الداخل المحتل / PNN – عشية الزيارة السياسية الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي ستشمل السعودية وقطر والإمارات، بعد غد الثلاثاء، تعرب أوساطٌ في إسرائيل عن قلقها من تشوّش العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، وبين ترامب ونتنياهو، وعن احتمال تفويت فرصة تاريخية للتطبيع مع السعودية.
من المحتمل جداً أن هذه الأوساط السياسية والإعلامية في إسرائيل تبالغ في تصوير الوضع كأنه مأزوم مع الحليفة الأكبر، الولايات المتحدة.
ربما هي محاولة أمريكية للتخفيف عن المضيفين العرب عند استقبال ترامب مع استمرار المذبحة داخل قطاع غزة من خلال تصريحات وتسريبات عن تباين أو تناقض الرؤى والمواقف الأمريكية عن تلك الإسرائيلية، في ظل عناد نتنياهو بمواصلة الحرب لأسباب غريبة ترتبط بمستقبل حكومته.
كذلك هناك في إسرائيل من يعمل على تضخيم “الأزمة” بين الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة من جهة المعارضين في السياسة والرأي العام لنتنياهو ضمن مساعي الطعن به وبزعامته من خلال القول إنه يواصل إلحاق الأضرار الكبيرة بإسرائيل لدرجة المساس بالعلاقات الإستراتيجية مع الراعية الداعمة الأولى لإسرائيل.
الواضح والثابت أن ترامب رئيس أمريكي نزق، شعبوي، ومتقلّب المزاج، ينقلب على نفسه عدة مرات، منذ بداية ولايته الثانية، ففي مختلف المجالات صدرت عنه تصريحات ومواقف متباينة ومتناقضة تماماً. وعلى خلفية العبث بمقدرات العالم ونظامه العام، ربما ينقلب الأمريكيون على رئيسهم المدمن على العناوين الصحافية، ويرى العالم من ثقب العملة النقدية، ومشغول بالصفقات التجارية بالأساس.
على خلفية ذلك، يذهب محلل الشؤون الاقتصادية والسياسية في “يديعوت أحرونوت” سيفر بلوتسكر للانشغال بترامب نفسه، وليس بزيارته، فيقول، في مقاله اليوم الأحد، إن شكسبير في مسرحية “العين بالعين” كتب أن العالم مسرح واحد كبير، وأن كل الرجال والنساء ممثلون فيه، وأن هذا العام سرقت المنصة المسرحية العالمية من قبل ممثل عجوز واحد يلعب تارة دور المهرج وتارة دور الشيطان، ويدعى دونالد ترامب، عقله على حافة التشوش فينتج ويقدّم أفكاراً ومواقف وتصريحات فارغة، غريبة عجيبة ومتناقضة وفيها بلبلة. مرجحاً أن يفيض بالأمريكيين والغرب ويملّون منه، فهو غير جدير لقيادة العالم الغربي، وهو يعود للطفولة الثانية، ولحالة النسيان التامة، كما كتب شكسبير في المونولوج المثير عن الإنسان في مسرحية “العين بالعين والسنّ بالسنّ”.
لكن عدداً كبيراً من المراقبين في إسرائيل يعرب عن قلقه من مواقف وتصريحات وشيكة لترامب، استمراراً للقلق من مواقفه حيال غزة والمساعدات الإنسانية ووقف الحرب وعدم اشتراط الاتفاق مع السعودية بتطبيع مع إسرائيل، والاتفاق القريب غير الصارم مع إيران وغيره.
ويعكس كاريكاتير صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، حالة القلق والإحباط المعلنة في إسرائيل، إذ يبدو فيه نتنياهو، وبين يديه صورة ترامب قد أنزلها من حائط صالون بيته، يحدّق بها، ومن خلفه زوجته سارة متكئة على الباب بثياب النوم، وهي تتساءل: ربما غيّر رقم تلفونه؟
على مسافة يومين من زيارة ترامب التي توصف بالتاريخية، تتصاعد حالة الترقّب والقلق والتساؤل المعلنة في إسرائيل عن وجهة ترامب، هل يباغتها من جديد، كما فعل في موضوع المفاوضات المباشرة مع “حماس”، ولاحقاً مع إيران، وفي الاتفاق مع الحوثيين الذين وصفهم بالشجعان؟ وما الذي سيرد في تصريحاته قبيل وخلال الزيارة بعدما تحدّث عن أنباء كبيرة وإيجابية في الأسبوع الماضي؟
في ظل هذه المفاجآت والضبابية تكثر التقديرات والترجيحات في إسرائيل؛ هل سيعترف بدولة فلسطينية؟ وهو خيار نفاه السفير الأمريكي في البلاد بشكل قاطع، أم سيذهب ترامب لإعلان نهاية الحرب؟ أو إعلان صفقة مع “حماس”؟ أو منح السعودية فرصة لتخصيب يورانيوم على أراضيها والسماح لها ببناء فرن نووي لأغراض مدنية..
حتى في ديوان رئاسة الوزراء لا يعرفون ماذا سيقول ترامب، ورؤساؤه يستطيعون التخمين فقط ماذا سيقول من اعتُبر صديقاً شخصياً لنتنياهو. هكذا تقول بلغة ساخرة صحيفة “هآرتس” في عنوانها الرئيس، اليوم، وهي تنقل عن مقربيّن من نتنياهو قولهم إنهم “ببساطة لا يعرفون”.
