[[{“value”:”
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام
قال ساري عرابي – الكاتب والمحلل السياسي- إن أداء المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بعد ٨ أشهر من طوفان الأقصى وبدء حرب الإبادة الجماعية يفاجئ الكثيرين كما عملية السابع من أكتوبر.
وأوضح عرابي في حوار شامل مع المركز الفلسطيني للإعلام أن أول المتفاجئين من أداء المقاومة هو الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية الذين كانوا يعتقدون أن الحرب ستدوم أياما وبعدها تحدثوا عن أسابيع وأشهر وحاليا يتحدثون عن سنوات.
وأكد أن المقاومة تبلي بلاء حسنا وهي تصمد صمودا أسطوريا بكل ما للكلمة من معنى نظراً لفارق القوة الذي يميل لصالح الاحتلال بأضعاف كبيرة.
وأشار إلى أن إسرائيل الدولة التي تمتلك ترسانة أسلحة كبيرة جدا ومدعومة من دول العالم تواجه مقاومة محاصرة في بقعة جغرافية محدودة بأسلحة بسيطة وهي التي تفقد الظهير الخلفي.
وأكد أن هذه الاعتبارات تجعل المقارنة غير ممكنة ولا بأي حال من الأحوال ولكن ورغم ذلك تمكنت المقاومة خلال الأشهر الماضية من الحفاظ على وتيرة عالية من التصدي للاحتلال بزخم كبير ضمن كمائن معقدة ومركبة.
كما أنها حافظت على بنيتها التنظيمية وغرف القيادة والاتصال والسيطرة وتمكنت من إدارة عملية إعلامية ودعائية بكفاءة عالية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في مخاطبة العالم، وفق عرابي.
وتابع أن الاحتلال فشل بتفكيك كتائب القسام وفشل أيضا في الوصول إلى الأنفاق وإن وصل إلى بعضها.
وقال عرابي: المقاومة كانت قادرة على تعويض النقص الإداري والبشري وإعادة التكيف مع المجريات والتحولات الحاصلة في غزة.
ومضى يقول: المقاومة تكيفت مع الأحوال الأمنية الجديدة في غزة مع انغماس الاحتلال داخل القطاع رغم انكشافه بصورة كاملة للاستطلاع الإسرائيلي.
وأكد عرابي أننا أمام حرب مسعورة ولا مجال للمقارنة بين إمكانيات الاحتلال والمقاومة إلا أنها تمكنت من الصمود ومن تقديم أداء عسكري مذهل.
تحولات مهمة
ويرى عرابي أن الحرب في قطاع غزة بدأت في خلق تحولات عالمية مهمة أهمها أن الاحتلال ولأول مرة بات ملاحقا من المؤسسات الدولية التي تمثل النظام الدولي الذي يحمي الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد عرابي هذه المؤسسات باختلافها لم تعد قادرة على إنكار جرائم الاحتلال ورغم كل الملاحظات على هذه المؤسسات وقراراتها مثل محكمة العدل الدولية والجنايات الدولية فإنه ولأول مرة يلاحق الاحتلال ويصبح قادته مطلوبين للمحاكم موسما بالإبادة الجماعية.
وعن السردية الإسرائيلية التي بنى الاحتلال حربه عليها بدأت تلك السردية تنحسر لصالح السردية الفلسطينية في العالم العربي والدولي لاسيما داخل أوروبا والولايات المتحدة، وفق عرابي الذي أكد أنها تحولات فاجأت إدارة بايدن الذي لم تتوقع أن تتلاشى السردية الإسرائيلية بالولايات المتحدة بهذه السرعة.
وأوضح عرابي أن بايدن أبدى حزنه من انتصار السردية الفلسطينية على الرواية الأمريكية وهذا بدأ في مظاهرات الجامعات الأمريكية والنخب الأمريكية ما سيؤدي إلى تغيرات كبيرة بالصراعات الحقيقية.
وأكد أن حرب غزة أحدثت خلخلة في بنية النظام الدولي والوعي العالمي ومثلت نوعاً من التنوير والتسييس والتثقيف في العالم لحقائق الصراع في العالم وأدوات الهيمنة على العالم مثل هيمنة واشنطن على العالم وهذا جاء في ظروف متحولة مثل الحرب الروسية الأوكرانية والصراع الضمني الأمريكي الصيني وحالة الخلخلة في العالم العربي بعد الثورات العربية.
وأوضح أن هذه التحولات بطيئة بالنسبة للابادة الجماعية بغزة وقال: كنا نتحدث عن عالم مضبوط وتتحكم فيه واشنطن بشكل مطلق لكن ما أحدثه الحرب سيكون له مفعوله على المستويات المتوسطة والبعيدة.
