سقطت الحضارة الأخلاقية الغربية إلى غير رجعة في مستنقع عنصريتها وتعصبها الأعمى مع الصهيونية العالمية وكيانها المحتل لفلسطين ، كما سقط الحلم الأمريكي عندما سالت دماء أطفال غزة ودماء نسائها بسلاح الأبادة الجماعية الأمريكي في مواجهة أبناء غزة المحاصرين حتى من شربة ماء ، كما سقطت ديمقراطيتها المزعومة بسبب عدوانها الهمجي على كثير من شعوب العالم الضعيفة ، وما جرى في الحرب على غزة مجرد دليل عابر على الهمجية الأمريكية في أبشع صورها .!
لقد تحركت أمريكا بقوتها الاقتصادية والعسكرية والإعلامية وأدواتها السياسية مستغلة مكانتها العالمية جنبا إلى جنب مع الصـ هـ يـ ونـ ية العالمية دعما للكيان الصـ هـ يـ و ني في فلسطين مؤيدين ومشاركين معه في عدوانه الآثم على أبناء غزة المحاصرين في أرضهم التي يعيشون فيها من الآف السنين ، والسبب أن لا القانون الدولي ولا المؤسسات الدولية ولا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن أستطاعوا أن يضمنوا أمن الشعب الفلسطيني ولا حريته أو تأييد استقلاله ولا تقدم مجلس الأمن لحمايته من جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها من قبل الكيان الصـ هـ يـ وني بتعاون من أمريكا وفرنسا وبريطانيا الأعضاء الدائمين فيه ؛ والذي من واجبهم وفقا لعضويتهم الدائمة رعاية الأمن والسلم الدوليين والتحرك السريع في مواجهة أي مخاطر أو تحد مباشر للقوانين الدولية التي تنظم العلات الدولية بين الأمم وشعوب العالم اثناء السلم وأثناء الحرب .
●ـ وعلى العكس من ذلك فقد رأينا قادة وزعماء أمريكا يتقاطرون إلى فلسطين المحتلة لطمأنة حكومة تل أبيب بأن أمريكا معهم ، وأدلوا بتصريحات حربية غبية مؤكدين فيها أن حرب الكيان الصـ هـ يـ وني هي حرب دفاع عن النفس وأن حرب ” اسرائيل” هي حرب أمريكا ، ثم وضعوا سريعا كل قدرات الجيش الأمريكي وبكل فروعه والمخابرات الأمريكية بكل فروعها أيضا في خدمة الجيش الصـ هـ يـ وني الذين لم يترددوا في المشاركة معهم في الحرب على غزة وقتل وحصار أبنائها العزل بحسب ما تؤكده الكثير من الأدلة ، بحجة أن التدخل الأمريكي المباشر في الحرب هو بهدف تحرير الأسرى الأمريكيين .!
وعندما عجز بلينكن وزير خارجية أمريكا في وصف تطرف وهيجان وإندفاع أمريكا المنحاز ضد غزة لم يجد ما يبرر ذلك غير إعلانه ” أن وجوده في ” تل أبيب ” واجتماعه مع مجلس الحرب الـ صـ هـ يوني كونه “يهودي ابن يهودي” !! ، متجاهلا كليا خطورة الحرب على غزة وشعبها ، وخطورة جر النظام الإقليمي العربي والأمن والسلم الدوليين إلى هاوية حرب عالمية جديدة .
ومع ذلك فقد واصل البيت الأبيض ورئيسه اللامبالاة في السلم والأمن الدوليين من خلال رفضهم وقف العدوان على غزة ومنع حكومة “تل أبيب ” حتى من وقف إطلاق النار باعتبارها حرب شرعية وهي دفاع عن النفس .!
● ـ ورغم إنكار أمريكا تدخلها في الحرب على غزة ، الا أننا نؤكد أن تدخلها المباشر قد كان ملموسا بتحريكها لبوارجها الحربية وغواصاتها النووية وحاملات أساطيلها الجوية إلى منطقة قريبة من فلسطين ، ومد جسور جوية وجسور بحرية تحمل الآت الدمار الحربية الأمريكية الحديثة المتطورة للعدو الـ صـ هـ يـ وني ولم يقتصر الأمر على ذلك بل لقد قامت بتهديد الدول العربية والاسلامية بعدم تقديم أية مساعدة أو مساندة تذكر لأشقائهم في فلسطين بهدف التخفيف عنهم في فك الحصار الصـ هـ يو-صـ لـ يـ بي المفروض عليهم .
وكان الهدف من ذلك هو ترك الأمر للمحتلين الصـ هـ ايـ نة ومرتزقتهم المشاركين في الحرب والمستجلبين من أمريكا وأوروبا لانجاز مهمتهم المتمثلة في الإبادة الجماعية لأبناء غزة من خلال إدارة مذابح بشعة موجهة وممنهجة لاجبارهم على الهجرة القسرية من أرضهم لتحقيق نبؤة تلمودهم كما يزعمون .!
