قرارات مجلس الامن الاخيرة مؤشر نحو شرق أوسط جديد…بقلم اللواء سمير عباهره

 ​   

بقلم: اللواء سمير عباهرة

ولادة عسيرة لقرار مجلس الامن الدولي بوقف اطلاق النار للحرب الجارية في غزه بعد ان فشل مرات عديدة في اصدار مثل هذا القرار لكنه نجح اخيرا في اصدار قراره الاول الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان على أن يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار ويطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن. صدر القرار بموافقة اربعة عشر عضوا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت بعدما عطلت محاولات سابقة لإصدار قرار بوقف القتال عبر اللجوء الى حق النقض(الفيتو)

وفي الوقت الذي لاقى به القرار ترحيبا دوليا الا ان ردود الفعل التي صدرت عن طرفي الصراع هي التي تأتي في دائرة الاهتمامات الدولية فقد رحبت حماس بهذا القرار وأبدت استعداداتها للالتزام بمضمونه وإجراء عملية التبادل إلا ان اسرائيل استهجنت هذا القرار الذي اثار ردود فعل غاضبة لعدم استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد النص الجديد الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار دون شرط إطلاق سراح المختطفين هذا وقام نتنياهو بإلغاء زيارة الوفد الاسرائيلي إلى واشنطن لبحث الهجوم المزمع على رفح في الوقت الذي تعالت فيه اصوات اليمين الاسرائيلي برفضهم للقرار والدعوة الى زيادة التصعيد ومواصلة القتال.
اسرائيل شنت هجوما لاذعا على الولايات المتحدة واتهمتها بأنها حررت حماس من الضغوط بما يسمح لها الحصول على وقف لإطلاق النار دون اطلاق سراح الاسرائيليين الموجودين لديها وأعطتها مساحة لتصعيد موقفها فيما يتعلق بالمفاوضات في الوقت الذي بررت فيه الولايات المتحدة امتناعها عن التصويت بأن الصيغة النهائية للقرار لا تتضمن التنديد بحماس في الوقت الذي اعلن فيه جون كيربي مستشار اتصالات الامن القومي بالبيت الابيض ان امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الامن لا يمثل تحولا في السياسة الامريكية تجاه اسرائيل.
لعبة التوازنات كانت حاضرة في مجلس الامن وتحديدا في القرارين الاخيرين حيث فشلت الولايات المتحدة في تمرير القرار قبل الاخير في مجلس الامن والذي تقدمت به للتصويت عليه وواجه رفضاً من قبل روسيا والصين باستخدامهما حق النقض (الفيتو) والذي نص في مضمونه على وقف فوري ومستدام لإطلاق النار كجزء من صفقة تؤدي إلى إطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين لدى حماس والجماعات الأخرى وهذا من شأنه أن يسمح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية والمساعدات المنقذة للحياة إلى غزة لأنها بحاجة الى اعادة التوازن في علاقاتها الدولية بعد توجيه اصابع الاتهام لها من قبل روسيا بأنها استخدمت حق النقض الفيتو اربعة مرات في افشال قرارات تدعو الى وقف اطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات الانسانية الى غزه مما دفع بالسفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا لمهاجمة الموقف الامريكي بالقول” إن الولايات المتحدة وعدت مرارا وتكرارا بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال والآن أدركت الولايات المتحدة أخيرا الحاجة إلى وقف إطلاق النار بعد مقتل أكثر من ثلاثين ألفا من سكان غزه” وتمكنت روسيا من خلال الدور الذي لعبته في مجلس الامن من توجيه رسالة الى الولايات المتحدة بأنها ليست وحدها من تقرر الترتيبات السياسية في العالم وان مجلس الامن لن يكون قاعدة للولايات المتحدة لتمرير سياساتها متى ارادت وكيفما ارادت ورسالة اخرى بانها ليست هي من تقرر مصير العالم في اشارة منها الى الحرب القائمة في شرق اوروبا والتي تخوضها روسيا مع اوكرانيا بالوكالة عن حلف الناتو.

