قمة النذالة والسفالة والانحطاط الانساني والاخلاقي التي يمارسها جنود ومحققي الاحتلال الصهيوني توجت خلال الحرب على قطاع غزة، اغتصاب الاسيرات والاعتداءات الجنسية عليهن، التعذيب الجنسي والتحرش والاذلال والاهانات، شهادات النساء الفلسطينيات اللواتي اعتقلن وتعرضن لابشع انواع التعذيب الجنسي وبأساليب عديدة وتجريدهن من ملابسهن ونزع الصفة الانسانية عن الاسرى، سلوك منهجي مدعوم من المؤسسة الرسمية ومن رجال الدين اليهود الذين يعتبرون اغتصاب النساء غير اليهوديات مباح خلال الحرب، سجل بشع وطويل من الاعتداءات الجنسية خلال هذه الحرب الدموية على قطاع غزة بحق الاسيرات والاسرى وحتى الاطفال، جنود شاذون ودولة شاذة وفاسدة، تتعامل مع الضحايا الفلسطينيين كحيوانات بشرية كما صرح بذلك وزير الدفاع الصهيوني غالانت، وان كل شيء مسموح به، القتل والتدمير وهدر حياة الانسان الفلسطيني جسديا وروحيا ونفسيا.
منذ بداية الاحتلال الصهيوني سجلت العديد من حالات الاغتصاب والتحرشات الجنسية بحق المعتقلات الفلسطينيات، وظل هؤلاء المجرمون منفلتون من العقاب، محصنون بتعليمات من المستوى السياسي والامني الصهيوني، وكان المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه قد كشف عن حالات اغتصاب واعتداءات جنسية على النساء الفلسطينيات خلال النكبة عام 1948 في كتابه التطهير العرقي مستندا الى مصادر المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والصليب الاحمر والى روايات الضحايا والارشيفات الاسرائيلية، ارتكاب اعمال مشينة وجرائم حرب ارتكبها جنود الاحتلال، ومن ضمنها ما كشفته صحيفة هآرتس عام 2003 عندما قام اثنان وعشرون جنديا شاركوا في عملية الاغتصاب والقتل بحق فتاة فلسطينية في منطقة النقب، حيث قام الجنود بحلق شعرها وتناوبوا على اغتصابها وفي النهاية قتلوها.
ربما التقاليد والعار والصدمة هي الحواجز النفسية التي تحول دون الكشف عن هذه الجرائم الخطيرة بحق نساءنا خاصة خلال حرب الخراب والتطهير والابادة في قطاع غزة، ولكن امام هذا الهول واستباحة كل شيء على مرأى من العالم وعجزه عن حماية شعبنا، بدأنا نسمع اصوات للنساء فيما جرى بحقهن خلال الاعتقال وفي تلك السجون والمعكسرات الرهيبة بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، التعذيب، والضغط النفسي، خلع الحجاب بالقوة، اجبار الاسيرات على التعري، ملامسة اعضاءهن الحساسة، شتائم قذرة ومعيبة، وكل ذلك مصحوبا بالضرب والتنكيل والتعامل الوحشي حتى اصبح السجن كما تقول احدى الاسيرات قطعة من العذاب، وازداد هذا العذاب بعد 7 اكتوبر 2023، انه تلذذ الجنود والمحققين بالاضطهاد، جنود ساديون يتمتعون بايقاع الاذى والالم والتسبب بجروح نفسية في اعماق المعتقلين، جروح تبقى غائرة في النفس من المستحيل نسيانها مهما طال الزمان.
توقفت امام تقرير اممي صادم تم اعداده بشكل مشترك من قبل خمسة منظمات دولية والذي اشار الى توثيق 112 حالة اغتصاب بالمواقعة داخل سجون الاحتلال بحق اسيرات من غزة، وكان الاغتصاب جماعي، وان احدى هذه الحالات نقلت بأشراف دولي الى مكان سري وهي حامل، وقرأت شهادات الاسيرات عن الانتهاكات الجنسية التي يتعرضن لها منذ لحظة الاعتقال وخلال استجوابهن في مراكز التحقيق، وامام ذلك تفوقت سجون الاحتلال بهمجيتها وبربريتها على سجن غوانتنامو وابو غريب، تلك السجون التي شهدت عمليات التعذيب والاغتصاب والجنون والتي اصبحت وصمة عار في جبين العدالة الانسانية والعاجزة عن التدخل ومحاكمة مجرمي الحرب الذين يمارسون هذه الجرائم.
