[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
لم تُسهم الضربة الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية في سورية، وما تلاها من زخم سياسي وإعلامي، في إيجاد حلول بديلة يمكن أن تنقذ نتنياهو وحكومته من وحل الحرب المستمرة على قطاع غزة، والتي خصمت من رصيد اليمين المتطرف الذي يحكم كيان الاحتلال على المستويين المحلي والدولي؛ حيث لا يزال نتنياهو يعاني من محدودية الخيارات التي يمكن أن يقدمها للرأي العام كدليلٍ على انتصاره، بل إنها تكاد تكون معدومة حتى مع فرضية اجتياح مدينة رفح، والتي تمثل له العتبة الأخيرة قبل القضاء على المقاومة، كما يزعم.
انسحاب جيش الاحتلال من خان يونس بعد تدمير معظمها والقضاء على بنيتها التحتية، وكذلك شمال غزة الذي نال النصيب الأكبر -ولا يزال- من القصف الإسرائيلي منذ زهاء 7 أشهر، كان من المفترض أن يُحوّلهما إلى مُدن أشباح -كما كان ينتظر الإسرائيليون-، إلا أن الصور التي انتشرت للمجتمع الغزاوي على شواطئ البحر، وما يصحبها من عودة ماكينة العمل في البلديات لإصلاح ما تدمر، وعودة بعض مظاهر الحياة (من أسواق وإقامة بعض الأعراس) إلى النور، كل ذلك شكّل صدمة وأحدث زلزالا في المجتمع الإسرائيلي الذي لا يزال ينتظر تنفيذ وعود نتنياهو بتحويل غزة إلى أثر بعد عين.
استطاعت تلك المشاهد الآتية من شمال وجنوب غزة أن تشكك في إمكانية القضاء على حركة حماس، والتي كانت في صدارة أهداف الحرب على غزة عقب أحداث 7 أكتوبر وحشدت لها حكومة الاحتلال ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا كل الإمكانات العسكرية والسياسية؛ حيث لا تزال مظاهر قدرة الحركة على إدارة قطاع غزة تحت هذا الوابل الهائل من النيران، واضحة في شتى المجالات، وإن كانت أضعف كثيرا مما قبل الحرب، ما يعني أن هدف القضاء عليها بات محض أوهام وادّعاءات يتمُّ تسويقها للرأي العام لتحقيق أهداف سياسية لصالح نتنياهو وحكومته.
“حماس انتصرت”
على ذلك علّقت مجلة “نيوزويك” الأمريكية في مقال لها بالقول إنه، وبعد 6 أشهر من الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد أصبح واضحًا، وبشكل متزايد، أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي التي تسيطر وهي التي تملي شروط وقف إطلاق النار.
وأضاف المقال الذي كتبه لي مايكل كاتز أنه في الوقت الذي يركز فيه العالم على دورة الانتقام الإسرائيلي الإيراني المتبادل، تبقى الحرب في غزة مستمرة، وقد أصبحت حماس تملي شروطها من “تحت أنقاض القطاع وأجساد شعبها”.
وقال الكاتب، وهو صحفي مستقل ومحلل ومؤلف حائز على جوائز عالمية، إن حماس رفضت خطة أعدها مفاوضون دوليون وتصر على إعادة نصف الرهائن الإسرائيليين المقترحين فقط، وغير ذلك من الشروط التي تعرف أنها غير مستساغة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية التي تتعرض لضغوط محلية ودولية.
ومع أن الخاسر في الحرب عادة هو الذي يستسلم لإنهاء الموت والدمار الذي يصيب شعبه، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لحماس، والسبب وراء هذا التحدي المذهل لكل معايير النصر والهزيمة في زمن الحرب، بسيط، وهو أن حماس حتى الآن هي المنتصرة.
“أكبر هزيمة لإسرائيل”
الرؤية ذاتها كانت لدى الدبلوماسي الفرنسي “جيرار أرو”، والذي أكد أن حرب غزة التي شنتها إسرائيل ردا على هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر، هي “الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل والأكثر دموية بالنسبة للمدنيين الفلسطينيين، وها هي رغم دخولها الشهر السابع لم تحقق أيا من أهدافها الأساسية، وتهدد وجود دولة إسرائيل ذاتها”.
وأوضح السفير السابق في تل أبيب -في كتابه “إسرائيل. فخ التاريخ”- الذي استعرضته صحيفة لوموند، أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق أيًّا من أهدافه الأساسية، لا إطلاق سراح الرهائن، ولا تدمير حماس عسكريًّا ولا القضاء على قادتها، ولا ضمان أمن الحدود الجنوبية أو الشمالية.
وخلص “أرو” إلى أن “السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو أكبر هزيمة إستراتيجية في تاريخ إسرائيل”، موضحا أن هذا الهجوم “كسر عقيدة مناعة إسرائيل التي لا تقهر، ولا نرى كيف يمكن أن تستعيد مصداقيتها، لأن أساس أمنها هو الذي تداعى، وبالتالي فقدت قدرتها على الردع” والذب عن سلامة الأراضي التي تقوم عليها.
ملاحقة دولية
عودة إسرائيل من هذه الحرب حاملة راية الهزيمة ليست الخوف الأكبر لدى نتنياهو وحكومته، ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى التهديد الوجودي -وليس السياسي فحسب- له ولحكومته وجيشه.