وهكذا تحول مجلس الامن الى ساحة صراع جديدة بين روسيا والولايات المتحدة التي فقدت بعضا من اوراقها المؤثرة في سياستها الخارجية وتراجع هيمنتها الدولية وتسبب ذلك في اختلال التوازنات الدولية بما قد يؤثر مستقبلا على طبيعة التحالفات والتكتلات الدولية.
لكن الولايات المتحدة لا زالت في جعبتها الكثير من الاوراق وتحديدا في منطقة الشرق الاوسط وهي الاكثر سخونة في احداثها السياسية من حيث الصراعات وعدم الاستقرار. هذه المنطقة التي تشتعل فيها حربا هي الاكثر ضراوة منذ عقود مضت يمكن ان تكون نتائجها مقدمة لرسم ملامح المنطقة بما يتقاطع مع المصالح الامريكية حيث ان الحرب الدائرة حاليا متعلقة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي وستكون نتائجها مفتاحا لرسم خارطة شرق اوسط جديد في المفاهيم الامريكية وبعيدا عن وحدته السياسية والجغرافية.
الولايات المتحدة تملك اوراق الحرب الدائرة في غزه من حيث استمرارها ووقفها وهناك علاقة بدأت تتشكل خلال هذه الحرب من حيث اصرار الولايات المتحدة على مطالبة القيادة الفلسطينية بالقيام بإصلاحات شاملة في هياكل السلطة الفلسطينية وقد تكررت هذه المطالب من خلال جولات المسئولين الامريكيين الذين زاروا المنطقة وعلى ما يبدو ان وقف الحرب مرتبط ارتباطا وثيقا في عملية الاصلاح التي نادى بها الامريكيون وتسوية الصراع بعيدا عن المفاهيم الوطنية والقومية وهذا يعني طمس القضية الفلسطينية وإخراجها من بعدها الوطني والقومي وإدخال اسرائيل في منظومة الشرق الاوسط من خلال عملية التطبيع الاسرائيلي السعودي التي سيتم ترتيبها بتقديم بعض التنازلات للملكة العربية السعودية بشأن حل الصراع وحصول الفلسطينيين على حقوقهم بالمفهوم الامرواسرائيلي. وحتى
تكتمل الصورة فان وقائع الحرب فرضت معادلات جديدة تمثلت بالعمل على رغبة الولايات المتحدة في إشراك ايران بشكل غير مباشر في منظومة الشرق الاوسط الجديد من خلال ادخال حركة حماس حليف ايران في اطار منظمة التحرير الفلسطينية وهذا مخطط تم الاعداد له بدقة لإبقاء التوازنات قائمة داخل منظمة التحرير بحيث تبقى عاجزة عن التوصل الى موقف سياسي موحد نتيجة الخلافات الايديولوجية بين حركة فتح وحماس وما يؤكد صحة هذا الادعاء ان الولايات المتحدة تؤسس لإنهاء الحرب الدائرة في غزه بحيث لا يكون هناك طرفا مهزوما وطرفا منتصرا وهذا هو سر الموقف الامريكي في ممارسة ضغوطا قوية على اسرائيل لعدم اجتياح رفح التي قد تشكل نتيجتها هزيمة لحماس. نقاط اللقاء بين الولايات المتحدة وإيران في هذه المنطقة هي اكثر من نقاط الخلاف وهنا تتقاطع مصالح الطرفين في ابقاء المنطقة تحت تأثير ثلاثة قوى رئيسية هي اسرائيل والمملكة العربية السعودية وإيران لإبقاء التناقض قائما بين هذه الكتل الثلاث وعدم الوصول الى حالة من الاستقرار بما يشكل انعدام اليقين في المنطقة.
امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الامن الاخير والذي اثار عاصفة في اسرائيل ربما كان مقدمة لاستكمال هذا المشهد لكن الخلافات الاسرائيلية الامريكية ربما تخدم مصالح الطرفين في مسألة انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفق المعايير التي تناولنها غي سياق هذا التحليل.

  

المحتوى ذو الصلة