غزة / PNN – داس طلبة المدارس في غزة على مخططات التجهيل التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فرضها، إذ التحقوا بمبادرات التعليم التي تنظم في خيام النزوح، وما تبقّى من مدارس.
والتحق مئات الطلبة بالحلقات الدراسية في شتى مناطق النزوح المنتشرة في قطاع غزة التي جاءت بدعم من عدة مؤسسات دولية كمنظمة “اليونسيف”، وأخرى بمبادرة فردية، رغم انشغال معظمهم بتعبئة المياه والوقوف في طوابير طويلة للحصول على الخبز والطعام.
وقال مسؤول إحدى مبادرات التعليم في مدينة حمد شمال غرب محافظة خان يونس أسامة الجزار، إنه قام بمبادرة شخصية لتعليم طلبة الثانوية العامة “التوجيهي” مواليد 2006، بعد أن أعلنت الجهات الداعمة للتعليم في القطاع عدم تمكنها من تغطية تعليمهم.
وأشار الجزار إلى أن هذه المبادرة تضم نخبة من المعلمين مكونة من 16 معلمًا ومعلمة يعلّمون الطلبة في الخيام وتحت ما تبقّى من مظلات العمارات في مدينة حمد من أجل تجاوز المحنة التي يمر بها شعبنا، وكذلك من أجل حصولهم على شهادة الثانوية العامة.
ولفت إلى أنه التحق بتلك المبادرة أكثر من 250 طالبًا وطالبةً، آملًا أن تجد دعمًا من أجل التخفيف عن الملتحقين بها وإيجاد بيئة مناسبة للتعليم.
وأضاف أن هناك مبادرة ثانية وهي “مبادرة إشراقة أمل” تهتم بالطلبة من الصف التمهيدي 2019 مرورًا بالصف الأول حتى الصف الرابع الأساسي، وتضم 35 معلمًا ومعلمة، وما يقارب الـ 1200 طالب، وهي تعمل بنظام ثلاث فترات يوميًا، وسيتم فيها تعليم الرزم المقررة من وزارة التربية والتعليم العالي.
من جانبه، قال رئيس فريق خادم نضال الرنتيسي، إن هذه المبادرة تعمل على فتح ساحة آمنة للتعليم والترفيه، حيث يتم العمل على حماية مستقبل الأطفال في مواجهة التحديات التي تفرضها الظروف الناجمة عن سياسات الاحتلال الرامية إلى التجهيل، مشيرًا إلى أن التعليم حق لا يمكن التنازل عنه، وهو مسؤولية مجتمعية ووطنية تقع على عاتق الجميع.
وأضاف الرنتيسي، أن المساحة الجديدة في مدينة حمد التي تم أُنشئت بالتعاون مع فريق “إشراقة أمل” برعاية مؤسسة “أنيرا”، تهدف إلى توفير بيئة تعليمية وترفيهية آمنة تجمع بين المعرفة والمرح، ما يعزز النمو النفسي والاجتماعي للأطفال، ويساهم في بناء جيل واع ومتعلم. وتُظهر هذه المبادرة أهمية التكافل الاجتماعي لتوفير مستقبل أفضل للأطفال رغم كل التحديات.
وافتُتح في خان يونس العديد من المدارس في الخيام، وأخرى فيما تبقّى من مباني المدارس وهي غير آمنة ولا تصلح للتعليم وتحفها المخاطر من كل جانب، إلا أن الطلبة يصرون على الالتحاق بها رغم افتقارها إلى أي أثاث مدرسي ولا قرطاسية، في مشهد يعيد إلى الأذهان نظام الكتاتيب القديمة حيث يجلس الطلبة على الأرض ويكتب المعلمون على جدران الفصل إن وُجدت أو على لوح من الصفيح أو من خلال عملية التلقين شفهيًا والكتابة على الدفاتر وكراسات الطلبة التي لا يمتلكها الكثير منهم.
وتضم تلك المدارس الطلبة من كلا الجنسين بواقع ثلاثة أيام للطلاب وثلاثة أخرى للطالبات، وتفتقر هذه المبادرات إلى الفصول والخيام الكافية للتعليم، فتم تقسيم اليوم الدراسي إلى أربع فترات موزعة، كل فترة ساعتين بواقع ثلاث حصص يوميًا يتم فيها تععليم المواد الأساسية كاللغة العربية والإنجليزية والرياضيات والعلوم، ويتخللها استراحة لمدة عشر دقائق بين الحصتين الثانية والثالثة.
وقالت معلمة اللغة العربية نائلة محمود إنها التحقت بإحدى مبادرات التعليم من أجل إيصال رسالة العلم التي حملت أمانة توصيلها إلى الطلبة ومن أجل بناء جيل متعلم حاول الاحتلال بكل ما أوتي من قوة تجهيله من خلال قتل الطلبة والمعلمين أولًا، ومن خلال قصف الجامعات والمدارس ورياض الأطفال ونسفها.