● لقد أثبت العدوان الصـ هـ يوني الأخير على غزة وبمشاركة دولية أنه أخطر عدوان لم يسبق له مثيل في مراحل الصراع العربي الصـ هـ يـ وني منذ أكثر من 100 عام ، وذلك بسبب عدد الدول المشاركة فيه ، وكذلك بسبب الطبيعة الوحشية في شكل الحرب لدرجة أن غزة قد تعرضت لدمار كبير تعادل ما تعرضت له هوريشيما ونجزاكي المدينتين اليابانيتين اللتان تعرضتا لهجوم نووي امريكي عام ١٩٤٥م .
لم تكن أمريكا فقط هي الدولة الوحيدة التي تصرفت بصخب عالي ، فقد كان هناك أيضا بعض دول حلف الناتو مثل فرنسا التي هي الأخرى أسقطت كل ما كانت تدعي من قيم إنسانية ، حيث كانت تتفاخر دائما بين الأمم بأنها تتبنى قيم الحرية للثورة الفرنسية الملهمة التي كانت رمز لثورات شعوب العالم المقهورة في التحرر من الأنظمة المستبدة والاستعباد . غير أن فرنسا هي الأخرى ومن أجل تبرير عدوان الكيان الصـ هـ يـ وني المدلل قد أسقطت تلك الحريات المزعومة وداست على مبادئ حقوق الانسان مرتين ، المرة الأولى عندما تحولت فرنسا إلى دولة استعمارية في القرن التاسع عشر ، والمرة الثانية عندما قدمت دعمها الكامل لحكومة الحرب الصـ هـ يـ ونية حيث سارعت إلى دعم جرائمها ضد الانسانية الموجهة نحو أبناء غزة المدنيين وساهمت بسلاحها المتطور المقدم للعدو الصـ هـ يـ وني في الابادة الجماعية التي تعرض لها أبناء غزة من خلال جرائم التطهير العرقي والتي شاهدها وشهد عليها شعوب العالم بما فيهم حكام النظام الدولي الاستعماري الجديد .
لقد أدعت أمريكا وفرنسا ودول غربية أخرى أنهم حماة الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة في العالم الا أن تلك المفاهيم قد تبخرت أمام غياب العدالة الدولية وقوانينها الدولية التي صممت فقط لتحمي نصف العالم المتمثل بدول الشمال وتعمل على إستخدام تلك المفاهيم التي لا أساس لها على أرض الواقع في السياسة العالمية بهدف إخضاع النصف الآخر من العالم المتمثل بدول الجنوب الذي لا زال حتى يومنا هذا يناضل من أجل الحرية والسيادة والاستقلال من غطرسة الإمبريالية العالمية .
● ــ ولأن أغلب دول الغرب الأوربي والأمريكي قد أتخذوا مواقف متشابهة لذلك لم تتخلف بريطانيا عن هذا الموقف . لقد تركت قيم القانون الدولي وعادت سريعا نحو سياستها الامبريالية الاستعمارية أيضا ، ورأيناها تتذكر تأريخها البغيض عندما وقفت مع العنصرية الصـ هـ يـ ونية العالمية تجاه فلسطين دعما لإحتلالها من خلال ما عرف بوعد بلفور عام ١٩١٧م ، حيث أيدت كافة الإجراءات الصـ هـ يـ ونية الأوربية في فلسطين ومولت الحركة الصهيونية العالمية الأوروبية-الامريكية وعملت على إنشاء دولة “اسرائيل” في فلسطين العربية .
ولأنها كانت الراعية لنشأة دولة الكيان الـ صـ هـ يوني في فلسطين فقد أيدت بشكل قطعي الحرب على غزة واعتبرت أن ” تل أبيب ” لا تهاجم غزة كعدوان وانما هي حرب دفاعية ضد حماس وتماهت مع الجيش الـ صـ هـ يوني بهدف انجاز أكبر عدد من القتل الجماعي والتطهير العرقي والتهجير القسري والتدمير شبه الكامل لغزة وجعلها غير صالحة للحياة حتى يتم السيطرة عليها كليا من قبل جيش العدو الـ صـ هـ يوني ووفقا لمتطلبات الـ صـ هـ يونـ ية العالمية البريطانية-الأمريكية .
ولأن بريطانيا هي التي صنعت هذا الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بالتعاون مع عصبة الأمم اولا ، ومع الأمم المتحدة ثانيا وبدعم ماسوني – صـ هـ يـ ونـ ي عالمي فإن السياسة البريطانية لم تتغير رغم بلوغ الارهاب الصـ هيـ ونـ ي أعلى درجاته من خلال قيامه بجرائم ضد الانسانية التي تعرض لها سكان غزة ، ورغم خطورة تأثير ذلك على السلم والأمن الدوليين الا أن تعاطيها مع حكومة ” تل أبيب ” ظل مؤيدا لقراراتها الحربية الظالمة ضد غزة ولازال موقفها كما هو دون تغيير يذكر .
