[[{“value”:”
بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام
أصدر مركز الزيتونة للدراسات للدراسات والاستشارات مادة الجزء السابع من سلسلة “إضاءات سياسية” بعنوان: “محددات السياسة الإيرانية تجاه معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة”، من إعداد الأستاذ عاطف الجولاني.
ورجحت الورقة أن تواصل إيران خلال الفترة القادمة إدارة مقاربة دقيقة ومتوازنة تجاه معركة طوفان الأقصى والقضية الفلسطينية، تعزّز من خلالها دعمها للمقاومة الفلسطينية، وحضورها في المنطقة، وتحافظ على زخم الانفتاح في علاقاتها الإقليمية. كما يُرجّح أن تسعى لتجاوز التوتر الطارئ في علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الغربية.
وفيما يلي نص الورقة:
إعداد: أ. عاطف الجولاني
(خاص بمركز الزيتونة)
فوجئت إيران، كغيرها من الأطراف، بهجوم حركة حماس في 7/10/2023 على غلاف قطاع غزة، والذي جاء في توقيت دقيق وحساس بالنسبة لإيران، التي كانت قد وقّعت قبل ذلك بشهرين اتفاقاً لتبادل السجناء مع الولايات المتحدة، سمح لها بالوصول إلى 6 مليارات دولار من عوائدها النفطية المجمّدة في كوريا الجنوبية. كما جاء الهجوم في ظروف توجّهٍ إيراني لتجاوز التوتر في العلاقات الإقليمية، ومَثَّل الاتفاق مع السعودية في 10/3/2024 مؤشره الأقوى ومحطته الأهم. وترصد هذه الإضاءة تفاعل إيران مع معركة طوفان الأقصى، وتقف على محددات موقفها وسلوكها العملي.
أولاً: محددات الموقف الإيراني:
وقفت إيران بشكل عام إلى جانب المقاومة منذ بداية الحرب؛ غير أن الإعلان عن موقفها من معركة طوفان الأقصى اتَّسم بمراعاة الحسابات الدقيقة والتوازنات المعقدة، سعياً للحفاظ على المكتسبات وتعزيزها، وتجنّب الارتدادات والتداعيات السلبية المحتملة. ومن أهم المحددات والعوامل التي أثّرت في تفاعل الموقف الإيراني مع معركة طوفان الأقصى:
تأكيد مركزية فلسطين في السياسة الخارجية الإيرانية، وخصوصاً فيما يتعلق بدعم المقاومة الفلسطينية، ورفض الاعتراف بالكيان الإسرائيلي.
المحدِّد الجيو–سياسي ورغبة إيران في تعزيز حضورها ونفوذها الإقليمي كقوة مركزية في المنطقة، وبالحفاظ على ما حققته من مكتسبات مهمة خلال السنوات السابقة.
الرغبة بالحفاظ على علاقات إيران الاستراتيجية مع القوى والحركات المحسوبة عليها أو المقربة منها في المنطقة، وخصوصاً تلك القوى المنتمية لخط المقاومة؛ والمحافظة على قوة ومكانة تلك الحركات، وضمان عدم خروجها من معادلة التأثير الإقليمي.
الرغبة بالحفاظ على منظومة الردع الإيراني وتعزيزها على المستوى الإقليمي، خصوصاً في إدارة العلاقة مع الكيان الصهيوني، والسعي لمراكمة القوة لكونها مصلحة إيرانية استراتيجية.
الحرص على تجنّب التَّورّط في حرب إقليمية واسعة، أو بمواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة التي سارعت لإرسال بوارجها الحربية إلى المنطقة، في رسالة واضحة لردع إيران عن الانخراط المباشر في المواجهة.
الصعوبات التي تواجه الاقتصاد الإيراني في ظلّ استمرار العقوبات الدولية، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة الإيرانية.
الأولويات الإيرانية المرحلية بخفض التصعيد مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومواصلة الانفتاح على الأطراف الإقليمية المؤثرة.
