غزة تحت الحرب.. انهيار الإنتاج الغذائي والجوع سلاح الاحتلال لإخضاع السكان

[[{“value”:”

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

تعمل المزارعة أم محمد قديح في الأرض منذ 30 عامًا وقد أخذت أصول العمل الزراعي عن والدها التسعيني الذي نقل خبرته في العمل إلى جميع أبنائه العشرة من الذكور والإناث، وجميعهن يعملن في الزراعة. 

قبيل حرب المتواصلة على غزة، اعتادت السيدة الستينية على الانطلاق إلى الفلاحة من الدفيئات الزراعية حيث تعلمت التعشيب والقطف والتقزيم، وهي عملية يقوم بها المزارع لتهوية الشجر والأشتال، ومن ثم تعلمت زراعة الخيار والبندورة.

وتمتلك قديح، 13 دونما، لم يعد بالإمكان الوصول إليها بعد عمليات الاجتياح الواسعة للمناطق الشرقية في مدينة خان يونس، والتي تعرضت للتجريف على طول السياج الأمني الفاصل شرقي قطاع غزة.

في الوقت الذي خلقت فيه حالة من المجاعة في شمالي قطاع #غزة وتستمر بفرض قيود مشددة على دخول المساعدات والغذاء إلى جنوبي القطاع، عملت إسرائيل على نحو منهجي وواسع النطاق على تدمير السلة الغذائية من الخضراوات والفواكه واللحوم، وكافة مقومات الإنتاج المحلي ضمن جريمة الإبادة الجماعية pic.twitter.com/FbFDmcAr5Q

— المرصد الأورومتوسطي (@EuroMedHRAr) October 2, 2024

وتقول أم محمد، إن الأراضي التي تمتلكها اعتادت على زراعتها بثمار الكوسا، والسبانخ، والبندورة، والزيتون، مشيرة إلى أنها أنقذت بأعجوبة موسم الزيتون الفائت حيث لم يكن الاجتياح البري للمدينة الجنوبية قد بدأ، لكن ومع اجتياح المدينة مطلع ديسمبر/ كانون الثاني 2023، لم يعد بإمكانها الوصول إلى تلك الأراضي التي سحقتها الآليات العسكرية، وباتت أي محاولة لتفقدها “كمن يحفر قبره بيده”.

ومنذ اللحظات الأولى للحرب، انتهج جيش الاحتلال سياسة الأرض المحروقة، ولم تكن المنشآت العمرانية السكانية والخدماتية العامة هي الوحيدة التي طالها التدمير الممنهج، إذ سحق الاحتلال في حربه المروعة أكثر من 75% من مساحات قطاع غزة الزراعية.

أرقام تكشف الكارثة

وتفيد معطيات الجهاز المركز للإحصاء الفلسطيني بشأن تأثير الحرب على القطاع الزراعي في قطاع غزة لعام 2023، بأن خان يونس شهدت تدمير أكثر من 90% من أراضيها الزراعية، وهو ما يسلط الضوء على حجم الضرر الهائل الواقع على البنية التحتية الزراعية في القطاع كون مناطق شمال قطاع غزة ووسطه من أكثر المناطق تضرراً خلال هذه الحرب.

رغم الظروف المعيشية الصعبة التي يفرضها العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، كرّس المزارع رائد الأغا جهوده لزراعة المحاصيل ومحاولة توفير طعام لأهالي غزة.
إلا أن هذا الحلم تحطم إثر وقوع مساعدات #الإنزال_الجوي التي دمرت الدفيئات الزراعية الخاصة بمزرعته. pic.twitter.com/QkrmMRPQnT

— أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) June 17, 2024

ويقول الجهاز إن مناطق وسط وشمال القطاع يشكلان العمود الفقري للزراعة في غزة، حيث تبلغ نسبة الأراضي الزراعية في هذه المناطق مجتمعة ما يزيد على 63% من المساحة الزراعية الإجمالية، موفرة الجزء الأكبر من الغذاء لأكثر من 2.3 مليون نسمة يقطنون القطاع.

وتقدر تقارير نشرها اتحاد لجان العمل الزراعي، أن مناطق شمال قطاع غزة من أشد المناطق تضرراً جراء الحرب، إذ تستحوذ على أكثر من ثلث الأراضي الزراعية في القطاع، بنسبة تزيد على 33% من المساحة المخصصة لزراعة الخضروات والمحاصيل الحقلية، وهي تساهم في توفير أكثر من 30% من الحاجات الغذائية للقطاع من الخضروات والمحاصيل الحقلية، كالقمح وباقي أنواع الحبوب.