وقد أفادت تقارير وتقديرات سياسية وحقوقية أن الحكومة الإسرائيلية تلقت رسائل حول إمكانية صدور أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد مسؤولين إسرائيليين كبار من ضمنهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ويعكس الصمت الإسرائيلي الرسمي تجاه هذه التقارير الهواجس التي تعيشها تل أبيب بظل استمرار الحرب على غزة، مع ازدياد التقديرات بإمكانية تقديمها للمحاكمة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.
ووسط الرسائل التحذيرية الدولية، عقد ديوان نتنياهو جلسة سرية الثلاثاء الماضي، تم خلالها استعراض سيناريوهات مثيرة للقلق ومخاوف جدية مرتبطة بصدور مذكرات اعتقال دولية بحق قيادات أمنية وعسكرية وسياسية إسرائيلية، وذلك حسب تقرير للقناة 12 الإسرائيلية، الخميس الماضي.
مشاورات سرية
وأوضح مراسل الشؤون السياسية في القناة 12 الإسرائيلية يارون إبراهام، أن المشاورات السرية والطارئة التي عقدت بعيدا عن الإعلام في مكتب نتنياهو بمشاركة كبار قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية والقضائية بإسرائيل، تؤكد جدية الرسائل التحذيرية والخوف من إصدار أوامر اعتقال دولية ضد قادة إسرائيليين، في ظل استمرار الحرب على غزة.
وبحسب التقديرات، يقول إبراهام، إن فرصة إصدار مذكرات الاعتقال زادت بشكل كبير، وربما تتم محاولة إصدارها في نهاية مايو/أيار المقبل.
وعليه، حسب المراسل، تقرر في نهاية جلسة الاستماع السرية التحرك قبالة المحكمة في لاهاي، والتوجه لجهات دبلوماسية دولية ذات نفوذ وتأثير من أجل منع صدور أوامر الاعتقال، بدون الكشف عن هوية هذه الجهات، التي يرجّح أن تكون أوروبية وأميركية.
لكن المراسل كشف النقاب عن أن نتنياهو، وفي لقاءاته أيضا مع وزيري خارجية بريطانيا وألمانيا بالقدس، طلب مساعدتهم في القضية أمام المحكمة الدولية. وقال إبراهام إن “هذا تعقيد قانوني ليس بسيطا، وهو ما تدركه إسرائيل من الماضي، لكنه يبدو الآن أكثر قوة وتعقيدا بعد الحرب في غزة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي”.
ولم تستبعد صحيفة “معاريف” في تعليقها على التحركات ضد إسرائيل بالمحكمة الدولية أن يتم تقديم نتنياهو إلى المحاكمة الدولية في حال لم يتم الامتثال للأوامر الصادرة عن المحكمة، والتي قد تتمثل بقرارات مستقبلية تطالب إسرائيل بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وقدرت الصحيفة أن الرسائل التحذيرية جدية، مستذكرة انضمام المزيد من الدول إلى الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل واتهامها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومنع دخول المساعدات والإغاثة، وعدم تجنبها استهداف المدنيين، وهو ما يشكل انتهاكا لاتفاقية جنيف عام 1949، بشأن حماية الأشخاص المدنيين.
وبشأن الإجراءات الرسمية التي تقوم بها إسرائيل لمنع صدور أوامر الاعتقال، لفتت الصحيفة إلى تجند بعض الدول الأوروبية إلى جانب إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، مستشهدة بإعلان الحكومة الألمانية قبالة المحكمة أن أمن إسرائيل هو “جوهر” أمنها القومي، وذلك ردا على الدعوى القضائية التي رفعتها نيكاراغوا ضدها واتهامها بالتواطؤ مع “الإبادة الجماعية بغزة”، بسبب المساعدة الأمنية لإسرائيل.
رسالة ردع
وخلافا للصمت الحكومي الإسرائيلي الرسمي، أظهر نشطاء ومعارضون لحكومة نتنياهو، ومنهم قائمون على الاحتجاجات المطالبة بصفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية، تفاعلا مع الرسائل التحذيرية من المحكمة الدولية، واعتبروها رسالة ردع وتحذير للقادة الإسرائيليين.
وغرّدت الناشطة الإسرائيلية دليلة مور، على حسابها بمنصة “إكس” قائلة: “لسنوات عديدة، يدّعي اليسار والمحكمة العليا أنه فقط بسبب المحكمة العليا لم يتم وضع كبار المسؤولين الإسرائيليين في قفص الاتهام في محكمة لاهاي، لكن اليوم يحدث ذلك، وهناك احتمال كبير لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو ومسؤولين كبار آخرين من المحكمة الجنائية، لقد أكلنا الطعم واتُهمنا في لاهاي”.
وكتب عامي درور، أحد النشطاء الذين يقودون الاحتجاجات ضد الحكومة الإسرائيلية “العالم لا يتوقف للحظة واحدة، ويواصل الإجراءات ضد حكومة نتنياهو”، وأضاف في تغريدة له “نتنياهو خطير على إسرائيل، نتنياهو خطير على الشرق الأوسط، نتنياهو خطير على السلام العالمي، وقته قصير!”.
كما كتب الناشط الحقوقي والمحامي أوري برايتمان “حتى الآن، كان نتنياهو يخشى السجن بسبب أفعاله الجنائية بإسرائيل، وهو الآن -بظل الحرب على غزة- يخاف أكثر من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي”.
“}]]