ثانياً: ملامح الموقف الإيراني:
من أبرز ملامح الموقف الإيراني من معركة طوفان الأقصى:
حرصت إيران منذ اللحظات الأولى على نفي صلتها بهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الذي نفذته حماس، وأكّدت أنه قرار فلسطيني مستقل اتخذته المقاومة الفلسطينية ضمن تقديراتها وحساباتها الذاتية. وجاء النفي الإيراني على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي وأكّدته البعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة. وقد وجد النفي الإيراني صدىً لدى الجانب الأمريكي، حيث أكّد الرئيس الأمريكي جو بايدن في 15/10/2023 أنه لا يوجد دليل واضح على وقوف إيران وراء هجوم حركة حماس.
قدّمت القيادة الإيرانية بكافة هيئاتها (المرشد ورئاسة الجمهورية والحكومة، والجيش والحرس الثوري، والهيئات التشريعية ووسائل الإعلام…) دعماً سياسياً قوياً للمقاومة، واستقبلت وفود قيادية من حماس وقوى المقاومة، كان من بينها زيارتان لإسماعيل هنية رئيس حركة حماس، وتبنّت المقاومة وخياراتها والدفاع عنها في المحافل الإقليمية والدولية.
واصلت إيران دعمها العسكري والمالي للمقاومة في ضوء سياستها العامة المستمرة منذ سنوات عديدة؛ وإن لم تكن هناك معطيات واضحة حول حجم هذا الدفع وكيفية إيصاله.
بالرغم من نفي مشاركتها في هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فقد أشادت إيران بالهجوم وأكّدت دعمها للمقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى، ووقوفها إلى جانبها في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأعلنت تأييدها للخيارات السياسية والميدانية التي تتخذها المقاومة الفلسطينية في إدارة المعركة.
أظهرت إيران منذ بداية المعركة رغبة واضحة في إنهائها، وبالتوصل لوقف إطلاق نار دائم في أسرع وقت ممكن، وبذلت الديبلوماسية الإيرانية بقيادة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان جهوداً حثيثة لتحقيق ذلك.
بالرغم من حرصها على تجنّب الانخراط الميداني المباشر في المعركة، والحيلولة دون انزلاق المواجهة لحرب إقليمية واسعة، فقد شجّعت إيران القوى الحليفة والمقرّبة منها في لبنان واليمن والعراق على المشاركة المباشرة في المواجهة وإسناد المقاومة الفلسطينية، وفق ظروف كل ساحة ومعطياتها. وكان واضحاً أن إيران لعبت دوراً مهمّاً وغير معلن في التنسيق بين الساحات المختلفة المشاركة في المواجهة.
حين وجدت إيران نفسها مضطرة للردّ على الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها بدمشق في 1/4/2024، تعاملت بحذر شديد وحسابات دقيقة، وحرصت على أن يوجّه ردها العسكري في 13/4/2024، رسالة ردع قوية للجانب الإسرائيلي، دون أن يُدخلها ذلك في مواجهة واسعة وممتدة. وتعمدت إيران الإعلان المسبق عن الرد (بما مكَّن “إسرائيل” وحلفاءها من الاستعداد قبل وقتٍ كافٍ للتعامل مع الصواريخ والطائرات المسيرة التي تمّ إطلاقها)، وتعمدت إيران ضرب أهداف عسكرية فقط، كما لم تكشف عن أي أسلحة استراتيجية جديدة. وقد تمّ إطلاق 185 طائرة مُسيَّرة، و110 صواريخ أرض – أرض، و36 صاروخ كروز بحسب صحيفة النيويورك تايمز نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين. وبغض النظر عن دقة الأرقام، فإن الرد كان كبيراً وواسعاً، وشكّل نوعاً من استعراض القوة، والتعزيز لمكانة إيران الإقليمية في المنطقة؛ ولم يكن معنياً بإيقاع خسائر كبيرة بقدر ما كان معنياً بتثبيت معادلة الردع. وحين ردّ الجانب الإسرائيلي في 19/4/2024 بشكل محدود جداً على الهجوم الإيراني، واستهدف بعض المواقع الإيرانية دون إعلان رسمي، حرصت إيران على احتواء الأزمة وتجنّب المزيد من التصعيد.