وذكرت محمود، أنه يوجد إقبال كبير من الطلبة للالتحاق بتلك المبادرات خاصة أنها تقدم زبدة المنهاج الدراسي الذي لخصته لجنة المناهج في وزارة التربية والتعليم العالي، في رزم مختصرة تضم في طياتها أهم ما تحتويه المادة التعليمية من أجل استدراك ما فات.
ولفتت إلى أن الملتحقين بهذه المبادرات سيحصلون على شهادة عامين من خلال حصول الطالب في الفصل الأول على شهادة العام الذي كان مقيدًا فيه قبل الحرب، وفي الفصل الثاني يحصل على شهادة العام الذي من المفترض أن يكون مقيدًا فيه هذا العام، وبذلك يكون الطالب قد تجاوز عامين دراسيين كاملين، وحصل على أهم المواد التعليمية حسب خطة الوزارة التي أقرتها لاستدراك طلبة القطاع ما فاتهم.
ومن جانبه، أشار المرشد التربوي علي حمدان إلى أن هذه المبادرات جيدة بالنسبة إلى الطلبة من الناحية النفسية والعقلية والجسمانية، خاصة بعد انقطاعهم عن الدراسة لفترة تزيد على العام فقدوا خلالها الكثير من العلم وبناء الشخصية، آملًا أن يتمكن باقي الطلبة من كلا الجنسين من الالتحاق بقطار التعليم.
وأضاف، أن الأسبوع الأول خُصص للترفيه عن الطلبة والتمهيد لما هو آتٍ بعد هذا الانقطاع الطويل، ومن أجل تذليل الصعاب أمامه لاستعادة بعض من حياتهم السابقة قبل الحرب، ومحاولة دمجهم من جديد في المدارس.
وقال الطالب محمد حسين في الصف الثامن، إنه التحق بمبادرات التعليم التي تدعمها وزارة التربية والتعليم ومؤسسات دولية تهتم بالطفولة والتعليم رغم الخطر الذي يعيشه هو وأقرانه، بسبب الحرب الإسرائيلية واستهداف المدارس بشكل دائم وقصف الخيام.
ولفت إلى أن السلاح الذي نحارب به مخططات الاحتلال الإسرائيلي لتجهيل شعبنا هو سلاح الالتحاق بالتعليم والحصول على الشهادات التي تعد الخطوة الأولى في طريق بناء دولتنا والتحرر من الاحتلال.
من جانبه، قال الطالب يوسف مطر، إن عائلته مكونة من تسعة أفراد ونزحت من محافظة غزة بفعل الحرب، واستقر بها المطاف في “دكان”، وإنهم عائلة تحب العلم والتعلم وقد التحق هو وإخوانه وأخواته السبعة بمبادرات التعليم من أجل استدراك ما فاتهم في العامين الماضي والحالي رغم انشغالهم بجمع الحطب تارة وتعبئة المياه والاصطفاف في طابور التكية والخبز تارة أخرى، متمنيًا أن تكون هناك بيئة تعليمية أفضل من البيئة الحالية، خاصة أنهم يجلسون على الأرض وأن الأجواء الباردة بدأت تتسلل إليهم رويدًا رويدًا.
وأضاف: لدي شقيقتان في الثانوية العامة، ولأننا نعيش في دكان والمكان ضيق، نقضي أنا وإخوتي الصغار أغلب نهارنا في الشارع على باب الدكان من أجل خلق بيئة مناسبة لهم للدراسة، خاصة أن أخواتي متفوقات في الدراسة.
يشار إلى أن عدوان الاحتلال حرم أكثر من 630 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يضاف إليهم أكثر من 58 ألفاً يُفترض أن يلتحقوا بالصف الأول في العام الدراسي الجديد، فضلا عن 39 ألفاً ممن لم يتقدموا لامتحان الثانوية العامة.
وخلّفت الحرب على غزة أكثر من 25,000 طفل ما بين شهيد وجريح، منهم ما يزيد على 10,000 من طلبة المدارس، وسط تدمير 90% من مباني المدارس الحكومية البالغ عدد أبنيتها 307.
فيما تحولت أغلبية المدارس التي تديرها “الأونروا” (نحو 200) في قطاع غزة، إلى مراكز إيواء للنازحين، كما تعرضت 70% منها للقصف، حيث تم تدمير بعضها بالكامل، وتضررت أخرى بشكل كبير، وحسب الأونروا فإن أربعة من كل خمسة مبانٍ مدرسية في غزة تعرضت لضربات مباشرة أو تضررت، كما تحولت أغلبية المدارس الحكومية القائمة أو شبه القائمة لمراكز إيواء تضم في جنباتها آلاف النازحين، الأمر الذي يعيق الانتظام بالعملية التعليمية.
ولم يحالف عشرات آلاف الطلبة في قطاع غزة الحظ بالالتحاق بالمبادرات التعليمية لعدم قدرة هذه المبادرات على استيعاب الأعداد الكبيرة من الطلبة، وعدم وجود أماكن آمنة تحتضنهم، وعدم وجود بيئية تعليمية سليمة، ولا يزالون ينتظرون الظروف الملائمة للتعليم للالتحاق بها.