وتشكل الزراعة في قطاع غزة شريان الحياة لمئات الآلاف من سكانها، الذين يعتمدون عليها كمصدر رئيسي للغذاء والدخل، حيث يقدَّر عدد العاملين في القطاع الزراعي بنحـو 55 ألف عامل، ويساهم بنحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة صادرات سلعية من الخضراوات ومنتوجات البستنة تقدر بأكثر من 32.8 مليون دولار، ومثلت ثمار البندورة والخيار 66% من إجمالي هذه الصادرات عام 2022، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

آلة الحرب الإسرائيلية تجرف الآلاف من أشجار الزيتون في غزة وتحرم السكان من الاستفادة من محصولها pic.twitter.com/2vh600Gw3Y

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) September 13, 2024

ويقدر الجهاز قيمة الخسائر اليومية في الإنتاج الزراعي بما في ذلك قطاعي صيد الأسماك والإنتاج الحيواني بنحو مليوني دولار، ما يعني خسائر مباشرة بنحو مليار دولار بعد مضي عام على حرب الإبادة، مبيناً أن قيمة الخسائر الكلية تتضاعف عند احتساب الدمار في قيمة الأصول، والممتلكات الزراعية، وتجريف المساحات الزراعية.

الجوع كسلاح

ويوضح اتحاد لجان العمل الزراعي أن المساحات الزراعية المتضررة في قطاع غزة تقدر بـ117 ألف دونم، توفر 60 ألف طن من الخضروات والمحاصيل الحقلية، وحُرم المواطنون في غزة من هذه الكميات من الغذائية عن طريق منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم لحصادها تطبيقاً لقرار وزير جيش الاحتلال بفرض حصار على القطاع ومنع سكانه من الوصول إلى مقومات الحياة والتي من أبرزها الطعام، وذلك بهدف تجويعهم وإخضاعهم باستخدام الطعام كسلاح.

وفي السياق، يقول المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن الاحتلال الإسرائيلي أخرج أكثر من 75% من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة في قطاع غزة، إما بعزلها تمهيدا لضمها للمنطقة العازلة بما يخالف قواعد القانون الدولي أو بتدميرها وتجريفها بشكل منهجي، في إطار تكريسه للمجاعة في القطاع كسلاح حرب، على امتداد السياج الأمني الفاصل شرقي قطاع غزة وشماله بعمق يصل إلى قرابة 2 كيلومتر، بمساحة إجمالية تقدر بنحو 96 كم2.

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان:
71% من سكان قطاع غزة يعانون من مستويات حادة من الجوع
98% من سكان قطاع غزة يعانون من عدم كفاية استهلاك الغذاء
64% من سكان قطاع غزة يتناولون الحشائش والثمار والطعام غير الناضج والمواد منتهية الصلاحية لسد الجوع
معدل الحصول على المياه، بما في ذلك… pic.twitter.com/dAc0BLxPqK

— A Mansour أحمد منصور (@amansouraja) December 19, 2023

ويوضح المرصد أن ما تبقى من مساحات زراعية محدودة جدا، غالبيتها في منطقة “المواصي” غربي خان يونس، التي باتت هذه الأيام تؤوي مئات الآلاف من النازحين قسرا، وتحمل الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة آثارا وخيمة على الصحة العامة والبيئة والأراضي الزراعية وجودة المياه والتربة والهواء، بينما تتفاعل تأثيرات ذلك بشكل تراكمي، مما يمهد لقفزات مرعبة في حالات الوفاة.

وبينما تدخل حرب الإبادة على غزة عامها الثاني، تقول وزارة الزراعة في غزة إن الاحتلال استهداف أشجار الزيتون (ينطلق موسم جني ثماره نهاية أكتوبر من كل عام) التي تشكل حوالي 60% من أشجار البستنة في القطاع، حيث تبلغ نسبة الأراضي المزروعة بأشجار البستنة 30.9% من المساحة الزراعية الكلية في غزة، منها 31.3% في محافظة خان يونس و22.3% في محافظة شمال غزة، مؤكدا أن الأشجار المثمرة، وخصوصا أشجار الزيتون التي لها دور كبير في الاقتصاد الزراعي.

الإصرار على الزراعة في غزة؛ حكاية صمود أسطورية pic.twitter.com/124h1JmTrW

— #Birow (@Qxj9EpiXyt9sd0O) August 15, 2024

الإنتاج الحيواني والأسماك

وعلى صعيد الإنتاج الحيواني، يقول فؤاد أبو سيف من اتحاد لجان العمل الزراعي، إن قطاع الثروة الحيوانية في غزة تعرض لأطر جسيمة نتيجة الحرب، حيث تم تدمير قطاع الدواجن بالكامل، سواء بفعل القصف المباشر أو بسبب نقص الأعلاف والاستهلاك المرتفع الناجم عن الجوع، مشيرة إلى أن قطاع غزة استطاع تأمين الاكتفاء الذاتي من اللحوم البيضاء وبيض المائدة.

