[[{“value”:”
غزة المركز الفلسطيني للإعلام
ضمن التوجه العام للاحتلال الإسرائيلي منذ بدء عدوانه على قطاع غزة بإصدار قرار إعدام لكل ما هو حيّ ولكل ما يمكن أن يُبقي سكان غزة على قيد الحياة، عاود الاحتلال إلى تكثيف استهداف المستشفيات وتعمد تعطيلها وإخراجها من الخدمة.
انتقام مقابل الصمود
الصمود الهائل الذي أبداه سكان القطاع طيلة ثمانية أشهر من التنكيل والمذابح الإسرائيلية بحقهم، خاصة تعطيل المرافق وضرب البنية التحتية واستهداف المؤسسات المدنية والمستشفيات، كل ذلك أفشل مخططات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تهدف إلى إنهاء الحاضنة الشعبية للمقاومة، لكن ما أدهش الاحتلال وأعجزه، أن أهل القطاع ازدادوا تمسكًا بمقاومتهم وكانوا لهم صخرة تحطّمت عليها كل تلك المخططات الشيطانية.
وخلال الأسابيع الماضية، بعد إعلان حركة حماس موافقتها -بالتوافق مع الفصائل الفلسطينية- على مقترح الوسطاء بشأن مفاوضات وقف العدوان على غزة، ما أربك حسابات الاحتلال والإدارة الأمريكية، قررت حكومة نتنياهو القفز إلى الإمام بتوسيع حرب الإبادة في القطاع لتشمل مدينة رفح، وذلك للهروب من استحقاق المفاوضات، وفي الوقت نفسه عاودت تكثيف هجماتها على مدن شمال القطاع، وبالأخص، مخيمي جباليا والنصيرات.
كان هذا التوسع الإجرامي بمثابة كمين أعدته له المقاومة فأوجعته كام لو كانت الأيام الأولى للحرب، وكبّدته خسائر فادحة في رفح وحباليا، لم تشهد الحرب مثيلاً لها منذ شهور، فلم يجد الاحتلال أمامه غير المدنيين لينفث فيهم غضبه بمعاودة ضرب المرافق الصحية في كامل القطاع، لا سيّما في مدن ومناطق الشمال.
الشمال بلا مستشفيات
وفي صباح اليوم توقف مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، عن الخدمة بعد وصول جيش الاحتلال لمحيط المستشفى وإطلاق النار على المتواجدين فيه وحوله من المواطنين، بينما توقف أمس مستشفى العودة في جباليا، وبذلك يصبح شمال غزة بلا مستشفيات أو خدمات صحية.
من جهته قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن تدمير الجيش الإسرائيلي المستشفيات والمرافق الصحية في شمال قطاع غزة وإخراج المتبقى منها -الذي كان يعمل أصلًا بشكل جزئي- عن العمل بالكامل يعني قرارًا إسرائيليًّا بتنفيذ إعدام جماعي للمرضى والمصابين، في وقت يتصاعد الهجوم العسكري العنيف على مخيم جباليا ومحيطه منذ 13 يومًا، ويتواصل ارتكاب المجازر المروعة ضد السكان المدنيين هناك.
وأبرز المرصد الأورومتوسطي في بيان له اليوم الخميس أن قوات الجيش الإسرائيلي اقتحمت مساء الأربعاء 22 مايو/أيار مستشفى “العودة” في مخيم جباليا شمالي القطاع، واحتجزت الكوادر الطبية والمرضى والجرحى وشرعت بالتنكيل بهم، وذلك بعد عدة أيام من إحكام حصار شامل على المستشفى واستهدافه على نحو متكرر وإخراجه عن العمل.
وأكد الأورومتوسطي أن الاتصال انقطع بأفراد الطواقم الطبية والمرضى والجرحى الذين تبقوا داخل المستشفى، فيما يُخشى من تكرار جرائم القتل والإعدام الميداني والاعتقال التعسفي والحرمان من الماء والطعام والعلاج، وهو ما حدث سابقًا في مستشفيات حول القطاع، بما في ذلك مستشفى “العودة” نفسه، الذي كان تعرض لاقتحام سابق خلال الاجتياح الأول لمخيم جباليا في ديسمبر/كانون أول 2023، واعتُقل مديره د.”أحمد مهنا” مع آخرين من أفراد الطواقم الطبية.
