنية”.
وجاء في الرسالة أيضًا: “لا بد من التأكيد أن خضوع رئيس الجهاز لسلطة الحكومة ليس مسًّا بالديمقراطية، بل هو تعبير عنها. من لا يخضع لممثلي المواطنين، قد يتصرف دون قيود ضدهم وضد حكومتهم. استمرار ولاية رئيس الشاباك رغم موقف الحكومة يقحم الجهاز في قلب الخلاف السياسي، ويقوض مكانته كجهة مهنية محايدة”.
وترى الحكومة أن المحكمة يجب أن تُقر بعدم وجود أي مبرر للاستمرار في ولاية بار، قائلة: “لا يوجد مبرر لاستمرار فرض ولايته. الوضع القائم يمثل خطرًا يوميًا على أمن الدولة وتعاونها الدولي”.
في المقابل، نقلت “يديعوت أحرونوت” عن مصادر قانونية أن قضاة المحكمة العليا، وعلى الرغم من تأكيدهم أن للحكومة صلاحية قانونية لإقالة رئيس الشاباك، يفضّلون عدم البت في هذه الأزمة، ويميلون إلى الدفع نحو تسوية، لتجنّب إصدار قرار قد يُعتبر تدخلًا في واحدة من أكثر الأزمات حساسية بين الحكومة وجهاز أمني، وذلك في ظل تشكيك وزير القضاء، ياريف ليفين، بشرعية المحكمة ورئيسها، يتسحاق عَميت.
وبينما تُصرّ الحكومة ونتنياهو على أن لرئيس الحكومة الحق المطلق في إقالة من لا يحظى بثقته، ترى المستشارة القضائية أن هذا المعيار غير كافٍ، وتحذر من المساس باستقلالية المسؤولين المهنيين، خصوصًا في الأجهزة الأمنية، مؤكدة أن “عدم القبول الشخصي” لا يُعد سببًا قانونيًا مشروعًا للإقالة.
ووفقا للتقرير، فإن من بين النقاط التي تعرقل التوصل إلى تسوية، تضارب المصالح الذي يعاني منه نتنياهو ذاته، بحسب المستشارة القضائية. وفي سياق الجلسة السابقة، طرحت القاضية دافنا باراك-إيريز اقتراحًا يقضي بتمكين بار من إنهاء التحقيق مع المقربين من نتنياهو أولًا، ثم مناقشة مسألة استمراره في المنصب. غير أن ممثل الحكومة عارض ذلك بشدة.
ورغم تأكيد القضاة على صلاحية الحكومة في الإقالة، أوصوا بأن يتم الأمر وفق معايير إدارية سليمة. إذ اقترح القاضي نوعام سولبرغ “تصحيح” الإجراء، من خلال تقديم أسباب للإقالة أمام بار في جلسة رسمية، ومنحه فرصة للرد، قبل اتخاذ القرار النهائي، وإذا أُقرّت الإقالة فعليها المرور عبر لجنة تقييم التعيينات في المناصب الرفيعة.
وفي ظل عدم تعامل اللجنة سابقًا مع قضايا إقالة، فإن عليها بلورة مسار قانوني خاص، يشمل فحص المستندات والتصريحات، ومن ثم تمكين بار من تقديم ردوده. ووفق خبراء قانونيين، فإن “جميع هذه الإجراءات ستستغرق وقتًا طويلًا”، ما يتعارض مع نية الحكومة تسريع المسار قبيل تقديم إفادة بار.