ويُظهر تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” في فبراير/ شباط 2024 أن الاحتلال دمر نحو 626 بئر ماء، و47 بركة ماء، وميناء واحدا، و307 حظائر منزلية، و100 مستودع زراعي، و46 مخزناً زراعياً، و7 مراكز للتزويد الزراعي، و119 مأوى للحيوانات، و11 مزرعة للأرانب، و26 مزرعة للألبان، و235 مزرعة للدجاج اللاحم، و7 مزارع طير حبش، و203 مزارع أغنام، و5 مزارع أبقار، و42 مزرعة طيور وحمام، وكذلك 339 دفيئة زراعية من مجموع 1277 أي أن 26.6 في المئة من الدفيئات الزراعية تم تدميرها، وهو ما يعني أن قطاع الزراعة دخل مرحلة الانهيار مع استمرار الحرب.

❤️ قلوبُنا مع كل أسرةٍ تنتظرُ وجبةً تُسعفُ جوعَ أطفالها، نترقَّبُ اليوم الذي نستطيعُ فيهِ تقديمَ وجباتِ اللحومِ أو الدجاجِ لأهلِنا في شمالِ غزة. 🐔🍖

🍲 تكية الطعام تواصلُ عملها بما هو متاحٌ ومتوفر، وندعو الله أن يرزقهم من فضلهِ ويطعمهم من جوعٍ، وأن يُغدقَ عليهم من الثمراتِ… pic.twitter.com/PZbBA1RgZL

— عبدالله الأسطل (@Abomalekalastal) October 1, 2024

كما لم ينجُ قطاع الصيد في غزة، الذي يُعيل أكثر من 4054 صياداً، من وطأة العدوان المتواصل؛ حيث يوضح أبو سيف القطاع ينتج سنوياً نحو 4600 طن من الأسماك، بحسب تقارير وزارة الزراعة في غزة، إلاّ إن هذا الإنتاج توقف بالكامل وتعرض قطاع الصيد للدمار الشامل، إذ أُدرج ضمن أهداف الاحتلال الرئيسية.

وتشير التقارير الميدانية الأولية إلى أن مدينة غزة وحدها شهدت تدمير 98% من قطاع الصيد، بما في ذلك ميناء غزة وأكثر من 900 قارب بمختلف الأحجام نتيجة القصف المباشر. أمّا في رفح ودير البلح، فقد تم تدمير أكثر من 70% من قطاع الصيد، بتدمير أكثر من 600 قارب.

وضع غير مسبوق

وعن الوضع الحالي للأمن الغذائي في غزة والأضرار التي لحقت بقطاع الأغذية الزراعية، تقول بيث بيكدول نائبة المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”: “هناك مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، والجوع، والظروف الشبيهة بالمجاعة في غزة. إنه وضع غير مسبوق نجد أنفسنا فيه. لدينا مقياس لانعدام الأمن الغذائي الحاد نسميه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي”.

المعاناة تزداد يومًا بعد يوم
بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق والمستمر على مدينة غزة وشمال القطاع، عدد من الأطفال في مدارس النازحين يقومون بتنظيف وفرز ما تبقى من علف الحيوانات ليتم طحنها للحصول على الدقيق في ظل المجاعة الكبيرة التي يعاني منها الأهالي. pic.twitter.com/ecaXjij6UE

— أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) January 22, 2024

وتوضح أن المراحل 3 و4 و5 هي مراحل الطوارئ والأزمة والكارثة على التوالي، “وجميع سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة هم الآن ضمن هذه الفئات الثلاث”.

وحتى قبل تفاقم الأزمة بسبب الحرب، كان ما يقارب 60% من الأسر المعيشية في غزة تعاني من انعدام الأمن الغذائي أو معرضة له، في حين كان 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية. ويعدُّ حظر استخدام الجوع كسلاح ضد المدنيين في زمن الحرب مبدأً أساسياً في القانون الدولي الإنساني.

ويتم ترسيخ هذا المنع في عدة وثائق قانونية دولية، بما في ذلك البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف 1949، والذي يحظر استخدام الجوع كوسيلة للحرب ضد المدنيين. ويشدد القانون الدولي الإنساني على حماية المدنيين والممتلكات المدنية في أوقات النزاع المسلح ويحظر بشكل خاص استخدام الجوع كأداة للضغط في النزاعات، معتبراً ذلك انتهاكاً للقانون الدولي.

“}]] 

المحتوى ذو الصلة