أهداف الاحتلال من الحرب
يقول عرابي حول أهداف الحرب إن الاحتلال له هدفين بارزين هما تدمير قطاع غزة وتدمير الحياة الحضرية وتحويل القطاع إلى مكان طارد للحياة وتشجيع الهجرة الطوعية.
وقال في معرض حواره مع المركز الفلسطيني للإعلام إنه لا يمكن إنكار أن الاحتلال حقق هدفه بتدمير قطاع غزة ومزق العديد من العائلات بعمليات الإبادة الجماعية وحوّل غزة إلى أرض نزوح وإن كان قد فشل بتهجير الفلسطينيين قسرا مرة واحدة من داخل غزة إلى خارجها.
واستدرك عرابي أن الاحتلال يراهن على حدوث عمليات هجرة طوعية بالتدريج.
وأكد أن الفلسطينيين لا ينكرون الثمن الباهظ الذي يدفعونه في هذه الحرب ولا يمكن التقليل من التدمير الشامل الحادث في القطاع على كل المستويات.
ولكن بالحديث عن أهداف الاحتلال المعلنة بتدمير حركة حماس والقضاء على قدراتها العسكرية والسلطوية واستعادة الأسرى فلا شك أنه فشل بشكل يساهم في الانكشاف الاستراتيجي للاحتلال لأن عملية طوفان الأقصى كشفت الاحتلال استراتيجياً وبرهنت على أن الاحتلال الإسرائيلي يمكن هزيمته وإلحاق المذلة فيه، وفق الكاتب سراي عرابي.
كما أن طول الحرب في قطاع غزة دلل على أن الجيش الإسرائيلي جيش يمكن قهره وأن هذا الجيش الإسرائيلي المدعوم من دول عظمى يفشل في غزة طيلة هذه الأشهر.
وزاد قائلاً: الاحتلال يخوض الحرب الأطول في تاريخه مقابل حركة محاصرة مسلحة بأسلحة بسيطة في بيئة مكشوفة ما يدلل على هزيمته وعدم قدرته على تحقيق الأهداف وهو أمر له ما بعده.
وأضاف أن تدمير قطاع غزة أمر خطير وإن كان قادراً على تدمير أي شيء في فلسطين لما يمتلك من سلاح وهذا أمر لا يسجل للاحتلال نصرا ولكن هو فشل استراتيجي ذريع لعدم تحقيقه أي من الأهداف المعلنة.
منجزات المقاومة
وعن منجزات المقاومة الفلسطينية قال: من المبكر الحديث عن منجزات للمقاومة ويرجع لسبب تحدثت عنه وهو طبيعة الأثمان الباهظة التي يدفعها السكان في غزة والحرب لم تضع أوزارها بعد.
ولكن يمكن الحديث عن منجزات على المستوى البعيد وهي إعادة إحياء القضية الفلسطينية ونتحدث عن ضرب السردية الصهيونية في مقتل على المستوى العالمي وإعادة تسيس الجماهير العربية ولفت انتباهها لما يجري في فلسطين بعد سنوات من محاولات طمس القضية الفلسطينية في وعي الجماهير العربية وفق حديث عرابي.
وأشار إلى أن صمود المقاومة ساهم في إفشال الإجماع الإسرائيلي على قرار الحرب حيث كانت إسرائيل في بداية الحرب موحدة ولكن صمود المقاومة ساهم في تصعيد ملف الأسرى الإسرائيليين إلى صدارة النقاش في إسرائيل بعد أن كان مغموسا ومهملا والآن هناك انقسامات في كيفية الحرب وملفاتها وهذا سببه صمود المقاومة.
وأضاف: بات العالم يتحدث عن القضية الفلسطينية وأن الأحداث لم تبدأ من يوم السابع من أكتوبر وإنما المشكلة تتعلق بالاحتلال لفلسطين، مشيرا إلى أن هناك تحولات لا ترقى لطموحات أصحاب المشاريع الجذرية على مستوى حركات التحرر الوطني ولكنها تراكميا مهمة جدا مهم أن يلاحق الاحتلال على المستوى الدولي ومهم أن تعترف دول بدولة فلسطين بغض النظر عن رأينا بهذا الاعتراف وفي سياقاته المختلفة ومن المهم انكشاف السردية الإسرائيلية.
وقال عرابي: الأهم من ذلك أن تبدو دولة الاحتلال في معضلة استراتيجية مهتزة غير قادرة على اتخاذ قرارات محددة.. لأن سلوك الاحتلال أعاد القضية الفلسطينية إلى الصدارة.