وفي إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال الحكيم “فادي الزعانين” في مستشفى “العودة” إن الجيش الإسرائيلي فرض حصارًا على المستشفى الذي يتبع للمجتمع المدني منذ ستة أيام وشدد الحصار قبل ثلاثة أيام، فيما أطلق يوم الثلاثاء قذيفة مدفعية تجاه أحد مباني المستشفى الذي يتواجد به 13 مريضًا ومصابًا وكادر طبي يتراوح عدده بين 120-150 شخصًا.
وبيّن الأورومتوسطي أن مستشفى “كمال عدوان” الواقع بين مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا شمالي القطاع يتعرض هو الآخر لحصار وإطلاق نار وقصف متكرر من الطائرات والمدفعية الإسرائيلية، الأمر الذي تسبب بإخراجه عن العمل؛ حيث اضطرت العديد من الطواقم الطبية والمرضى والجرحى لإخلائه، فيما بقي فيه عدد من الطواقم الطبية مع الجرحى والمرضى غير القادرين على الحركة، وانقطع الاتصال بهم نتيجة الحصار وانقطاع الكهرباء والاتصالات عن المنطقة.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنه بخروج هذين المستشفيين عن العمل بعد أن أعيدا للعمل جزئيًا في الأسابيع الأخيرة عقب تعرضهما للاقتحام والتخريب من الجيش الإسرائيلي، تكون جميع المستشفيات شمال قطاع غزة قد خرجت عن الخدمة، ولم يعد هناك أي مكان لنقل القتلى أو الجرحى أو المرضى إليه لتلقي العلاج، بما في ذلك توقف جميع برامج الرعاية الصحية المتعلقة بالأمهات والأطفال.
قرار إعدام
وأكد أن ذلك يعني قرارًا إسرائيليا متعمدًا بإعدام عشرات الآلاف من الأشخاص والتسبب بموتهم، من خلال حرمانهم من حقهم في الرعاية الصحية.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة فإن هناك أكثر من 100 ألف فلسطيني نزحوا من شمال قطاع غزة جراء الهجوم العسكري والاجتياح الأخير الذي بدأ مساء السبت 10 مايو/أيار الجاري، فيما ما يزال أكثر من 100 ألف آخرون داخل منازلهم أو في مراكز الإيواء في جباليا ومخيمها وبيت لاهيا وبيت حانون.
وبيّن الأورومتوسطي أن مشافي شمال قطاع غزة استقبلت ما يزيد عن 97 قتيلًا خلال 11 يومًا قبل خروجها عن الخدمة، ونقل عشرات القتلى أيضًا إلى المستشفى “الأهلي” (المعمداني)، وهو المستشفى الوحيد الذي ما يزال يعمل جزئيا في مدينة غزة، فيما تلقى الأورومتوسطي معلومات عن وجود عشرات القتلى وأغلبهم من المدنيين، وضمنهم نساء وأطفال، في الشوارع وتحت أنقاض المنازل المدمرة وداخل وقرب مراكز الإيواء التي تعرضت للقصف والاستهداف من الجيش الإسرائيلي.
كما أشار إلى أن الصور التي اطلع عليها والمعلومات الأولية التي تلقاها من فريقه الميداني تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي نفذ عملية تدمير شبه كاملة لمخيم جباليا الذي كان يعد من أكثر أماكن العالم اكتظاظًا بالسكان والمنازل. وطال التدمير أكثر من 400 منزل، وهي إحصائية أولية من المتوقع أن ترتفع، خاصة مع استمرار الهجوم الإسرائيلي وما أظهرته الصور من مسح أحياء كاملة في المخيم، في حين أن نسبة الدمار التي لحقت جباليا ومخيمها منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين أول الماضي، وقبل العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة هناك، كانت بلغت حوالي 75-85%.
وقال الأورومتوسطي إن الاستهدافات الإسرائيلية الأخيرة شملت جميع مظاهر الحياة والنزوح في شمال القطاع، بما في ذلك فتح النار على مراكز الإيواء وإحراق خيام النازحين في جباليا، الأمر الذي أجبر المئات من المدنيين على النزوح مرات متكررة إلى مناطق مختلفة في مدينة غزة.
نفاد الوقود
وفي المحافظة الوسطى تعرضت مستشفى شهداء الأقصى للضغط على كوادرها الطبية من خلال منع وصول الوقود إلى مخازن المستشفى لتشغيل مولدات الكهرباء، ما أنذر بكارثة صحية والتوقف الكامل للمستشفى عن العمل، بينما أعلت إدارة المستشفى اليوم عن وصول كمية قليلة من الوقود إلى المستشفى لا تكفي لأكثر من 3 أيام، وذلك بعد مناشدات طويلة خلال الأيام الماضية.