على صعيد التفاعل الشعبي شهد الشارع الإيراني حراكاً جماهيرياً واسعاً لدعم المقاومة والفلسطينيين في قطاع غزة، مماثلاً لحالة التعاطف الشعبي المتواصلة في العالم العربي والإسلامي.
ثالثاً: التداعيات والتوقعات:
كان لموقف إيران من معركة طوفان الأقصى العديد من التداعيات، من أهمها:
عاد التوتر النسبي في العلاقات الإيرانية الغربية، حيث صوّت مجلس النواب الأمريكي في 30/11/2023 لصالح إعادة تجميد الـ 6 مليارات دولار التي كان قد رُفع الحظر عنها في 10/8/2023 ونُقلت إلى المصارف القطرية قبل أن يتم استخدامها من إيران. وفي أعقاب الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني في 13/4/2024، فرضت الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية عقوبات جديدة على إيران.
تأثرت صورة إيران ومكانتها بصورة سلبية على خلفية مواقفها المتحفِّظة والحذرة في بداية المعركة، لأنها جاءت دون توقعات القوى الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية، في ضوء ما كانت تسمعه من تصريحات ومواقف خلال السنوات الماضية؛ ورأت فيها أوساط شعبية أداءً دون المأمول في لحظة صعبة تحتاج فيها دعماً وإسناداً يتجاوز التأييد السياسي والإعلامي. غير أن صورة إيران ومكانتها شهدت تحسناً ملحوظاً بعد الدور المهم الذي لعبه حزب الله على الجبهة الشمالية طيلة شهور المواجهة؛ وبعد تصاعد دور جماعة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر وبحر العرب ضدّ الملاحة الإسرائيلية، وضدّ السفن الذاهبة للموانىء الإسرائيلية؛ وكذلك بعد مشاركة المقاومة العراقية. وأظهر استطلاع لرأي النخبة الأردنية أُجري أواخر شهر آذار/ مارس 2024 أن صورة إيران ومكانتها في العالم العربي زادت إيجاباً بنسبة 42% نتيجة موقفها من العدوان على قطاع غزة. فيما قال 45% من المستطلعين إن موقف إيران وحلفائها أسهم في تراجع حالة الاستقطاب الطائفي في المنطقة.
تمكنت إيران من تجاوز التحدي الذي واجهها في بداية المعركة في ترجمة شعار وحدة الساحات والجبهات بين أطراف ما يُعرف بمحور المقاومة. حيث شكّلت المشاركة المتطوّرة للقوى المتحالفة معها في المواجهة، خطوة عملية قابلة للتطوّر في ترجمة شعار وحدة الساحات والجبهات.
أدت الحرب إلى اهتزاز المكانة الاستراتيجية لـ”إسرائيل” في المنطقة، وضرب صورتها كشرطي للمنطقة وقلعة متقدمة للنفوذ الغربي، وأدت إلى تعطيل مسار التطبيع، وإلى مزيد من تصاعد القوة والدعم الشعبي العربي والإسلامي والعالمي لحماس وقوى المقاومة؛ وهو ما يُعزّز الخط السياسي الإيراني، خصوصاً مع حالة الخذلان والضعف الرسمي العربي تجاه المقاومة وتجاه العدوان الصهيوني الوحشي على غزة.
وعلى صعيد التوقعات يُرجَّح أن تواصل إيران خلال الفترة القادمة إدارة مقاربة دقيقة ومتوازنة تجاه معركة طوفان الأقصى والقضية الفلسطينية، تعزّز من خلالها دعمها للمقاومة الفلسطينية، وحضورها في المنطقة، وتحافظ على زخم الانفتاح في علاقاتها الإقليمية. كما يُرجّح أن تسعى لتجاوز التوتر الطارئ في علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الغربية.
إضاءات سياسية (7): محددات السياسة الإيرانية تجاه معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة
“}]]