ما يجري في السجون الصهيونية اصبح اكبر واكثر فظاعة من مجرد حرمان الاسرى من كل حقوقهم الانسانية، ضربهم وعزلهم وتجويعهم وبتر اقدامهم وايديهم بسبب شد القيود بقسوة وتعمد، فمازالت هناك جدران واسوار فوق اسوار تحيط بالحقائق المفجعة عن عمليات الاغتصاب والتحرشات الجنسية بحق الاسرى والاسيرات، انه تاريخ القبح والحثالة الصهيوني، التشنيع وتشويه الحياة الانسانية بكل معانيها وقيمها ومبادئها، ابادة روحية وثقافية ونفسية بحق الانسان الاسير، تشويه الروح والبدن، اساليب منحطة اكثر فتكا من الصواريخ والقنابل والفسفور، فتاوي الانتقام وعمليات الاغتصاب هي الاشد والاعنف التي تمارس بحق الفلسطينيين، انه حكم الاعدام المستمر، تحويل الانسان الى حي وميت، ومحكوم عليه بالظلام الابدي.
عندما يغتصبون اختك ثم يغتصبونك ماذا تفعل؟ سؤال الحرب الشرسة التي يقاتل فيها الفلسطيني في المسافة الضيقة بين الروح والجسد، بين الارض والسماء، الصراع مع الالم الداخلي، انه الاحتراق النفسي، تحترق غزة وتحترق النفوس في الزنازين، ممارسات خطيرة على الجسد تقهر الروح والذات وتقوض الكينونة الانسانية وتهدمها من الداخل، انه الموت الصامت، الموت المكتوم، الاغتصاب لا تكشفه نيران وركام الحرب في غزة، الموت بألف جرح، تحويل الانسان الى مجرد جثة، لا معنى للحياة ولا معنى للهوية، والاغتصاب تقنية سيكولوجية للسيطرة على الانسان وتمزيقه حاضرا ومستقبلا، اكثر ارهابا من كل اساليب التعذيب التي عرفها التاريخ من الاعدام والشنق والصلب والتقطيع والغلي والسلخ والخازوق والموت بالغاز او الكرسي الكهربائي وغيرها، ماذا تفعل عندما يفصلون جسدك عن روحك؟ والروح هي جوهر الوجود.
عندما يغتصبون اختك ثم يغتصبونك ماذا تفعل؟ اين الحواس والعواطف والمشاعر والغضب، تعتيم شديد يجري خلف جدران السجون، صراخ ووجع وانسحاق بشري، اعادة هندسة الانسان جسدا وفكرا وذاكرة، رائحة عفنة للجنود الاسرائيليون ونشوات اجرامية غير مسبوقة، وقد اصبح التعذيب الجنسي ايديولوجيا استعمارية تعمل على اخضاع الفرد وتشكيله من جديد وافراغه من المحتوى الانساني قبل افراغه من المحتوى الثوري، وتحويل الانسان الى عبء على نفسه ومجتمعه، الاغتصاب يعمل في العمق مستهدفا القلب والارادة والفكر والاستعداد، ادخال الاسرى والاسيرات حالة من الضياع والصدمة ونفي الحضور الانساني، وعندما تسكت المدافع وتتوقف الطائرات عن القصف ستكتشف الكثير الكثير من الاشياء قد فقدت، ليس فقط الاحياء الذين استشهدوا، ليس فقط المنازل التي تحولت الى انقاض، وانما شهيتك للحياة، اثار مدمرة في داخلك يصعب اعمارها وترميمها، وهنا لا تنفع الحلول السياسية والاقتصادية، وهنا لا ينفع القانون الدولي الذي جرى اغتصابه عنوة على ايدي الدول الاستعمارية، انها اختك، انها امك، انها عرضك، شرفك وارضك، جسدك واحلامك وجمالك الانساني وكرامتك، صوتك يرتعش، حمل مخيف فوق كاهلك، تشنج وتصلب في شرايينك، كابوس طويل، رعب مختبئ في داخلك، ماذا تفعل؟
ايها الفلسطيني المغتصب من الوريد الى الوريد، اقرأ رواية ما تبقى لكم للكاتب الشهيد غسان كنفاني، اخرج من الذات المطحونة، واجمع كل قطرات الدماءعن وجهك واعضاءك المرضوضة الممزقة ومن حطام جسمك المشوه، اخرج من الذات الى الفعل، ومن الهموم الشخصية الى الهموم الوطنية الجمعية، انت البطل حامد الغزاوي في الرواية، واختك هي مريم، الساعة تدق والانتظار عقيم، لا ضرورة للالتفات الى الساعة او الى الوقت الذي ستستغرقه عملية العبور من العتمة الى الضوء، مريم قطعت الصحراء عائدة الى غزة بعد ان غسلت العار، وحامد يلتفت الى سلاحه وهو يلتقي الجلاد في خانيونس، لم يبق شيء نخسره، يقول حامد، في اعماقي حياة كأنها قنبلة، عليك ان تبني في نفسك شخصا لا يحتاج في اليوم الصعب الى ملجأ.