مقالة خاصة: من إعداد القهوة إلى إجراء عمليات جراحية… الروبوتات الذكية تضخ زخما جديدا بمختلف القطاعات في الصين

 ​   

بكين 24 سبتمبر 2024 (شينخوا) “هل يمكنك إلقاء قصيدة تحبها؟” سؤال طرحه شخص على روبوت محاكٍ للإنسان.

وما كان من هذا الروبوت إلا أن قام بإلقاء قصيدة صينية قديمة كتبها الشاعر الشهير لي باي في عهد أسرة تانغ الإمبراطورية (618-907).

لم يجر هذا الحوار بين الإنسان والروبوت في فيلم خيال علمي، بل جرى خلال فعاليات المؤتمر العالمي للروبوتات 2024، التي عقدت مؤخرا في بكين.

وتعتبر الروبوتات مجالا مهما للتكامل العميق بين الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الحقيقي. وقد أصبحت الصين قوة هامة في صناعة الروبوتات حول العالم. ويمكن لصناعة الروبوتات أن تضخ زخما جديدا لمختلف القطاعات من خلال دفع تطبيق “الروبوتات+”.

وقالت شيوي شياو لان، رئيسة المعهد الصيني للإلكترونيات، إن الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تظهر كفاءتها بشكل ملحوظ حاليا، ومن خلال الاستكشاف الكامل لاحتياجات تطبيقها في مجالات مثل الصناعة والزراعة والخدمات والقطاعات الخاصة والخدمات المنزلية، فإنها يمكنها دفع الاستهلاك الجديد وتشجيع نشوء صناعات جديدة وإضافة فرص عمل جديدة، لتشكيل القوى الإنتاجية الجديدة.

— الصين في صدارة العالم بمجال تطبيق الروبوتات الصناعية

تتسارع وتيرة تنمية صناعة الروبوتات في الصين ويتوسع حجمها باستمرار. وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات أن البلاد تمتلك أكثر من 190 ألف براءة اختراع صالحة ذات صلة بالروبوتات حتى يوليو الماضي، ما يعادل حوالي ثلثي الإجمالي العالمي، فيما أصبحت الصين أكبر سوق في العالم للروبوتات الصناعية على مدار 11 سنة على التوالي، حيث مثلت القدرة المركبة الجديدة خلال الثلاث سنوات الأخيرة أكثر من النصف على مستوى العالم، وبلغت كثافة الروبوتات في قطاع الصناعات التحويلية 470 روبوتا لكل 10 آلاف عامل، بزيادة تقارب 19 مرة خلال 10 سنوات.

وأشارت البيانات إلى أن الصين حققت تطبيقات واسعة النطاق للروبوتات الخدمية في مجالات مثل الخدمات المنزلية وخدمات الرعاية الصحية، بينما تضطلع الروبوتات الخاصة بدور كبير في الاستكشاف الجوي والبحري والإنقاذ في حالات الطوارئ وغيرها من المجالات.

وقالت الوزارة إن إيرادات صناعة الروبوتات في الصين ازدادت بنسبة 15 بالمائة سنويا في المتوسط.

ومن جانب آخر، أظهرت بيانات واردة من الاتحاد الدولي للروبوتات أن عدد تطبيقات الروبوتات الصناعية في الصين شكل 26 بالمائة من الإجمالي في العالم خلال عام 2014 وازدادت هذه النسبة إلى 53 بالمائة في عام 2022.

ومن حيث كثافة الروبوتات لكل 10 آلاف عامل في دولة واحدة، احتلت كوريا الجنوبية المرتبة الأولى في العالم، تلتها سنغافورة وألمانيا واليابان والصين. وقالت مارينا بيل، رئيسة الاتحاد، “أرى أنه في عام 2023 أو خلال العام الجاري، ستواصل الصين النمو في هذه الكثافة ومن المحتمل أن تدخل ضمن المراكز الثلاثة الأولى”.

واستخدمت الصين الروبوتات الصناعية في مجالات كثيرة. وفي مجال تصنيع السيارات، أصبحت الروبوتات “عمالا مهرة” على خط إنتاج السيارات وقطع غيارها، حيث يمكنها العمل بطريقة منظمة في العملية الكاملة للحام الكهربائي ولحام القوس والطلاء وما إلى ذلك. وفي المجال الالكتروني والكهربائي، يمكن للروبوتات التي تتميز بسرعة فائقة ودقة عالية إنتاج وتجميع المنتجات الالكترونية مثل الهواتف المحمولة والأجهزة الكهربائية المنزلية وأجهزة الكمبيوتر. وفي مجال الخدمات اللوجستية، تستطيع الروبوتات نقل البضائع وفرزها وتحقيق أتمتة التخزين.

