[[{“value”:”
ظروف لا تطاق في قطاع غزة مع استمرار الحرب وانتشار الجوع والمرض وسط العدوان الٳسرائيلي الوحشي، وتوقّف الجهود المتكرّرة لتوفير الٳمدادات الٳنسانية الضرورية للبقاء. ولا تزال السلطات المحتلّة ترفضها، ولا تسمح ٳلا بدخول جزء صغير من كمّية المساعدات التي كانت تدخل قبل الحرب. ليس السماح بدخول الغذاء عملاً خيرياً، هو التزام أخلاقي بموجب القانون الدولي الإنساني، ورفض الامتثال له جريمة حربٍ مع أوامر الٳخلاء التي يصدرها الجيش، ويتبع بعضها بعضاً. ما يجبر السكّان على الانتقال من مكان ٳلى آخر، حيث يستمرّ القتال، ولا توجد استراتيجيّة للخروج من الأزمة.
على النقيض من ذلك، أخطرت ٳسرائيل الأمم المتحدة رسمياً بٳلغاء الاتفاقية التي تنظّم علاقاتها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بما يشمل قطاع غزّة الذي تخترقه الحرب.
ويواجه القرار استنكاراً دولياً وتنديداً من عواصم أوروبية بحظر أنشطة الوكالة، ومن مفوضها العام فيليب لازاريني، الذي اعتبر القرار “سابقة خطيرة” تزيد من معاناة الفلسطينيين.
لقد أصبح شمال قطاع غزّة مسرحاً للقصف والتفجيرات وقتال الشوارع والمجاعة، ويشعر المدنيون بكابوس متكرّر في مشاهد تعود ٳلى ما قبل عام من بداية الحرب الٳسرائيلية. والقتال مجدّداً يدور حول المستشفيات، ولا يزال ممنوعاً على الصحافيين دخول المناطق التي تشهد وضعاً كارثياً، والمصابون الذين يدخلون المستشفى الوحيد في المنطقة يموتون بسبب نقص الدواء، وتُستهدَف الطواقم الطبية.
وفقاً للتقديرات، لا يزال ما بين 250 ٳلى 400 ألف يعيشون في شمال القطاع. الأزمة الٳنسانية مطلقة، والوضع أسوأ من الوضع المروّع. وتقول “أونروا” ٳن معظم القوافل القادمة من جنوب القطاع ترفض، وعدد قليل من الشاحنات (10% من احتياجات سكّان القطاع) تمرّ عبر الشمال بسبب العمليات العسكرية المستمرّة.
بحسب القانون الدولي الإنساني لا يمكن إجبار الأشخاص في منطقة حرب على المغادرة
لم يعد هناك طعام أو ماء، والآبار جافّة ولا توجد موادّ ضرورية للحياة مع اقتراب فصل الشتاء. لا توجد طبابة ولا تعليم للأطفال مع صعوبة عودتهم إلى الصفوف المدرسية. سيفعل الأطفال أيّ شيء ليتعلّموا في سنة ثانية من دون تعليم، ونحو 625 ألفاً يعيشون محرومين من المدارس. البقاء على الحياة هو صراع يومي، ويشعر الآباء بعدم قدرتهم على توفير التعليم لأطفالهم، وهم لا يعرفون إذا بقوا في الحياة غداً. يتمكّن الموت من تأسيس نوع من الروتين، مع الحاجة ٳلى جهود دولية سريعة لوقف الحرب وٳعادة بناء نظام التعليم وٳعادة بناء المدراس.
وبحسب إحصاءات وزارة التربية والتعليم في غزّة، دُمِّر 42% من المباني المدرسية، وتعرض 30% لأضرار جسيمة، و24% لأضرار جزئية. ما يحدث أفظع من أيّ شيئ يمكن تخيله. يُجلى الأهالي من مكانٍ إلى آخر، أو يقتلون في الطريق. ويواجه الناس صعوبة في التحرّك. لم يبقَ عندهم شيء. أصبح الغزّيون منهكين من النزوح المستمرّ والظروف غير الصالحة للعيش، وهم محاصرون في مناطق صغيرة ومكتظّة على نحو متزايد.