● ولم تذهب ألمانيا بعيدا عن الدول الكبرى في حلف الناتو بل كانت الأكثر حماسا في اصطفافها المتهور ضد غزة أرضا وانسانا . فهي لم تتردد عن تقديم العون العسكري لتل أبيب ، حيث حلت ضيفا على الكيان الـ صـ هـ يـ وني تمدهم بكل خبراتها العسكرية المتقدمة ، ولا شك أن منها تلك الخبرات التي نفذها الجيش الألماني في ما يسمى بالمحرقة أو الهلكوست قبل واثناء الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩-١٩٤٥م .
لقد أرادت المانيا بذلك أن تنفض غبار العار لممارستها العنصرية وبقيامها بالهلكوست “المحرقة” ضد اليهود من خلال تقديمها اعتذارا ملموسا لهم عن ما بدر منها في أربعينيات القرن الماضي وقد تمثل ذلك الإعتذار بتأييدهم المطلق لكل ما يقومون به من محرقة القرن الواحد والعشرين الجديدة ضد غزة وابنائها .
● ولم يتوقف الأمر عند حدود الدول المذكورة بل أن هناك دول أوروبية أخرى ومن حلف الناتو وحلفاء أمريكا والدول الغربية في أوروبا وبعض دول شرق أوروبا ومن آسيا واستراليا وافريقيا ودول امريكا الشمالية وبعض دول أمريكا الجنوبية .
● إننا نقف أمام حرباً عالمية على غزة بكل ما تعنيه الكلمة ، عُطلت فيها عن عمد المنظمات الدولية وغابت عن دورها مثل الأمم المتحدة التي وقفت عاجزة تماما امام الولايات المتحدة وحُولت بعضها لتصب في صالح المستفيد من الحرب على غزة ، مثل الاتحاد الأوربي الذي تعددت مناقشاته الداعمة للكيان الـ صـ هـ يـ وني بينما اُصيبت المنظمات والاتحادات العربية والاسلامية واعضائها بالشلل هي الأخرى ووقفت عاجزة تماما عن اتخاذ أي موقف يذكر في تقديم يد العون لغزة وسكانها وكأن الحياة قد توقفت عند حدود كل منها .!
ونتيجة لذلك أدركت الشعوب العربية والاسلامية ولأول مرة أن سلاحها وجيوشها ومخابراتها وأمنها لم يتم إعدادها أبدا لمواجهة أعدائها ، وإنما تم إعدادها وتأهيلها لقمعها أو لتوجيه سلاحها ضد بعضها البعض .
كما غابت عن الأحداث تلك المحافل الدولية ، رغم أن قراراتها لا تقدم ولا تؤخر ، الا اذا كانت موجهة ضد العرب .
ورغم مشاهدة العالم محرقة “هولوكوست” القرن الواحد والعشرين الـ صـ هـ يونـ ية ضد سكان غزة المدنيين ، الا أن حالة من الإحباط قد أصابت الجميع ففي الوقت التي كانت ترتكب المذابح بحق الشعب الفلسطيني وتهدم مدينتهم على مدار الدقائق والليالي والأيام كانت الجسور متواصلة مع ” تل أبيب ” وكانت مطاراتها وموانئها تستقبل بشكل مستمر كل انواع أسلحة الدمار والذخائر وبشكل يومي غير منقطع من دول ظلت تزعم أكثر من قرن بأنها تمتلك ما لا يمتلكه غيرها من القيم الانسانية وانها تفتخر بالقانون الدولي الإنساني الذي يحمي حقوق الانسان والأعيان المدنية وحقوق المرأة وحقوق الطفل ، بينما عجز العالم كله عن تقديم شربة ماء او حبة دواء لذلك الطفل ولتلك المرأة ولذلك الانسان التي شغلنا بها من يعتقدون أنهم أساتذة العالم في الرحمة والحنان .!!
لقد سقط النظام الدولي الاستعماري الجديد الذي تكون في بداية تسعينيات القرن الماضي في غزة ويتم دفنه مع شهدائها من النساء والأطفال والمدنيين ، وقد عرف العالم اليوم خطورة النظام الدولي الذي تعيش فيه البشرية حيث اصبح أمنها واستقرارها وازدهارها وبقائها وسلمها مهدد بنظام دولي عمود بقائه : من لم يكون معي فهو ضدي !
ان النظام الدولي اليوم يحتاج إلى حركة انسانية عالمية رسمية وشعبية تعيد فيه كتابة التأريخ من جديد تعيد له التوازن المطلوب حتى لا تفاجأ البشرية يوما بحرب عالمية نووية وهيدروجينية يصنعها :- هتلر جديد خاصة وأن العالم كله قد تأكد له ان بعض الصهاينة في حكومة تل ابيب قد طالبوا بضرب قنبلة نووية على غزة .
* أستاذ العلاقات الدولية بجامعة صنعاء عضو مجلس النواب.