[[{“value”:”
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام
على رغم من أن العدوان على غزة كان العنوان الأبرز للعام المنصرم، نظرًا لما شهده من حرب إسرائيلية بربرية لم يعرف التاريخ الحديث لها مثيلاً، إلا أن الحقيقة لم تتغير في أن الهدف الأكبر لدى كيان الاحتلال هو الضفة الغربية، كونها تمثل عمقه الاستراتيجي ومخططه التوسعي وقوامه الاقتصادي، وهو الهدف الذي لم يخف على الشعب الفلسطيني ومقاومته في كامل الأراضي الفلسطينية وفي خارجها أيضًا، بل إن أحد الأهداف الكبرى التي أشعلت طوفان الأقصى وخططت لأجلها المقاومة، هو منع الاحتلال من تنفيذ مخططاته بالضفة الغربية.
تمكّن الاحتلال خلال العقود الماضية من محاصرة فصائل المقاومة في الضفة الغربية لتسهيل تنفيذ مخططه فيها، واستعان على ذلك بالحملات الأمنية المكثفة والاعتقالات المتكررة وإقامة الحواجز العسكرية في كافة المحاور، وتخصيص طرق التفافية للمستوطنين تقوم بدورها بحمايتهم من أي عمليات يمكن أن تنفذها المقاومة، بالإضافة إلى التنسيق الأمني الكامل بين أجهزته الأمنية وبين الأجهزة التابعة للسلطة في الضفة.
وفي العام 2002 نفذت حكومة الاحتلال كبرى عملياتها في الضفة الغربية، وهي عملية “السور الواقي”؛ حيث اقتحمت خلالها كل المدن الفلسطينية في الضفة، وحاصرت الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقر إقامته حتى وفاته، وقامت بعدوان همجي واعتقالات واسعة راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات المعتقلين، وكان الهدف هو منع العمليات الاستشهادية في الضفة الغربية، بعد أن قام البطل عبد الباسط عودة، بعملية استشهادية داخل فندق بارك في نتانيا غرب طولكرم، وقد أدى هذا التفجير إلى مقتل حوالي 30 إسرائيليًّا وإصابة 146 آخرين تزامنًا مع عيد الفصح اليهودي.
حصار المقاومة
بهذا الحصار لمدن الضفة وما فيها من مقاومة تمكّن الاحتلال من كبح التوسع في تطوير أداء المقاومة في الضفة الغربية، لكنه لم يستطع منعها؛ إذ شهد العقدان الماضيان عمليات لا حصر لها أبقت جذوة المقاومة مشتعلة وإن كانت بوتيرة أضعف من السابق، وكان أبرزها انتفاضة السكاكين التي اندلعت في أكتوبر عام 2015 واستمرت نحو عام ونصف، شهدت مدن الضفة خلالها عشرات العمليات من قبل أفراد لم تكن عملياتهم منطلقة من تخطيط تنظيمي، وهذا ما أرهق الجانب الإسرائيلي في التعامل مع تلك الموجة الهادرة.
عمد أبطال هذه الانتفاضة إلى استهداف أفراد الجيش الإسرائيلي على الحواجز التي تفصل بين مدن الضفة الغربية وقراها، وكذلك استهداف المستوطنين الإسرائيليين، إما داخل القدس أو على ما يعرف بالخطوط والشوارع السريعة الخارجية القريبة من المستوطنات وأماكن تمركز المستوطنين، واتسمت هذه الموجة باستخدام الشباب الفلسطيني السكاكين كسلاح فعال في تنفيذ عشرات عمليات الطعن، فيما أضيف لها عمليات الدهس.
مخطط إسرائيلي
بالتزامن مع بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، سعت حكومة الاحتلال إلى تنفذ مخططاتها من توسيع استيطاني وإقامة بؤر جديدة في ظل غياب لأي دور دولي في محاسبة الاحتلال على هذه الجرائم، ونشط اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال لفرض واقع جديد في القدس الشريف بمزيد من الاقتحامات المتكررة لجماعات المستوطنين للمسجد الأقصى، حتى بلغ الأمر بأن أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير السعي لإقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى.
ومع اشتداد الوطأة على قطاع غزة بكثرة ووحشية المجازر التي يرتكبها الاحتلال منذ بدايات العدوان، توجهت البوصلة نحو جبهات الإسناد المتعددة، وفي القلب منها الضفة الغربية، لكن الرد في الضفة لم يأت سريعًا إلا في قليل من المواجهات في شمال الضفة، وكان ذلك نتيجة مباشرة للحصار المستمر على المقاومة طيلة أعوام مضت، لكنّها ما لبثت أن استجمعت شتاتها وأعدّت -على مهل- عدّتها لشهور طويلة، إلى أن فاجأت الاحتلال الإسرائيلي مع نهاية الربع الأول للعام الحالي، بتنفيذ سلسلة عمليات منظمة ضد جيوشه في عدد من مدنها وقراها.
تكرار العمليات لم يكن هو الشيء اللافت الوحيد في هذه الهبّة، ولكن نوعية العمليات أيضًا قد اتخذت مسارًا مختلفًا عما سبق حتى في أوج الانتفاضات السابقة؛ حيث شهدت الضفة ولأول عمرة عمليات تفجير عبوات ناسفة في آليات الاحتلال، لا سيما في جنين وطولكرم، وتبنت فصائل المقاومة -وعلى رأسها القسام وسرايا القدس- معظم هذه العمليات، بالإضافة للمواجهات المسلحة التي أفضت إلى عدد من القتلى والإصابات في صفوف الاحتلال.
