بيت لحم/PNN- داخل منزل تظهر عليه آثار التدمير عانقت عطاف أولادها وشقيقاتها لأول مرة منذ سجنها قبل عامين. وكان المنزل قد هدمت جدرانه بفعل تفجيره من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل نحو عام ونصف العام، في بلدة السيلة الحارثية إلى الغرب من مدينة جنين.
تجمعت بالبيت مجموعة كبيرة من الناس لتقديم التهاني لعائلة جرادات، التي استقبلت يوم أول أمس الثلاثاء أسيرتهم عطاف جرادات، المحرَّرة ضمن الدفعة الرابعة من صفقة تبادل الأسرى بين حماس والاحتلال.
بدأت قصة عطاف حين اعتقلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي من منزلها في بلدة السيلة الحارثية غرب مدينة جنين قبل عامين، وبعد تحقيق طويل وقاس تم نقلها إلى سجن الدامون، وكانت تواجه حكما بالسجن يتراوح بين 7 الى 15 عاما، بتهمة التستر على أبنائها الذين اتهموا بتنفيذ عملية إطلاق نار قرب مستوطنة حومش جنوب جنين والتي قتل فيها مستوطن إسرائيلي.
ظروف اعتقال قاسية
تقول جرادات إنها اتهمت بمباركة ما قام به أبناؤها عمر وغيث، وأيدت ذلك على وسائل الإعلام، وكان العقاب اعتقالها، وهدم منزلها وهي بالسجن وأضافت “سألني المحقق لماذا لم تقولي إنك على علم بما فعله عمر وغيث، أجبته كيف تطلب مني أن أبلغ عن أبنائي؟ كان متوقعا أن أحاكم بقرابة 15 عاما، لكن بحمد الله استطاع المحامي أن يخفض الحكم إلى عامين”.
وأوضحت “كان ظرف اعتقالي قاسيا جدا، لأن اولادي الثلاثة كانوا في السجن، وكذلك شقيقي، وبعد فترة من سجني وصلني خبر هدم منزلي، الذي عشت فيه سنين من حياتي وربيت فيه أولادي ويحمل ذكرياتي معهم في كل زاوية منه”.
وقبل اعتقال عطاف اعتقلت قوات الاحتلال أبناءها الثلاثة، لكن أفرج عن ولدها المنتصر بالله قبل قرابة شهر، ويواجه عمر وغيث حكما بالسجن المؤبد. وعن ظروف سجنها تحدثت عطاف للجزيرة نت وقالت “السجن متعب، وصعب جدا، عشت أياما لا تحتمل، خاصة حين علمت بهدم منزلي، وبعدها بفترة، تم هدم منزل ابني عمر من قبل قوات الاحتلال”.
وشددت على الوقع النفسي للخبر عليها قائلة “كان أمرا صعبا جدا على روحي، خصوصا وأنه منزل عريس لم يمض على تكوينه سوى 5 أشهر، هدم ومنعت زوجته العروس من المكوث فيه فلم يعد صالحا للسكن، وتكسر أثاثه الجديد الذي لم يستعمل فعليا، كنت أخشى عليه وهو في السجن، حين يصله الخبر كيف سيتحمله. وكنت أخشى على غيث فهو صغير لم يكمل الـ17 عاما، كيف سيتحمل السجن”.
لقاء ثقيل
تقول عطاف إن واحدة من أقسى اللحظات التي مرت عليها خلال فترة سجنها، هي اللحظة التي تلقت فيها رسالة مكتوبة بخط اليد من ولدها غيث، والذي كان في قسم الأشبال القريب من قسمها في الدامون. كان غيث يطلب منها أن تسامحه لأنه اعتبر أنه المسؤول عن اعتقالها وعن كل ما تعيشه.
وتروي أنه “كتب يقول ليتني مت قبل أن يكون لي يد في سجنك هنا، فكتبت له رسالة وأعطيتها لأحد الأشبال المعتقلين في يوم محاكمة، وقلت فيها كلنا سنخرج من هنا يا غيث، هذا يقيني بالله فلا تهتم، ولا تلم نفسك أنا كلي فخر بكم”.
وتصف عطاف لحظات لقائها أولادها في المحاكم بالأثقل على قلبها، تقول وهي تستذكر تلك المشاهد ببكاء شديد “كنت أراهم بالمحكمة ولا أستطيع أن أحضنهم أو ألمسهم، أو حتى أتحدث معهم، كنت أصرخ في قاعة المحكمة ليسمعوا صوتي، كنت أحاول أن أشد من عزيمتهم، وأردد لهم (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا)، لكن منعي من عناقهم وهم قريبون مني كان أمرا صعبا”.
