[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
تمرّ هذه الأيام ذكرى النكبة الفلسطينية التي وقعت عام 1948، في الوقت الذي يعيش فيه أهل غزة نكبة جديدة، أو هكذا أراد لها الاحتلال أن تكون، من خلال محاولته تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، بفعل القصف والتقتيل والتدمير منذ أكثر من 220 يوماً، دون أن ينال من عزيمة هذا الشعب الصامد.
إنّ الأهوال التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، من قتل وتشريد وتجويع وتعطيش ونزوح مستمر ومتكرر، إنّما تذكّرهم بالنكبة الكبرى التي وقعت قبل 76 عاماً، والتي أدرك الشعب الفلسطيني أنّه لا سبيل لمنع تكرارها إلا بالمقاومة والصمود على أرض الوطن مهما بلغت التضحيات.
النزوح الخامس
“أم محمد” أرملة تعيل 6 أبناء، أكبرهم يبلغ من العمر 17 عاماً، وأصغرهم 7 أعوام، نزحت من بيت لاهيا منذ الثامن من أكتوبر، وتكرر نزوحها مرات عديدة، وصلت اليوم إلى خمسة.
تقول أم محمد: “في يوم الثامن من أكتوبر، خرجت مع أبنائي تحت نار القذائف وانفجاراتها، وانتقلت إلى مدرسة قريبة من بيتنا، أملاً في الحصول على الأمان، ولم نحمل معنا من أغراض المنزل سوى أشياء قليلة، فقد توقعنا أن نعود لمنازلنا بعد وقت قصير”.
وأضافت أنّها انتقلت من المدرسة إلى منطقة الشيخ رضوان، ومن ثَمّ نزحت إلى مخيم النصيرات، ومنه إلى رفح، واليوم تعود لتنزح من جديد نحو مدينة دير البلح، مع بدء العملية العسكرية الصهيونية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
تقول أم محمد: “لم يبق معنا أموال.. أنفقنا كل ما معنا.. وفي كل مكان كنا ننزح إليه كنا نخرج من تحت القصف، ونبدأ رحلة البحث عن مكان يؤوينا من جديد، ومعه نبحث عن خيمة ومستلزمات جديدة، الأمر الذي أرهقنا مادياً، وجعلنا اليوم غير قادرين حتى على النزوح”.
ووفق متابعة مراسل المركز الفلسطيني للإعلام، فإن كثيراً من العائلات قررت عدم النزوح من مدينة رفح، ليس رغبة في البقاء تحت نيران القصف، ولكن لعدم قدرتها على تأمين تكاليف النقل والخروج من المدينة، بسبب غلاء أجرة المواصلات، التي تتراوح ما بين 1000 إلى 2000 شيكل للنقلة الواحدة.
الاستسلام ليس خياراً
“أبو سامي”، موظف حكومي من سكان مدينة رفح، لم يستلم راتبه منذ بداية الحرب. قرّر البقاء مع أسرته في مخيم الشابورة، وقال: “ليس شجاعة، ولا رغبة في الموت، لكن ليس معي ما يكفيني لتأمين أجرة نقل أغراضنا، وتأمين خيمة ومكان ننتقل إليه”.
وتابع أبو سامي: “سبعة أشهر من الحرب والغلاء وارتفاع الأسعار، وشح كل متطلبات الحياة، جعلتني ومثلي الكثير من الناس ينفقون كل ما ادّخروه من أموال، واليوم باتوا مفلسين تماماً وغير قادرين حتى على النزوح”.
ويؤكد أبو سامي أن الناس اليوم يعيشون ما أطلق عليه “شجاعة اليأس”، ويفسرها بقوله: “الناس صامدون، وهذا صحيح، ولكن صمود عدد منهم لا يعود لكونه يمتلك قدرة عالية على التحمل أو مقومات تسنده وتجعله قادراً على الاستمرار، إنما لكونه لا يملك خياراً آخر غير الصمود والثبات، فخيار الاستسلام ليست في قاموسنا نحن أهل غزة”.
معادن أصيلة
وبعض التفاصيل الصغيرة تكشف المعادن الأصيلة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو ما يشكل بارقة أمل رغم قتامة المشهد الإنساني والمجتمعي في قطاع غزة، انطلقت مبادرات عفوية وشخصية عديدة في محاولة للتخفيف عن الراغبين في النزوح.
فبعض العائلات التي تقطن وسط قطاع غزة، وتمتلك أراضي فارغة يمكنها استيعاب النازحين، أعلنت جاهزيتها لاستقبال النازحين في أراضيها، وهيأت الظروف لاستقبالهم ما أمكن.
وأعلن بعض السائقين وملّاك سيارات النقل والأجرة استعدادهم لنقل الراغبين في النزوح من مدينة رفح لوجه الله تعالى، دون أجرة، شريطة توفير الغاز أو السولار لتشغيل المركبات، غير أنّ نجاح هذه المبادرة كان محدوداً، نظراً لعدم توفر الغاز والسولار نتيجة الحصار المتواصل ومنع الاحتلال إدخالها.
كما أعلنت مجموعات شبابية عن مبادرات تطوعية لخدمة النازحين ومساعدتهم في تركيب الخيام ونصبها وتهيئة الأماكن المجاورة لها، من خلال توفير المياه وبعض المستلزمات الضرورية، إضافة إلى توفير الطعام بالتعاون مع التكيات الخيرية المنتشرة وأهل الخير.
نزو
لا مكان آمن
قدرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أنّ ما يقرب من 450 ألف شخص نزحوا قسراً من رفح، منذ بدء هجوم الاحتلال الذي تسبب في تهجير المواطنين في السادس من الشهر الجاري.
وأكدت الوكالة في بيان لها، اليوم الثلاثاء، أنّ المواطنين يواجهون إرهاقاً مستمراً، وجوعاً وخوفاً، مبينة أنّ العائلات تواصل فرارها بحثاً عن الأمان، مشددة أنه “لا يوجد مكان للذهاب إليه، وأنه لا أمان بدون وقف إطلاق النار”.
وتواصل قوات الاحتلال، إغلاق معبري رفح الحدودي، وكرم أبو سالم التجاري جنوب قطاع غزة، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية غير مسبوقة.
ولا يزال جيش الاحتلال يواصل عدوانه على قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، منذ السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهو ما أسفر عن استشهاد 35173 مواطناً، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 79061 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.
وفي المقابل، تستبسل المقاومة الفلسطينية في الدفاع عن شعبها وأرضها، حيث صعّدت خلال الأيام الماضية عملياتها ضد قوات الاحتلال، ردّاً على اقتحامها لأطراف رفح، وسيطرتها على المعبر، وقد أدّت عمليات المقاومة في شمال القطاع وجنوبه إلى تدمير العديد من آليات الاحتلال، ووقوع العديد من جنوده بين قتيل وجريح.
“}]]