وإلى جانب ذلك، تقوم شركة أورويكا المحدودة لهندسة المعلومات الدقيقة، وهي شركة صينية تختص أعمالها الرئيسية بمجال المناجم الذكية، بتطوير روبوتات لفحص المناجم، فيما تنتج شركة شنتشن سونوين المحدودة، وهي مزود رائد لمنتجات وحلول الذكاء الاصطناعي بالصين، مجموعة متنوعة من روبوتات الفحص الصناعي وتطور بشكل مستقل منصة تشغيل وصيانة الفحص التي يمكن استخدامها في سيناريوهات التطبيقات الصناعية المختلفة والتي يمكن أن تلغي الحاجة إلى مهام الفحص اليدوي.

— توسع سيناريوهات تطبيق الروبوتات في الصين

إلى جانب القطاع الصناعي، تدخل الروبوتات بشكل تدريجي حياة الإنسان على نطاق أوسع، حيث بات بإمكانها إعداد القهوة وقطف الفواكه والكتابة والرسم ولعب تنس الطاولة…

وقال شين قوه بين، نائب وزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصيني، إنه خلال السنوات الأخيرة، أصبحت الصين قوة هامة في ابتكار تكنولوجيات الروبوتات وتوسيع التطبيقات وحوكمة الصناعة في العالم.

وخلال فعاليات المؤتمر العالمي للروبوتات 2024، قامت شركة بكين بايهوي ويكانغ المحدودة للتكنولوجيا، وهي شركة متخصصة في مجال الروبوتات الطبية تأسست عام 2010، بعرض “ريميبوت”، وهو روبوت طبي لجراحة الأعصاب طورته بشكل مستقل. ويتكون الروبوت من ثلاثة أجزاء: “الدماغ” (نظام التخطيط الجراحي الذكي) و”العين” (منصة تتبع وتحديد المواقع متعددة الأطياف) و”اليد” (الذراع الآلية)، حيث يمكنه مساعدة الأطباء على إجراء الجراحة بكفاءة ودقة.

وقال يوان شيوي جيون، مدير مركز التشغيل بالشركة، إن جراحة الأعصاب تتطلب مستوى عاليا جدا من الدقة ومن اللازم التحكم في الانحرافات بإحكام، مشيرا إلى أنه استنادا إلى نظام التخطيط الجراحي الذكي القائم على أساس تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يمكن لهذا الروبوت دمج وتقسيم الصور متعددة الوسائط تلقائيا مثل التصوير المقطعي، وإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للهياكل التشريحية للجمجمة والقشرة الدماغية والورم الدموي وورم المخ لتسهيل تحديد مواقع التلف والاعتلال.

وتابع أنه يمكن لمنصة تتبع وتحديد المواقع متعددة الأطياف القيام بمهمة التنقل في الوقت الفعلي أثناء العملية لتوجيه الطبيب لإكمال العملية بطريقة دقيقة. ويمكن تثبيت أنواع عديدة من الأدوات الجراحية طفيفة التوغل في الأطراف النهائية للذراع الآلية لتغطي مجموعة متنوعة من السيناريوهات السريرية لجراحة الأعصاب مثل النزيف الدماغي والصرع والأورام داخل الجمجمة، مع دقة لتحديد المواقع في حدود 0.5 مليمتر.

وحصل “ريميبوت” لجراحة الأعصاب على موافقة دخول السوق من قبل الهيئة الوطنية للمنتجات الطبية في إبريل عام 2018، ليصبح الأول من نوعه الذي يحصل هذه الموافقة في الصين. وحتى الآن، أجرى هذا الروبوت أكثر من 40 ألف جراحة للأعصاب.

وخلال مارس الماضي، توجه “ريميبوت” من طراز “آر إم-200” إلى كازاخستان لمساعدة الأطباء على إجراء جراحات الأعصاب هناك، لتكون هذه هي أول مرة يعمل فيها روبوت صيني الصنع لجراحة الأعصاب في خارج الصين.

وقال يوان إن الروبوت ساعد الأطباء على زرع أكثر من عشرة أقطاب كهربائية في دماغ مريض مصاب بالصرع بنجاح في غضون ساعة واحدة و20 دقيقة فقط، مضيفا أن هذه العملية تحتاج إلى ساعتين أو ثلاث ساعات على الأقل بالأسلوب التقليدي.

وقالت مارينا بيل إنه من الإنتاج الصناعي إلى الرعاية الطبية، ومن الخدمات المنزلية إلى الإنقاذ في حالات الطوارئ، أصبحت الروبوتات جزءا لا يتجزأ من المجتمع البشري، لافتة إلى أن سوق الروبوتات العالمية تواصل نموها القوي، حيث بلغ إجمالي عدد الروبوتات في العالم أكثر من أربعة ملايين خلال عام 2023.

وتابعت أن هذا الرقم ليس فقط دليلا قويا على التنمية السريعة لتكنولوجيا الروبوتات، بل أنه يبشر بعصر جديد ذكي، مضيفة أن التكامل العميق بين الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتكنولوجيا الجيل الخامس سيمنح الروبوتات ذكاء ومرونة وكفاءة أكبر.