كانت عطاف تشعر بالحسرة في عيون أولادها في كل مرة تلتقي بهم في المحكمة، وكانت ترى دموعهم التي يحاولون إخفاءها عنها في كل مرة كانت تدخل المحكمة مقيدة اليدين. تقول إنها لا تقوى على البعد عنهم الآن، وإنها لن تستطيع أن تراهم مرة أخرى بعد خروجها من السجن.
تجربة سجن الرملة
وخلال اعتقالها، نقلت عطاف إلى عيادة سجن الرملة، برفقة إحدى الأسيرات الجريحات، وذلك لتكون مرافقة لها وتعتني بها خلال فترة علاجها في عيادة الرملة، وبقيت عطاف هناك مدة 3 أشهر، شهدت فيها على حالات الأسرى المرضى، ومعاناتهم، وتنكيل الاحتلال بهم وهم على أَسِرّة العلاج.
تقول “أنا أعتبر أن مرافقتي لإحدى الأسيرات الجريحات هو مهمة جهادية، ولا يمكن وصف ما رأيته من معاناة هناك، فالزنزانة بمساحة مترين في متر واحد، وتقفل ببابين من الحديد، فيها سرير للجريحة وسرير لي، بعد وجودي هناك بـ3 أسابيع سمح لي بمكالمة عائلتي وطمأنتهم عليّ، وكنت أرى الجرحى الأسرى، هناك من قطعت قدمه، ومن تعرض للشلل فلا يستطيع الحركة، رأيت وليد دقة، والأسير عاصف الرفاعي وسامر أبو دياك”.
وأشارت إلى أنها كانت تتحدث معهم خلال تجولها أمام الغرفة في عيادة الرمثا، وروت أنه في إحدى المرات قالوا لها إن وليد دقة خرج من جلسة الكيماوي وهو متعب جدا ومنع من التحدث مع أهله. وتعلق قائلة “كان ذلك شيئا مؤلما جدا، كيف يحكم بالسجن لمدة 37 عاما ويكون في مراحل متقدمة جدا من المرض، ويحرم من مجرد اتصال هاتفي مع عائلته؟!”.
قمع وتنكيل
وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبدء العدوان على غزة، تعرضت عطاف وغيرها من الأسيرات في سجن الدامون للقمع والتنكيل، حيث دخلت وحدات القمع إلى أقسام السجن واعتدت على الأسيرات بالضرب ورش غاز الفلفل، كما سحبت منهم أدوات الطبخ، وحتى الأحذية والأغطية والحاجات الشخصية الأساسية. فيما اعتدى عليها السجانون بالضرب وتم عزلها لمدة 3 أيام.
تقول الأسيرة المحررة “زادت أوضاع السجون صعوبة بعد السابع من أكتوبر، تعرضنا للقمع أكثر من مرة، وتم رش غاز الفلفل في غرف الأسيرات، وطبعا لم يكن هناك أي تواصل مع أهلنا أو أي أحد خارج السجن، لكن في أول يوم من الحرب عرفنا بما حدث”.
وتضيف “كنا نتوقع أنه تم خطف جندي أو اثنين، ولذا بدأت الاحتفالات داخل القسم، لأننا عرفنا أن خروجنا سيكون قريبا من خلال صفقة تبادل، لكن بعد ذلك لم نعرف أي شيء عن عدد الجنود الإسرائيليين الذين تم أسرهم، والأخبار كانت شحيحة بسبب مصادرة أجهزة المذياع من الأقسام”.
وعلى الرغم من الفرحة التي تشعر بها عطاف وكل عائلتها، بسبب تحررها من السجن، والتي كانت واضحة من أعداد المهنئين الذين توافدوا إلى منزلها لرؤيتها والسلام عليها، فإنها تؤكد أن هذه الفرحة جاءت مع غصة ووجع في القلب على ما يحصل مع أهل غزة، وأن كمية الدمار وعدد الشهداء يمنع الكل من الفرح.
وقالت عطاف “ندعو الله بأن يمدهم بالنصر والفرج القريب، وأن يحمي المقاومة، أدعو لهم في كل سجود لي بإذن الله سينصر الله غزة العزة”.
المصدر : الجزيرة