[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
“كنت في قمة العجز، لم أستطع فعل أي شيء”.. بهذه الكلمات استهل أحمد الدلو حديثه عن الليلة الدامية التي التهمت فيها نيران الصواريخ الإسرائيلية جسده ابنه شعبان، وشهد العالم على استشهاده حرقاً وثلاثة آخرين من النازحين بينهم زوجته.
يقول أحمد النازح من مدينة غزة: الموقف صعب جدا، صعب جدا أن يتخيله أي بشر يشوف ابنه مولعة فيه النار ومش قادر يعمل أي شيء”.
ولم ينجو أحمد هو الآخر من الحريق الكبير الذي امتد على نحو 30 خيمة داخل ساحة مستشفى شهداء الأقصى، كونها مصنوعة من النايلون والأقمشة السريعة الاشتعال، فقد أصيب الأب لخمسة من الأبناء بحروق من الدرجة الثانية في وجهه ويده اليمنى.
ولم تمنعه تلك الحروق الشديدة من محاولة إنقاذ أطفاله الآخرين، “أنقذت أبنائي وبناتي الصغار، في تلك اللحظة كانت النار ملتهمة شعبان.. استسلمت وطلبت منه السماح لأني لم أستطع فعل شيء، وانزويت بعيداً بشعور لا أستطيع وصفه.. كنت عاجز كلياً.. أرى فلذة كبدي تشتعل فيه النيران دون أن أستطيع ردها عنه”.
من يسمع المناشدة؟
وطالب “أبو شعبان” أصحاب القرار، ومن بيدهم المسؤولية، وأصحاب الضمائر الحية والإنسانية، والمنظمات الدولية بإنقاذ من تبقى من أبنائه وتحويلهم للعلاج في الخارج”، مبينا أن اثنين من أبنائه منومين في المستشفى على أسرة العناية المركزة.
خص الأب المكلوم الذي فقد أيضاً زوجته في واقع القصف الأليمة، بالمناشدة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني عبدالله الثاني، وخاطبهم بالقول: ” أناشد وأتوسل وأترجى بكل المفردات التي تحمل هذه المعاني، انظروا لأولادي بمكان أولادكم. أولادي في العناية المركزة ممكن في أي لحظة يأتي خبر-لا سمح الله”.
وشعبان الدلو (20 عاما)، حلم يوماً بأن يصبح طبيباً لكن رجائه بالحصول على منحة لم يتحقق كما كانت تأمل وتسعى أمه الشهيدة “آلاء” التي قضت حرقاً أيضا في الليلة ذاتها، فظروفه الأسرية لا تسمح بتحمل عبء نفقات كلية الطب، حيث يعمل والده سائقا منذ فقد حرفته في مجال الخياطة قبل 18 عام حين أطبق الاحتلال الحصار على قطاع غزة.
واتجه الشاب الوسيم الحاصل على معدل 97% في الثانوية العامة إلى دراسة هندسة البرمجيات في جامعة الأزهر، واجتهد كثيراً ليطور من لغته الإنجليزية، فقد ظهر في فيديو نشره على شبكات التواصل الاجتماعي محدثاً العالم عما يجري في محيطه عن حرب التجويع الهمجية، وكيف نزح للمرة الخامسة واستقر بهم الحال في ساحة مستشفى شهداء الأقصى.
لم يكن شعبان شابا عادياً إذ أخذ الابن البكر على عاتقه دعم وإسناد والده في رعاية الأسرة المكونة من 6 أفراد، عانوا كسائر النازحين من النزوح المتكرر والتشرد ومحدودية الغذاء والنقص الحاد في الأدوية.
ويروي شقيقه محمد، تفاصيل استشهاد شعبان ووالدته وكيف احتراقهما صواريخ الإبادة الإسرائيلية كليًّا، في سابع قصف يطال خيام النازحين بمستشفى شهداء وسط القطاع.
ويقول محمد إن شعبان نجا من قصف إسرائيلي لمسجد مقابل المستشفى في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وأنه أصيب في القصف بجروح متفاوتة في الرأس.