القانون الدولي الإنساني واضح، فلا يمكن “إجبار الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في منطقة حرب على المغادرة”، وجيش الاحتلال “مسؤول عن حيواتهم”. وهو يتصرّف كأنها حرب عصابات يخوضها، لا تحترم حقّ الفلسطينين في الحياة. مسؤولو الٳغاثة دقّوا ناقوس الخطر بشأن تزايد الخسائر في صفوف المدنيين جرّاء تجديد الهجمات في الشمال لمنع حركة حماس من ٳعادة تجميع صفوفها هناك، ومن انهيار نظام الرعاية الصحّية وتقديم الخدمات: “جميع سكان غزّة معرّضون لخطر الموت”. وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، من أن المدنيين يواجهون “مستويات مروّعة من الموت والإصابة”، وأن “الحصار شمالي قطاع غزّة لا يطاق”، معرباً عن صدمته من العدوان القاتل والقتلى والجرحى والدمار، ومن الجوع الذي يزيد من معاناة المدنيين في شمال القطاع الذي “يعيش أحلك أيامه”. المجتمع الدولي متباطئ. الناس على الأرض يعيشون تحت الأنقاض وعلى قطعة خبز أو ما يعادلها في اليوم.
أفاد تقرير للأمم المتحدة بأن نحو 345 ألفاً من سكّان غزّة، أي ما يوازي 16% من السكّان، سيواجهون جوعاً “كارثياً” هذا الشتاء، بعد التراجع الحادّ في دخول المساعدات. ولفت التقييم الذي أعدّته وكالات أممية ومنظّمات غير حكومية ٳلى أن هذا العدد يأتي بالمقارنة مع 133 ألف شخص مصنّفين حالياً ممن يعانون “انعداماً كارثياً للأمن الغذائي”.
تتلقى اللجنة الدولية للصليب الأحمر مكالمات “فوضوية “، عبر خطّ المساعدة الخاص، ممن أصابهم الخوف ولا يعرفون ما يفعلون. يبدو أن كلّ شيء رمادي؛ أطلال رمادية، مبان رمادية (هيومن رايتس ووتش)، والمصابون ينزفون ويموتون مع التقلّص الخطِر في المواد الطبّية والعلاجات الضرورية (المدير العام لمنظّمة الصحّة العالمية)، وتنقطع الاتصالات بانتظام.
أصبح الغزّيون منهكين من النزوح المستمرّ والظروف غير الصالحة للعيش، وهم محاصرون في مناطق صغيرة ومكتظّة بشكل متزايد
الناس تعيش ظروفاً لا يمكن مقارنتها بما حدث في السابق، وبأيّ شكل، نتيجةً لسياسة إسرائيل المُعلَنة التي تحرم الفلسطينيين من أنشطة “أونروا”، التي توظف 33 ألف شخص، بما في ذلك 13 ألفاً في غزّة، وتشكل العمود الفقري للمساعدات الإنسانية (80%).
وتدير الوكالة المدارس والمراكز الصحّية في الضفة الغربية وفي مخيّمات الشتات. يلغي قرار الاحتلال امتيازات “أونروا” وحصاناتها، ما يؤدّي ٳلى وقف إصدار التأشيرات لموظّفي الأمم المتحدة، وإلى منع عبور البضائع إلى غزّة والضفة الغربية والقدس. فيما تصرّ الولايات المتحدة على دعوة ٳسرائيل إلى ٳلغاء القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية في غزّة، والطلب عدم مهاجمة “أونروا”، لكنّ رفض إسرائيل قائم، ويتجاوز إطار التحالف الحكومي اليميني المُتطرّف ليشمل عديدين من قادة المعارضة.
فكرة “أونروا” أن تبقي على قضية فلسطين حيّة، وهذا يفضح النيات والأسباب الحقيقية وراء الإجراءات الإسرائيلية، وفرض أمر واقع جديد في تجاوز القرارات الدولية ذات الصلة التمثيلية لقضية أرض وشعب، وقضية عودة اللاجئين الفلسطينيين في الخارج ٳلى ديارهم. هنا تذكير محبط للدبلوماسية الأميركية بمدى ضآلة ما حقّقت الزيارات وتصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن (11 زيارة في أقلّ من عام). وهو أعرب غير مرّة عن أمله في ٳجراء بعض التقدّم نحو وقف ٳطلاق النار في غزّة ولبنان. وتسلّط الجهود التي بذلها الضوء على محدودية الجهود الأميركية في وقف الجرائم الإسرائيلية، التي تهدف لٳجبار المدنيين الباقين في الشمال على النزوح جنوباً.
لم تنجح تلك الجهود في ردع سلوكات إسرائيل التطهيرية والعرقية والبربرية في تجويع المدنيين، ولا تحذيرات صريحة من ٳدارة بايدن من أن أميركا قد تعيد النظر في إمدادات الأسلحة، في محاولة إطلاق السلام في الشرق الأوسط، ووقف معاناة الفلسطينيين، والمعاناة أبعد من أن تكون مُجرَّد مسألة خدمات إنسانية، ولم تبدأ منذ عام، بل هي معاناة من الاحتلال، وللفلسطينيين حقّ ككل شعوب الأرض في تقرير مصيرهم نهائياً.
“}]]