وترجّح “هآرتس” أن هناك ثلاث قضايا تنطوي على طاقة تفجير ترتبط بزيارة ترامب القريبة.
الأولى: قضية المساعدات الإنسانية، إذ هناك اتفاق أمريكي إسرائيلي حول توزيعها لكن لا توجد دولة مستعدة للتمويل.
والقضية الثانية: إنهاء الحرب، إذ هناك احتمال أن يعلن ترامب مقترحاً لوقف النار وتحرير المخطوفين، منوهة أنه بحال رفضته الأطراف ربما يهمل ترامب المنطقة والحرب، ويجعلها تستمر إلى ما شاء الله دون اكتراث بمصيرها.
أما القضية الثالثة، طبقاً لـ”هآرتس”، فهي إيران.
وهنا تضيف: “نتنياهو لا يملك في هذه القضية أي تأثير، وفي مثل هذه الصلحة بين واشنطن وطهران سيكون دور تل أبيب أضحية القربان فقط”.
ضمن القلق الإسرائيلي يشير محرّر الشؤون الشرق أوسطية في صحيفة “هآرتس” تسفي بار إيل لاحتمال خسارة إسرائيل عدة مرات في هذا الوضع الراهن: ضوء أخضر أمريكي لنووي سعودي لأغراض سلمية، دون اشتراط ذلك بتطبيع مع إسرائيل، وسحب البساط من تحت طلب منع إيران من نووي مدني، لأنه سيصبح عندئذ مسموحاً لغيرها: السعودية.
وهذا ما يؤكده المعلق السياسي في “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني، الذي يرى أن التهديد الأكبر على محور الشرّ (محور المقاومة) هو التطبيع مع السعودية، لكن نتنياهو، الخائف على مستقبل الحكومة، يتمسّك بالأسطوانة المشروخة: “تدمير حماس”.
ويقول بن يميني إن نتنياهو يعطّل بذلك هذه الإمكانية بكلتا يديه، والنتيجة هي أن إسرائيل معزولة وأكثر ضعفاً وعالقة في وحل غزة. ويخلص للقول: “مع زيارة ترامب علينا منع الضربة الإستراتيجية الأكبر منذ السابع من أكتوبر”.
ويتبعه زميله المحلل السياسي البارز شيمعون شيفر، الذي يرثي، هو الآخر، الحالة الإسرائيلية في ظل تفويت فرصة للتطبيع مع السعودية، علاوة على دعوة جديدة لوقف الحرب.
في نهاية المطاف، ورغم هذا القلق المتصاعد في إسرائيل بعد تصريحاته وخطواته في الفترة الأخيرة، وقبل زيارته للمنطقة بعد غد، يبقى الامتحان في الأفعال، والأمور في خواتيمها: بعد نهاية الزيارة، يوم الجمعة القادم، هل يتراجع الدعم الأمريكي السخي لإسرائيل في كل الساحات؟
هذا القفز عن إسرائيل في زيارة ترامب للمنطقة هل فعلاً ينطوي على معنى سياسي كبير وعملي؟ في الولاية الأولى أيضاً اختار ترامب بدء جولته في المنطقة بزيارة الرياض، ولم تشمل تل أبيب، وما لبث أن نقل السفارة من تل أبيب للقدس المحتلة، وضمّ الإمارات والبحرين لدائرة التطبيع، وغيرها من الخطوات الداعمة لإسرائيل.
وربما ينسحب ترامب من موضوع حرب إسرائيل على غزة، ونتنياهو يواصل مخططه وغيّه: حرب أشد في غزة يحرق ما تبقى فيها، كما يحذّر المحلل السياسي في “هآرتس” جدعون ليفي، اليوم، إذ يقول، وبحق، إن تدمير “حماس” يعني تدمير غزة. وطبعاً تدمير وقتل الأسرى الإسرائيليين، رغم صرخات الاستغاثة في الفيديوهات المتتالية القادمة من غزة، حيث يحاول نتنياهو التظاهر بأنه يهتم بها، كما فعل اليوم في خطوة علاقات عامة بزيارة عائلة الجندي الإسرائيلي المفقود منذ معركة سلطان يعقوب ضمن حرب لبنان الأولى عام 1982 لتبليغ عائلته باستعادة رفاته، وكأنه يحاول القول إنه صادق في أقواله بأنه مهتم باستعادة كل أسير.
من غير المستبعد أن تنتهي زيارة ترامب، الجمعة، لتبدأ حملة عسكرية جديدة (مراكب جدعون)، في محاولة يائسة، أو مغامرة، للظفر بصورة انتصار تنقذه علّها تبقيه في التاريخ والحكم.
وهكذا في الضفة الغربية المحتلة، التي تشهد حرباً من نوع مختلف، تعبّر عنها صحيفة “هآرتس”، في افتتاحية بعنوان “هكذا يبدو الآبرتهايد” تتوقف فيها عند اعتداءات وجرائم المستوطنين، خاصة في قرية كفل حارس في محافظة سلفيت حيث يدخل مئات المستوطنين والجنود لزيارة مقام إسلامي في القرية، يزعم الاحتلال أنه ضريح يهوشع بن نون، الذي قاد اليهود للبلاد بعد وفاة النبي موسى، وفقاً للتقاليد اليهودية.
المصدر / القدس العربي