ويوضح محمد، أن شعبان كان دائمًا ينام في المسجد، إلا أنه عاد لينام في خيام العائلة على أثر قصف المسجد الذي تسبب في إصابته، مشيرًا إلى أنه كان يتسابق مع أصدقائه في سرد القرآن الكريم.
“نجوت بأعجوبة”
ويضيف: “في قصف المسجد نجا شعبان بمعجزة، ولكنه لم ينج من قصف خيام النازحين واحترق هو ووالدتي بالكامل، متابعًا “كان أبي وإخوتي في الخيمة ذاتها، ووالدي حاول إنقاذ الجميع لكنه تمكن من إنقاذ أختي وشقيقي الأصغر”.
وتابع محمد والدموع تملأ عينيه: “شعبان قال لأبي إن بإمكانه الخروج من الخيمة، كما أن والدتي كانت تحاول إطفاء الحريق بالملابس (…) استشهد شعبان ووالدتي بينما أصيب جميع أفراد عائلتي بحروق شديدة، وأنا نجوت لأنني كنت خارج الخيمة”.
ومضى بالقول بتأثر شديد: “لم أعرف أمي عندما رأيتها، كما أننا واجهنا صعوبة في التعرف على جثمان شعبان، فلم يكن أي من معالمه واضحة، حتى ملابسه كانت محترقة بالكامل، ولم نجد أي علامة تدل عليه”.
واستطرد: “النار كانت بتولع فيها وماكلاهم أكل، وحاول والدي إنقاذه لكنه لم يتمكن من ذلك. النار التي كانت في الخيام لا توصف وكانت كبيرة وعالية جدًّا وأُغمي عليّ بسبب احتراق عائلتي أمام عينيّ”.
لا فرق بين إسرائيل والنازية
ويحكي شعبان جبريل قويدر، القريب من العائلة بأن طموح وأحلام شعبان كبيرة بحجم حلمه الأول بأن يصبح طبياً ذا بصمة مؤثرة في الإنسانية، مؤكداً أن فشل مساعيه في دراسة الطب لم تحط أبداً من عزيمته.
شعبان الحافظ لكتاب الله هو الأكبر بين اثنتين من الإناث وثلاثة من الذكور، فكان مدلل أبيه وأمه. كان الجميع يلاحظ تعلقه الشديد بأمه والتصاقه بها من شدة حبه لها الذي ظهر حتى على صفحته الشخصية، إلى أن استشهدا في أحضان بعضهما.
كانت أمه آلاء عبد الناصر الدلو (القطاع) تنشر له منشورات عدة عبر صفحته وتهتم بترك بصمة تعليقاتها على كل صورة له لتتغزل فيه أمام الجميع.
لم يلتقط شعبان أنفاسه للتعافي من الإصابة، فأصبح في غمضة عين هو الآخر واحد من شهداء طوفان الأقصى في واقعة “محرقة الخيام” التي تلعثم أمامها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، حين سأله صحفيون عن ادعاء إسرائيل بوجود مسلحين، وكيف أن عمليات قتل النازحين داخل الخيام بدأ يصبح طبيعيا، رغم تكرار واشطن الادعاء بأن الأمر غير مقبول حتى تجاوز عدد الشهداء 40 ألفا.
واكتفى ميلر بتكرار إجابته التي دأب عليه بتفهم البيئة الصعبة التي تعمل فيها إسرائيل، واصفا مشاهد احتراق شعبان بأنها “مروعة”، وعندما سأله إذا ما كان يعتبر ما حدث داخل المستشفى مروعا بما يكفي لاعتباره جريمة حرب، قال ” لا يمكنني إجراء هذا النوع من التقييم الآن، ولابد من تقييم الحقائق قبل أن أي قرار فردي”!.
أما النائب الإسبانية لوني بيلارا فرفعت صورة الشاب شعبان الدلو داخل قاعة البرلمان الإسباني متسائلة بغضب عن الفرق بين غرف الغاز تحت حكم النازية وما تفعله إسرائيل اليوم؟…لا فرق.
“}]]