عمليات لن تهدأ
يقول رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية، أحمد رفيق عوض، إن عمليات الضفة لن تهدأ، معللاً ذلك بكون “الاحتلال الإسرائيلي ينفذ وبصورة متصاعدة عمليات الاقتحام والتنكيل والقتل وتدمير البنية التحتية، ظنًّا أنه قد يصل لنتائج سريعة لوأد الحالة النضالية في الضفة الغربية وضرب الحاضنة المجتمعية”.
ويضيف عوض في حديث سابق لوكالة الأناضول، أن “المقامة لن تتوقف، وهي ليست دومًا بنفس الوتيرة، قد تكون هناك موجات مد وجزر.. والمقاومة في الضفة باتت ذات بنية عسكرية ولو بدائية”، لافتًا إلى أن “المقاومة موجودة أكثر بالأسلحة النارية والعبوات والكمائن البسيطة والمركبة والتصوير.. هذا يشير إلى الإصرار وأن هناك سيطرة وتخطيطا”.
واستدرك عوض: “لا أريد أن أغامر بالقول إن هناك بنية عسكرية بدائية، ولكن واضح أن هناك تطورًا في عمل المقاومة في أدواتها وبنيتها التحتية”.
تطور عملياتي
وحسب رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل، بلال الشوبكي، فإن “ما يحصل في الضفة الغربية من تنامي في الظاهرة (المقاومة) يعود إلى سياسة إسرائيل منذ ما قبل أكتوبر لوأد أي عمل مقاوم، ولكن كل التجارب الإسرائيلية لم تفلح”.
وقال الشوبكي للأناضول إن “استمرار ذات السياسات الإسرائيلية من عمليات تقييد للحريات كالاعتقال، وتقييد التمدد العمراني عبر سيطرة المستوطنين على الأرض، يؤدي إلى اتساع الحالة (المقاومة) وتمددها إلى مناطق أخرى”.
وتابع: “الحالة النضالية لم تعد تقتصر على تمدد جغرافي، وإنما حتى الشكل؛ حيث التطور العملي من عمليات الدهس والطعن في العام 2014 إلى استخدام العبوات والسلاح الناري”، مضيفًا أن “هذا يشير إلى أن هناك إصرارا من هذه المجموعات على تطوير الأدوات في السياق العسكري، وهناك مخاوف إسرائيلية من هذه الظاهرة إذا تنامت وأصبحت غير قابلة للاحتواء ولم تعد مرتبطة بمجموعات عسكرية معرفة كالأجنحة العسكرية، بل تتعدى إلى خلايا خارج تلك الجماعات”، كما أضاف الشوبكي.
وأردف: “بالتالي الجهود السياسة والاقتصادية (الإسرائيلية) التي بُذلت في الضفة الغربية على مدار سنوات، ستكون خسارات لأن الحالة برمتها تكون قد انقلبت رأسًا على عقب”.
عدوان جديد
في نهايات شهر أغسطس/آب الماضي، بدأ الاحتلال في تنفيذ ما أسماه “عملية عسكرية موسعة” شمال الضفة الغربية؛ حيث رأى محللون أن أهداف عدوان الاحتلال على مدن شمال الضفة الغربية تتعلق بجغرافية العملية العسكرية، خاصة فيما يتعلق بدور المقاومة في نابلس وجنين وطولكرم ومخيم الفارعة في طوباس، والذي تخطى التوقعات والقراءات الإسرائيلية، وهو ما شكل حالة إلهامية يمكن أن تمتد من خلالها المقاومة إلى بقية مناطق الضفة الغربية، وتخرج من حالة الدفاع عن المخيمات ضد الاقتحامات الإسرائيلية، إلى حالة تنفيذ عمليات مقاومة في داخل المدن التي تسيطر عليها السلطات الإسرائيلية أو إلى المستوطنات أو الطرق الالتفافية التي يسلكها المستوطنون.
وهذا ما أكده الاحتلال مع بدء تنفيذ عدوانه شمالي الضفة؛ حيث أعلن أن “أهداف هذه العملية تتركز في القضاء على المقاومة في شمال الضفة، في ظل استشعار الجيش والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية لخطورة الوضع الأمني هنالك لا سيما بعد عملية تل أبيب، وكذلك منع الضفة من التحول لجبهة فاعلة تستنزف العدو وتؤثر في مسار نتائج الحرب”.
ورغم استمرار العملية العسكرية بين اقتحامات وانسحابات قرابة شهر مضى، ارتكب فيها الاحتلال جرائم ضد المدنيين وتدمير البنى التحتية كنموذج مصغّر مما أحدثه في قطاع غزة، إلا أن المقاومة كبدته خسائر في صفوف جنوده واستهداف آلياته، في دلالة على أنها لا تنكسر بالضربات الأمنية المتلاحقة لها، بل وتثبت أنها تتنامى وتقوى أكثر كلما استدت عليها الضربات وزادت خلفها الملاحقات، وأن حصارها قد يُضعفها أحيانا لكنها ما تلبث أن تُطلّ برأسها من جديد، ليتأكد العدو الإسرائيلي أن لا أمان له في بلد تحرسه مقاومته.
“}]]