فقد حذّرت إدارة المستشفى، أمس الخميس، من كارثة صحية وشيكة فيما لو لم يتم توريد الوقود إليها خلال ساعات، معتبرة أن ذلك يأتي في إطار الضغط على الكوادر الطبية والقطاع الصحي المتهالك أصلاً من أجل وقف عمل المستشفيات بشكل كامل في قطاع غزة.
وقالت الإدارة في بيان صادر عنها وصل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “إننا نعرب عن بالغ استغرابنا واستهجاننا من سياسة المماطلة التي يتعرض لها مستشفى شهداء الأقصى، فمنذ ساعات طويلة ونحن على تواصل مع الجهات ذات العلاقة ومع منظمة الصحة العالمية وهي الجهة المكلفة بتوريد الوقود للمستشفى، إلا أنه لا يوجد أي استجابة لطلبنا بتوريد الوقود بشكل فوري وعاجل”.
مطالبات بتدخل دولي
وشدد الأورومتوسطي على أن تدمير المستشفيات والمرافق الطبية يأتي في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، وفي مقدمة الخطة المنهجية والمنظمة وواسعة النطاق التي تنفذها إسرائيل لتدمير حياة الفلسطينيين في القطاع، وتحويله إلى مكان غير قابل للسكن ويفتقد لأبسط مقومات الحياة والخدمات الأساسية، من خلال جملة جرائم متكاملة، أخطرها الاستهداف المنهجي وواسع النطاق للقطاع الصحي وإخراجه عن الخدمة بالتدمير والحصار، وإيصاله إلى نقطة اللاعودة، وحرمان الفلسطينيين من فرص النجاة والحياة والاستشفاء، وحتى من المأوى.
وشدد على أن ما ترتكبه إسرائيل من جرائم ضد المستشفيات والأشخاص المحميين في قطاع غزة تشكل كذلك جرائم حرب مكتملة الأركان، بالإضافة إلى كونها جرائم ضد الإنسانية كونها تنفذ في إطار الهجوم العسكري الإسرائيلي المنهجي وواسع النطاق ضد السكان المدنيين في قطاع غزة.
كما أكد الأورومتوسطي أن الجيش الإسرائيلي ينفذ جرائمه ضد مستشفيات القطاع دون أدنى احترام لقواعد القانون الدولي، وبخاصة القانون الدولي الإنساني، وفي انتهاك صارخ لمبادئ التمييز والتناسبية والضرورة العسكرية، وللحماية الخاصة التي تتمتع بها المستشفيات المدنية والطواقم الطبية، أو الحماية التي يتمتع بها المدنيون سواء بصفتهم هذه أو كونهم غير مشاركين مشاركة مباشرة بالأعمال الحربية، أو الحماية التي يتمتع بها الجرحى والمرضى، وحظر استهدافهم، حتى لو كانوا من العسكريين.
وجدد الأورومتوسطي مطالبته بتدخل دولي عاجل لإقامة مستشفيات ميدانية في شمال غزة، والضغط على إسرائيل لوقف هجماتها المتكررة عن المستشفيات التي أخرجتها عن العمل، وضمان سلام الطواقم الطبية والمرضى والجرحى والنازحين داخلها، وتمكينهم من تلقي العلاج المنقذ للحياة، وضمان تحويل الحالات الطارئة للعلاج في الخارج.
وطالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالتدخل الفوري والجاد لحماية المدنيين الفلسطينيين من جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في القطاع منذ نحو ثمانية أشهر، وحماية ما تبقى عاملًا من القطاع الصحي، والعمل على إعادة إعماره فورًا كونه جزءًا من البنية التحتية الضرورية لإنقاذ حياة الفلسطينيين هناك، واستخدام وسائل الضغط الحقيقية لإجبار إسرائيل للتوقف عن جرائمها الخطيرة والمستمرة وضمان امتثالها للقانون الدولي ولقرارات محكمة العدل الدولية، وتنفيذ مذكرات إلقاء القبض حال صدورها من المحكمة الجنائية الدولية ضد المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم، وضمان مساءلتهم ومحاسبتهم، وتعويض الضحايا الفلسطينيين.
“}]]