— الروبوتات المحاكية للإنسان تطلق عصرا جديدا للروبوتات

في بداية العام الجاري، أصدرت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات ووزارة العلوم والتكنولوجيا وخمس هيئات أخرى بشكل مشترك، وثيقة بشأن تعزيز التنمية المدفوعة بالابتكار لصناعات المستقبل بالصين، مؤكدة على ضرورة تطوير منتجات أيقونية وتعزيز مستقبل المعدات الراقية، وعلى رأسها الروبوتات المحاكية للإنسان.

وشهد عام 2024 نموا متسارعا في مجال الروبوتات المحاكية للإنسان. وفي فعاليات المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي 2024 التي عقدت في بلدية شانغهاي بشرقي الصين، تم عرض 25 طرازا من الروبوتات المحاكية للإنسان. وفي فعاليات المؤتمر العالمي للروبوتات 2024، تم عرض 27 طرازا من هذه الروبوتات، ما يعد رقما قياسيا منذ إطلاقه في عام 2015.

وخلال مراسم افتتاح المؤتمر العالمي للروبوتات 2024، ظهر الروبوت “تيان قونغ 1.2 ماكس” لأول مرة علنا. وحمل الروبوت، الذي يبلغ طوله 173 سنتيمترا ووزنه 60 كيلوغراما، شعار المؤتمر بيديه ومشى إلى وسط المسرح بشكل مستقل ووضع الشعار بدقة على منصة إطلاق الفعاليات. وأظهرت هذه السلسلة من أفعاله قدرته على السيطرة الدقيقة على الحركة وتحديد المواقع بصورة دقيقة واتخاذ القرارات بشكل مرن ومستقل.

وبالاضافة إلى ذلك، عرضت روبوتات أخرى من سلسلة “تيان قونغ” قدرة المرور على التضاريس المعقدة المختلفة وقدرتها على الركض، وحتى الركض على جهاز المشي.

وقال متخصصون في مجال الروبوتات إن الركض المستقر الذي تحققه الروبوتات المحاكية للإنسان يحتاج إلى أداء حركات معقدة بدرجة عالية من الحرية مع الحفاظ على توازن الجسم، مضيفين أن من الأصعب بالنسبة لها تحقيق الركض المستقر على جهاز المشي إذ أنها تحتاج إلى ضبط السرعة في الوقت الفعلي للتكيف مع سرعة جهاز المشي في الوقت الذي تحافظ فيه على توازن الجسم وتنسيقه، الأمر الذي يطرح متطلبات عالية للغاية لقدرة الروبوتات على الإدراك وصنع القرارات والسيطرة على الحركة.

كما يمكن للروبوتات من سلسلة “تيان قونغ” محاكاة حركات جسم الإنسان وتستطيع الرقص والانحناء وتقديم التحية.

أما في فعاليات المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي 2024، فظهر الروبوت “قوانغ هوا رقم 1″، الذي يبلغ طوله 165 سنتيمترا ووزنه 62 كيلوغراما، وهو روبوت آخر محاكٍ للإنسان تم تصميمه لتطبيقه في سيناريوهات رعاية المسنين والتمريض. ولا يمكنه مساعدة كبار السن على المشي فحسب، بل يمكنه أيضا فهم سلوكيات الإنسان العاطفية والاستجابة لها.

واستشرافا للمستقبل، يرى خبراء أن الروبوتات المحاكية للإنسان تتسم بالذكاء وتستطيع استخدام الأدوات بسلاسة وأنها ستغير نمط الإنتاج والحياة للبشرية وستقود المجتمعات إلى التوجه نحو مرحلة جديدة من التنمية الذكية.

وأظهرت بيانات صادرة عن المركز الصيني لتطوير صناعة المعلومات، وهو مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، أن صناعة الروبوتات المحاكية للإنسان ستواصل النمو السريع خلال عامي 2024 و2025، فيما سيتجاوز حجم هذه الصناعة 20 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي حوالي 7.05 يوان) في عام 2026.

وبدوره، قال شين قوه بين إن التكامل والابتكار في التكنولوجيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي يدفعان باتجاه حدوث تغيرات جوهرية في تكنولوجيا الروبوتات ومنتجاتها وتسريع إعادة تشكيل سلسلة الصناعة.

وأضاف أن الصين ستعزز البحث الأساسي المتعلق بالروبوتات وحل المشكلات المستعصية في التكنولوجيات الحاسمة وتنفيذ خطة “الروبوتات+” على نحو معمق، بهدف تمكين الروبوتات من تقديم زخم جديد لمختلف القطاعات، ودفع توسيع نطاق تطبيق الروبوتات وتعميقه بشكل أكبر.

  

المحتوى ذو الصلة