يضاف إلى ذلك – وفق عرابي- أن يُضرب الاحتلال من أكثر من جبهة في الإقليم العربي وهذا تحول استراتيجي خلقته المقاومة في غزة لكن حتى اللحظة نتحدث عن أهداف متوسطة المدى وبعيدة المدى بدأت ملامحها تظهر على المستوى الفوري وهو صمود المقاومة وهو مهم وساهم في خلخلة الإجماع الإسرائيلي.
حراك الجامعات الأمريكية
يسترسل ساري عرابي في حديثه لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام أن الحراك داخل الجامعات الأمريكية مهم وله عدد من العوامل منها التضحيات وصمود المقاومة، مشيرا إلى أن أهل غزة وصمودهم وتضحياتهم هم وراء هذا الحراك.
ونبه إلى أن قادة هذا الحراك هم طلبة من جذور فلسطينية وعربية وملونة ووجود طلاب يهود في هذا الحراك وهو أمر مهم ولافت ومقلق للنخب التي تسيطر على الولايات المتحدة الأمريكية بكل مستوياتها وهو تحول مهم ولو أمكن الطلبة المحافظة والبناء عليه وحافظوا على وعيهم وتمكنوا من البناء عليه في مجالات العمل التي سينخرطون فيها لاحقاً فلا شك أنه هو أمر هام.
وعن الحراك في الضفة الغربية فقد أكد عرابي أنه دون المطلوب لكثير من الاعتبارات وأهمها سياسات السلطة الفلسطينية التي ساهمت في شل قدرة الفلسطينيين في أن يكون دورهم فعال تجاه ما يحدث.
وأضاف: الاعتبار الثاني هو وقوع الضفة تحت احتلال مباشر استنزفها بالاعتقالات والسياسات المختلفة والتي جعلت إمكانيات الجماهير بالمواجهة أقل بكثير من الماضي.
وقال عرابي: العامل الأساسي بالإضافة لسياسات الاحتلال هو سياسات السلطة واستدرك قائلا ورغم ذلك فهناك حالة اشتباك يومي مع الاحتلال بالضفة وارتقاء شهداء مع وجود تشكيلات عسكرية في كثير من المناطق مع استمرار العمليات الفدائية الفردية والمنظمة.
وأشار إلى أن الاحتلال نفذ حملة اعتقالات كبرى طالت أكثر من ٨ آلاف فلسطيني هم من قادة الرأي ومنظمي الحراكات والمظاهرات. كما أغلقت الجامعات وأصبح الدوام إلكترونيا مع أكثر من ٧٠٠ حاجز.
ويتابع عرابي: لا يمكن إنكار التطورات قبل طوفان الأقصى من توسع المقاومة وعملية كاسر الأمواج التي تستهدف المقاومة. كان يرى في عام ٢٠٢٢ بأنه عام عالي المقاومة لكن مع بدء الإبادة الجماعية أصبح يرى بأنه أقل من المطلوب.
الدور الأمريكي
وقال الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إن الولايات المتحدة الأمريكية قلبا وقالباً مع الاحتلال الإسرائيلي وهي تدعمه في حرب الإبادة.
وأشار إلى أنه لا يوجد خلافات بين الاحتلال والإدارة الأمريكية لكن هي تباينات ووجهات نظر لأطراف متحدين على طاولة واحدة.
وبين أن واشنطن تريد تحقيق أهداف الحرب بالقضاء التام على حركة حماس والخلاف بينهما حول تكتيكات الحرب وإدارتها وليس على المبدأ.
وأوضح أن أسوأ ما في هذه الحرب أنها حرب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وأن تصريحات واشنطن كلها كاذبة وزائفة.
سيناريوهات الحرب الدائرة
وحول التوقعات لهذه الحرب فقد قال عرابي هي حرب مختلفة على المستوى الفلسطيني والإسرائيلي.
وأكد أنها غير مسبوقة في تاريخ الصراع ما ينبئ بتعقيدات حولها وصعوبة التنبؤ بمساراتها.
وقال: لم يكن للاحتلال أن يمر على عملية طوفان الأقصى التي ضربته في مقتل وجرحت الكبرياء الإسرائيلي وبالتالي الرد على هجوم السابع من أكتوبر مسألة استراتيجية والى حد ما إن تصوير الحرب وجودية وإن كان فيه مبالغة فهو يحمل صحة لأنه مس الجيش والأمن الإسرائيلي. كما أن فشل الاحتلال في تحقيق أهداف الحرب يجعل الإسرائيلي يواصل الحرب.
ووفق عرابي فإن توليفة الحكومة المتطرفة في إسرائيل تؤكد أن الأمور صعبة وأنهم يولون أهمية لإعادة احتلال قطاع غزة وليس وقف الحرب.
“}]]